انكشاف الأهداف الأميركية في فنزويلا… وفشل تغيير المعادلة الداخلية
حسن حردان
كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأهداف الفعلية لتدخله في شؤون فنزويلا وهي السعي إلى إسقاط الأنظمة الاشتراكية في كلّ من فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا… زاعماً أنّ أيام الاشتراكية في هذه الدول باتت معدودة، وانّ حكم الاشتراكيين أدّى إلى نتائج كارثية ودمّر اقتصاد البلاد، وانّ الولايات المتحدة تسعى لتحقيق انتقال سلمي للسلطة في فنزويلا، مجدّداً دعوته الجيش الفنزويلي للتوقف عن دعم مادورو والاعتراف بـ خوان غوايدو رئيساً للبلاد…
هذا الكلام للرئيس الأميركي يؤكد زيف ادّعاءات واشنطن بأنها تهدف إلى الدفاع عن حقوق الإنسان.. فالمسألة باتت واضحة للرأي العام وهي أنّ إدارة ترامب لديها مخطط يستهدف إسقاط كلّ الأنظمة الاشتراكية في أميركا اللاتينية وإعادة تشكيل أنظمة تابعة تدور في فلك هيمنة الولايات المتحدة، كي تتمكن من ردّ بعض الروح لمشروع الهيمنة الأميركي الذي يعاني من الانهيار نتيجة فشل حروب أميركا المباشرة وغير المباشرة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي استعادة هيبتها وسطوتها الدولية في مواجهة الدول المتمرّدة عليها وتلك التي تشكل تحدياً لها من خلال سعيها إلى بناء نظام دولي متعدّد الأقطاب على أنقاض نظام الهيمنة الأميركي الأحادي القطب…
كما كشف كلام ترامب عداء أميركا المستحكم للأنظمة الاشتراكية في أميركا اللاتينية، لكون هذه الأنظمة تنتهج خطاً تحررياً تنموياً مستقلاً اقتصادياً يحقق العدالة الاجتماعية، عبر توظف الثروات الوطنية في خدمة هذه السياسات التي حققت إنجازات هامة في فنزويلا وقبلها في كوبا ونيكاراغوا وبوليفيا، مكّن هذه الدول من الصمود في مواجهة المؤامرات الأميركية.. وقد ترك ذلك إحساساً متزايداً في دوائر الإدارة الأميركية بالقلق من تنامي هذا الاتجاه الاستقلالي التحرري في القارة الأميركية الجنوبية وبالتالي سقوط المزيد من الأنظمة التابعة للولايات المتحدة…
أما مزاعم ترامب بأنّ سياسات الأنظمة الاشتراكية في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا أدت إلى نتائج كارثية ودمّرت الاقتصاد، تتهاوى أمام حقائق ووقائع الإنجازات التي حققتها الأنظمة الاشتراكية على صعيد التنمية وانتشال الملايين من الفقراء من ظروف الحياة البائسة التي كانوا يعيشون فيها في ظلّ الأنظمة الرأسمالية السابقة التابعة للولايات المتحدة… فالثورة البوليفارية في فنزويلا بقيادة الرئيس الراحل هوغو تشافيز، حرّرت ثروات البلاد من نفط ومعادن من سيطرة ونهب الشركات الأميركية، ووظفت قسماً من عائدات هذه الثروات في بناء ملايين المساكن للفقراء، وتأمين التعليم والصحة لجميع المواطنين مجاناً، وتنمية الريف ودعم الفلاحين.. أما كوبا فإنها، وباعتراف الأمم، من بين الدول الأولى في العالم لناحية تأمين الخدمات الصحية للشعب.. وإذا كانت هناك من مصاعب تواجه هذه الدول إنما هي ناتجة عن سياسات الحصار الاقتصادي التي تنتهجها واشنطن ضدّ الدول الرافضة لهيمنتها…
وكذلك الأمر مع المساعدات الإنسانية، فهي لا تعدو وسيلة تستغلها واشنطن لتبرير تدخلها وتعزيز القوى الموالية وتمكينها من الظهور بمظهر من يسعى إلى التخفيف من معاناة الشعب التي سبّبتها العقوبات الأميركية بهدف تأليب الناس ضدّ حكم الرئيس مادورو وصولاً إلى الإطاحة به…
غير أنّ الوقائع تؤشر الى هذا المخطط الأميركي للإطاحة بالرئيس مادورو يواجه الفشل في سعيه الى تحقيق أهدافه بفعل معادلة قوية قوامها:
أولاً: الشعب المسلح المستعدّ للدفاع عن الوطن والمتجسّد بالقوات الشعبية المسلحة التي تشكل رديفاً للجيش في التصدّي لأيّ غزو خارجي، وهي مكونة من نحو 1.700.000 ألف عنصر ووضعت خطة لزيادتها إلى 2.000.000 عنصر، وهذا إنجاز هام جداً يعزز صمود فنزويلا ويمكنها من مواجهة أيّ غزو عسكري أميركي. وهو نموذج اعتمدته كوبا لحماية ثورتها في مواجهة العدوانية الأميركية…
ثانياً: صلابة موقف الجيش الفنزويلي في رفض التدخلات الأميركية في شؤون البلاد وتأكيد قيادته الاستعداد للدفاع عن الوطن وقول وزير الدفاع بأنّ من يريد الإطاحة بالرئيس مادورو عليه أولاً أن يدوس على جثثنا…
ثالثاً: حزم وثبات الرئيس مادورو في رفض إدخال المساعدات الأميركية المهينة والتي تستهدف من خلالها واشنطن التدخل في شؤون البلاد الداخلية، وإعلانه عن السماح بدخول ثلاثمائة مليون طن من المساعدات الآتية من روسيا والصين. لأنها غير مشروطة ولا تمسّ كرامة الفنزويليين…
انّ هذه المعادلة الفنزويلية القوية والمتماسكة وعمادها الرئيس والجيش والشعب المسلح هي التي شكلت وتشكل الضمانة لحماية استقلال فنزويلا وردع العدوانية الأميركية، وتحويل ايّ غزو أميركي إلى فيتنام جديدة.. ولا شكّ في أنّ هذه المعادلة أربكت إدارة العدوان الأميركية ودفعت ترامب إلى الاستمرار في التركيز على الحرب الاقتصادية والإعلامية والنفسية والسياسية مع التهويل والتهديد باستخدام القوة العسكري…