صراع المحاور الإقليمية والدولية.. سورية نقطة التحوّلات
أمجد إسماعيل الآغا
إبان ما سُمّي بـ «ثورات الربيع العربي»، برزت تحديات جمة شكلت في ماهيتها مسارات مختلفة شكلاً ومضموناً، عن طبيعة التحالفات والاصطفافات التي كانت سائدة قُبيل الدخول في متاهات الربيع الأميركي، الأمر الذي فرض توافقات دولية جديدة تقتضي الدخول في مرحلة إعادة بناء التحالفات الإقليمية والدولية، وفقاً للتغيّرات التي طرأت مع دخول الشرق الأوسط مرحلة بالغة التعقيد لجهة رسم معالم النظام العالمي الجديد، ولعلّ أبرز ما وسم هذه المرحلة، هو التركيز على محاولات دمج الكيان الصهيوني في التكتلات الإقليمية، حيث تمّ التركيز على إعادة حشد الدول المنخرطة في التحالف الأميركي ضدّ ما يتمّ الترويج له حول ضرورة مواجهة «النفوذ الإيراني»، لترتفع بناء على ذلك وتيرة اللغة السياسية خاصة مع تعاظم قوة محور المقاومة، وبروز القوة الإيرانية بوصفها عاملاً مؤثراً على الصعد كافة، فمع انجلاء غبار الحروب من سورية والعراق واليمن، تأكد وبالقطع أنّ إيران وطبيعة علاقاتها الإقليمية والدولية فرضت على واشنطن ومحورها، تغيير الاستراتيجيات لتتوافق مع طبيعة المستجدات التي فرضتها سورية وإيران في الإقليم، ومع القرار الأميركي المتعلق بالانسحاب من سورية، توضح المشهد الناظم لماهية التحالفات الجديدة التي تسعى واشنطن لإعادة صوغها بُغية مواجهة الأخطار المحدقة بالنفوذ الأميركي على المستويين الإقليمي والدولي.
القرار الأميركي غايته بلورة تحالفات جديدة مع التوجه نحو تقليص الوجود الأميركي العسكري في المنطقة، فبعد التطورات السورية والتي جاءت ممهورة بتوقيع الدولة السورية وجيشها، وما تبعها من تعاظم الدور الروسي بالتوازي مع صعود إيراني بارز، كُسرت معادلات أميركية كانت لعقود طويلة ناظمة لكافة المسارات السياسية والعسكرية إقليمياً ودولياً، وهذا ما أصاب العقل السياسي الأميركي بـ «الشيزوفرينيا» أو الفصام أو الاضطراب النفسي، لتبدأ بذلك مرحلة دراسة الجدوى من المردود الحقيقي الذي جنته واشنطن من حروبها وتدخلاتها في معظم أقطار العالم، هذا الأمر سيدفع العقل السياسي الأميركي إلى بناء استراتيجية جديدة قوامها التدخل عن بُعد مع صفر خسائر، من أجل مواجهة وتحجيم الدور الروسي الإيراني المتعاظم في المنطقة، فضلاً عن البحث في كيفية احتواء ما أنتجته الحرب على سورية، لا سيما انّ سورية ومحورها باتوا نقطة تحوّل بارزة في خارطة النفوذ الإقليمي.
النقطة المحورية التي شكلت في جزئياتها تبايناً واضحاً في مشهدية صراع المحاور، تمثلت في القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، الأمر الذي أحدث قلقاً سياسياً لدى حلفاء واشنطن، ولهذا السبب يتمّ التفكير في كيفية التعامل مع المستجد البارز والمؤثر على هيكلية التحالفات والاصطفافات في القادم من التطورات، في هذه الأجواء، وبعد مراكمة البيانات السياسية والميدانية، تقترب الدولة السورية وحلفاؤها من حسم المعطيات ونتائجها، هي نتائج لا تعرقلها الاعتداءات الإسرائيلية، أو المناورات الأميركية والأوروبية، وبالتالي لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن تتمّ عرقلة مسار التطورات السورية والتي تفرض توازناً إقليمياً يقابله اختلال في ميزان التوازن الدولي، ليتمّ نقل محور واشنطن إلى غرفة إنعاش سورية روسية ايرانية، أما تركيا التي تبحث صيغ التداول السياسي مع طرفي استانة وسوتشي، فالواضح أنها تتماثل للشفاء مع عناية مركزة روسية، وهذا يترتب عليه حُكماً توافقات حول اللجنة الدستورية السورية، وملفي إدلب وشرق الفرات، وهذا أيضاً مرتبط بدوره بما تمّ فرضه من ثقل سياسي وعسكري سوري لجهة تطوير المسارات وتشبيك التحالفات، وعليه فإنّ صفو التحالفات الجديدة لن تُعكره صراعات جانبية، طالما أنّ الهدف الاستراتيجي السوري يسير وفق خطة وضعت بذكاء قلّ نظيره، وعليه فإنّ القادم من التحالفات والاصطفافات إقليمياً ودولياً، ستكون مرتبطة بشكل مباشر بما يخلص إليه الشأن السوري.
نجاح دمشق وموسكو وطهران ميدانياً، سيتمّ استثماره تفاوضياً وفرضه سياسياً، على الرغم من السخونة الدولية المتوقعة جراء تخبّط واشنطن، والتي قد تؤدّي إلى مفاجأة أميركية من العيار الثقيل، لاستعادة الثقة بتأثير القوة حتى بغياب التلويح بها، وهنا لا يُستبعد أيّ احتمال خاصة مع الرؤية الأميركية التي تؤسّس لمواجهة التمدّد الإيراني بحسب التوصيف الأميركي، لكن في مقابل ذلك يبدو أنّ الفضاء السياسي المرتبط بالتوازنات السورية الروسية الإيرانية، سيكون كفيلاً بوضع صراع المحاور الإقليمية والدولية الناجم عن تداعيات الانتصار السوري، في مسار العداء السياسي بمعناه الإيجابي، ايّ جذب المتخلفين عن الركب الأميركي إلى الحلف الثلاثي الصاعد «دمشق موسكو – طهران»، مع الأخذ بعين الاعتبار أيّ هزات ارتدادية من قبل واشنطن، لا سيما أنّ واشنطن بدأت بانسحاب أو إعادة انتشار متوافقة بذلك مع البناء على معادلة سورية المنتصرة.