خطاب الأسد في 2019 تتمة لخطاب 2012… حزم في مواجهة التحديات الجديدة للحرب المستمرة
حسن حردان
معركة الوعي، ومواجهة استمرار الحرب العسكرية والاقتصادية والمعلوماتية ومحاربة الفاسدين، وحماية الاستقلال الوطني والسيادة ووحدة الشعب والأرض، كلها عناوين أساسية ركز عليها الرئيس بشار الأسد في خطابه المفصلي والهامّ الذي ألقاه قبل أيام في مؤتمر المجالس المحلية… حتى أنه يصح القول فيه بأنه خطاب حدّد فيه طبيعة التحديات التي تواجه سورية في المرحلة الجديدة من الحرب التي لم تنته بعد.. تماماً كما حدّد في بدايات الحرب عام 2012 في خطابه الشهير استراتيجية مواجهة الحرب الإرهابية الكونية التي استهدفت إسقاط الدولة الوطنية السورية، والتي تضمّنت محاربة الإرهاب وعدم المساومة معه، والتأكيد بحزم على التمسك باستقلالية القرار الوطني لسورية وانّ ايّ إصلاح يجب أن يكون إصلاحاً وطنياً بعيداً عن تدخل خارجي…
اليوم، بعد أن أنجز الجيش السوري، بدعم من حلفائه، مهمة محاربة القوى الإرهابية بكلّ منوّعاتها، ونجح في تحرير القسم الأكبر من المناطق التي كانت تسيطر عليها، ولم يبق سوى مناطق محدودة في شمال البلاد، من دون أيّ مساومة مع هذه القوى الإرهابية… وبعد أن وصلت الولايات المتحدة الأميركية إلى مرحلة الفشل في تحقيق أهدافها من هذه الحرب، واضطرارها إلى أخذ قرار سحب قواتها من شمال وشرق سورية، بزعم أنها أتمّت مهمة القضاء على ما تبقى من تنظيم داعش في شرق الفرات، للتغطية على إخفاق مشروعها في إسقاط الرئيس بشار الأسد وتدمير الدولة الوطنية السورية والفشل في تقسيم سورية.. وتسليم الدول، التي تآمرت على سورية ودعمت الإرهابيين، بفشل أهدافها والبدء باستدارتها والعودة إلى فتح سفاراتها في دمشق وفتح قنوات التواصل معها وانْ ببطء، بعد كلّ ذلك يمكن القول بدأت مرحلة جديدة من الحرب.. وفي هذه المرحلة يسعى أعداء سورية إلى محاولة إجهاض انتصارها عبر تشديد الحصار الاقتصادي ومنع عودة النازحين، لفرض شروطه السياسية للحلّ السياسي، من خلال محاولة تشكيل اللجنة الدستورية بطريقة تضمن لهم صياغة دستور جديد ينسجم مع أهدافهم في تفكيك وحدة الدولة الوطنية والشعب السوري، وكذلك السعي إلى فرض إقامة حكم ذاتي أو كونفدرالية للأكراد في شمال سورية تكون بمثابة مرتكز لاستمرار التدخل الأميركي الصهيوني الغربي في شؤون سورية الداخلية، كما هو حال العراق اليوم… وكذلك لبنان… وفي هذا السياق يجري استخدام وسائل الضغط الاقتصادي والحرب النفسية والإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير على صمود الشعب السوري ومحاولة دفعه إلى الضغط على حكومته لتقديم التنازلات، وذلك من أجل أن يحقق أعداء سورية ما عجزوا عنه طوال ثماني سنوات من الحرب الإرهابية…
الرئيس بشار الأسد الذي أثبت خلال سنوات الحرب، صلابة وجرأة وشجاعة، وفي الوقت نفسه عبّر عن وعي وبعد نظر وقدرة على قيادة المعركة الوطنية في مواجهة أكبر تحالف دولي مكوّن من أكثر من مائة وعشرين دولة بقيادة الولايات المتحدة، أدرك اليوم أنّ المرحلة الجديدة من الحرب المستمرة تحتاج إلى استنفار ووعي وطني لتعزيز وتحصين الانتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفائه ومنع الدول المعادية من تحقيق أيّ هدف من الأهداف التي سعت اليها، وعدم إعطائها ايّ جوائز كالسماح لها بالمشاركة في إعادة إعمار سورية بعد أسهمت في تدميرها… ولهذا فإنّ الرئيس الأسد شدّد على مواجهة حرب الانترنت، ومحاربة الفساد والفاسدين في الداخل، والحرص على توفير المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية للشعب ومنع أيّ استغلال لها باعتبار ذلك جزءاً أساسياً من المعركة لتحصين الجبهة الداخلية وقطع الطريق على الساعين إلى تقويضها… على أنّ هذه المواجهة في الداخل تترافق أيضاً مع مواصلة المعركة الوطنية لاستكمال تطهير ما تبقى من أرض يسيطر عليها الإرهابيون والقوات الأجنبية المحتلة، وعدم التهاون في العمل على استعادة كلّ شبر محتلّ من الأرض السورية واعتبار ايّ قوات أجنبية موجودة علي ايّ بقعة من ارض سورية من دون إذن أو موافقة الدولة السورية إنما هي قوات احتلال وعلينا محاربتها…
وفي هذا السياق كان لافتاً توجّه الرئيس الأسد إلى الأحزاب الكردية والقول لهم بانّ ضمانتهم الوحيدة هي العودة إلى حضن الدولة السورية وأنّ الذي يحميهم من التهديد التركي إنما هو الجيش السوري، وانّ الرهان على الأميركي لن يجدي نفعاً، والتجربة أثبتت عقم مثل هذا الرهان.. انّ هذه الرسالة الهامة من الرئيس الأسد للأحزاب الكردية تأتي عشية اقتراب إتمام قوات الاحتلال الأميركي انسحابها من سورية وهو ما يضع هذه الأحزاب أمام خيارات حاسمة لا مجال فيها لاستمرارهم في المناورة… أما الرسالة الثانية المهمة التي وجهها الرئيس الأسد فقد كانت للولايات المتحدة التي تحاول عبر وكلائها العملاء أن تتدخل لفرض شروطها في تركيبة اللجنة الثلاثية لإعداد الدستور، وهذه الرسالة تجسّدت بقرار حاسم وحازم يرفض السماح بأيّ تدخل خارجي في مسألة وضع دستور جديد لسورية باعتبار ذلك جزءاً أساسياً من الاستقلال الوطني الذي لا مساومة عليه ولا تفريط به.. وبدا واضحاً مدى حساسية الرئيس الأسد إزاء قضية الاستقلال الوطني والسيادة وحق الشعب في تقرير ما يريده من دستور بعيداً عن أيّ تدخل خارجي، مباشر أو عبر وكلاء للخارج.. وهذه القضية، منذ بداية الحرب، اعتبرها الرئيس الأسد جوهر المعركة… استقلال سورية وقرارها الوطني المستقلّ غير التابع في خياراته السياسية والوطنية والاقتصادية هو المستهدف، ولهذا لا مساومة على هذا الاستقلال… وسورية التي دفعت التضحيات الجسام دفاعاً عن استقلالها وحرية قرارها لن تفرّط بهما أو تساوم عليهما الآن بعد أن باتت عشية إلحاق الهزيمة الكاملة بقوى الإرهاب وإجبار القوات الأجنبية على الرحيل عن أرضها دون قيد ولا شرط أو أيّ ثمن سياسي أو اقتصادي أو أمني…