بكار: دمشق قدمت عروضاً لتونس لإعادة رعاياها الميلادي: علاقتنا بسورية أهم من العلاقة مع الخليج
حاورهما سعد الله الخليل
من تونس كانت بداية ما أطلق عليه يوماً الربيع العربي. وفي تونس كانت التجربة الأولى لتسلم «الإخوان المسلمين» زمام الحكم وفيها أيضاً سقط «الإخوان» في صندوق الانتخابات التي اعترفت النهضة بنزاهتها… فهل ستكون تونس بوابة عودة العلاقات العربية مع سورية خصوصاً أنها الشعار الأوحد لكل المرشحين للرئاسة التونسية؟
صحيفة «البناء» حاورت رئيس جمعية البحر المتوسط للمحامين العرب الدكتور محمد بكار ورئيسة جمعية «اعتصموا في حوض البحر الأبيض المتوسط» الدكتورة رتيبة الميلادي.
رأت الميلادي أن انقسام الدول العربية هو المسعى الأول للولايات المتحدة، لافتة إلى أن المشروع الصهيوني الذي يرمي الى تعميم اتفاق سايكس بيكو والسيطرة الصهيونية على البلاد العربية وبناء دول جديدة في الشرق الاوسط، فالولايات المتحدة لا تريد السيطرة على منطقة الخليج فحسب بل على الشرق الأوسط برمته.
وعن دوافع الغرب للسيطرة على دول حوض البحر المتوسط، قال بكار «ما يخطط لتلك الدول هو ما تواجهه القيادة السورية اليوم من محاولات تمرير النموذج الليبي في سورية، وما تبعه من تحويل كل أفراد عائلة الرئيس السابق معمر القذافي إلى مطلوب من المحكمة الدولية وكأنها هي التي مارست الإرهاب فيما الحقيقة التي رأيناها بالتردد على ليبيا بأن العائلة مثلها مثل المواطنين الليبين. واليوم تشن حرب على الشعب السوري ومحاولة إظهار وتقديم القيادة السورية كقاتلة لشعبها وبأن المسلحين هم الأبرياء ويريدون الحرية. وأضاف: «الواقع برهن غير ذلك وأثبت بأن أكبر مرتكبي جرائم الحرب هم المليشيات والمرتزقة وهذا ما صرح به تقرير من الامم المتحدة».
وتابع بكار «غيرت الأحداث الرأي العام الأوروبي وجعل الغرب يدرك خطر داعش وبأن أمنهم الداخلي مهدد، ولحسن الحظ اصبح التنظيم عدوهم وبخاصة الحكومة التركية، وشكلوا تحالفاً ضدهم وهذا ما أكد عليه سيادة الرئيس بشار الأسد».
وعن إنعكاسات ما يجري على الساحة العربية على المجتمعات أكدت الميلادي أن المجتمعات تعاني وفي شكل خاص المرأة العربية التي تواجه أشكالاً جديدة من العنف كجهاد النكاح وغيره. وأضافت: «كتجمع لناشطين على المستوى المحلي والعالمي تناولنا مشاكل الأطفال وحتى الرجال يعانون. خصوصاً أن الشعب السوري متعلق بهويته وببلاده وليس من السهل أن يتخلى عن مسقط رأسه ليتحول إلى لاجئ كونه محافظاً على العادات والتقاليد، وهو ما دفعنا الى إنشاء الجمعية وتعمدنا أن تحمل اسماً من القرآن إنطلاقاً من الأية واعتصموا بحبل الله جميعاً وأردنا بهذه التسمية السمو في المبادئ التي دعا اليها سيدنا محمد وهذه المبادئ التي استعملها الغرب لتغطية إرهابهم وما يقومون به بدين مخالف ولكن تحت تسمية دين الله ورسوله.
الإرهاب في تونس جديد
وحول المتورطين من الشباب التونسي بالقتال في سورية، أكدت الميلادي أن الإرهاب في تونس جديد ودخيل على المجتمع التونسي، لافتة إلى أن «دخول النهضه الحكم جعل قسماً من الشعب التونسي متطرفاً، والخطاب الاسلامي ليس كذلك، بل هو مسيس ومبرمج. فبعرض فيلم ضد الاسلام ارتفعت شعبية حركة النهضة لاستعراضها في ردود الفعل لتظهر وكأنها المدافعة عن الإسلام وتكلمت باسم الدين الذي تفتقده تونس في هذه الفترة.
ويرى الدكتور بكار أنه على رغم الإرهاب الذي مورس في تونس والاعتداءات على قوات الأمن وبعض المواقع السياحية، فإن شعور الشعب التونسي والرأي العام أن لا وجود للجهاد حتى حين تتكلم الصحافة عن الجهاد تضع كلمة جهاد بين مزدوجين.
وتابع: «جبهة النصرة أصبحت حركة محظورة في تونس وداعش غير معروف، وآلاف الشبان الذين لم يفقدوا حياتهم والموجودون في السجون السورية وإن كانت مشاركتهم مدانة في المواثيق الدولية وقانون روما، فإن موقف الحكومة السورية كان انسانياً للغاية، وقدمت عروضاً للدولة التونسية لتحمل مسؤولياتها لإعادتهم إلى بلدانهم ولكن مع قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية بضغط وتحريض من قطر وبقرار خفي من الرئيس الموقت تنازل عن ذلك بحملته الانتخابية. وأضاف: «اليوم الكثير من المرشحين الرئاسيين يعدون الشعب بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية لشعورهم بردود الأفعال السلبية حيال السماح بتجنيد شبابنا وتحويل تونس إلى بلد مصدر للإرهاب ومهدد بالإرهاب الداخلي».
وشددت الدكتورة رتيبة الميلادي على ردود فعل العائلات حيال تورط التونسيين في سورية وقالت: «العائلات ردت بالفعل والصحافة ومنظمات المجتمع المدني أيضاً وهناك تظاهرات أمام وزارة الخارجية شبه أسبوعية ضد القتال في سورية ولإعادة العلاقات مع سورية». وأضافت: «ديننا دين تسامح ولا يجوز أن تصبح سورية أرض الأنبياء أرض جهاد ولا يمكن على مدى التاريخ بأي حالة من الحالات».
ونوهت الميلادي بحالة المجتمع التونسي وعاداته القديمة التي حاولت حركة النهضة خلال السنوات الثلاث الأخيرة تغييرها باللباس والعادات والعقلية وأضافت: «بهزيمة النهضة استرجع الشعب التونسي استقلاله ووعيه وكلمته ومنذ الانتخابات التشريعية تعم الفرحة في الشارع التونسي.
هزيمة الغنوشي بدأت من مصر
ولفت بكار لما يمتلكه راشد الغنوشي من الواقعية بتلقي الهزيمة الانتخابية، وقال: «الغنوشي بقي عقدين في انكلترا واكتسب مهارة في الخطاب المزدوج وطريقة الوصول إلى الحكم بطريقة ديماغوجية عبر الدين من خلال خرق جل القيم الإنسانية والدينية». وأضاف: «استخلص الغنوشي العبرة من السودان والأردن وبخاصة من مصر حيث منع من المشاركة في المؤتمر القومي العربي في دورته الـ25 قبل أسبوعين من إطاحة مرسي لأنه أراد مناصرة الأخير، وبدأت هزيمته من هناك».
وتابع بكار: «خلال المؤتمر وجهت سؤالاً إلى الغنوشي الذي تخرج في جامعة دمشق وسألته هل يصح الجهاد في مهبط الأنبياء والرسالات أجاب لا ولم يجرؤ على الاعتراف بشرعية الجهاد في سورية».
وأضاف بكار: «ما يجري لعبة من تيار أراد أن يأخذ تونس، فخسر اللعبة وفي مصر ايضاً واليوم يخسر الإخوان في سورية. فالحركة التي تدعي الإسلامية غير قادرة على الحكم ولا على الاستحواذ على الدول».
وأكد بكار أن «أصابع الإخوان واضحة في اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد اللذين ينتميان إلى التيار التقدمي» ولفت إلى معلومات سابقة عن توصيات لجهات أمنية عن هذا الاغتيال، وقال: «هناك بيانات ثابتة في التحقيق لدى الجهات الأمنية والتنبيه من الاستخبارات الأميركية التي اندست في بعض الأوساط كميليشيات عبد الحكيم بلحاج الليبية».
وأوضح بكار ما تسرب عن تورط مسؤولين من حكومة الترويكا ومنهم رئيس الحكومة السابق علي العريض في قضية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وعن إمكان المضي في التحقيقات معهم قال: «الحصانة البرلمانية الجديدة ستحميهم كحزب أقلية ولا يمكن أبداً التعمق في التحقيق معهم على رغم التفاعلات الكبيرة في الشارع التونسي وخروج تظاهرات تردد نشيد ياغنوشي يا قتّال الأرواح».
وفي ما يتعلق بتأثير الغرب والخليج على الساحة الداخلية التونسية أكد بكار «أنهم داعمون وممولون للتطرف في تونس وكل الدول العربية». وقال: «اليوم السعودية تندد بالجهات المتطرفة التي كانت تدعمها وتمولها بالأمس وما زالت تدفع رواتب زعماء وتخطط في صفقات السلاح التي تزود بها هذه الحركات الإرهابية وهي ما زالت في مخازن تركيا والأردن ومع ذلك فإن هذه الدول تساند واشنطن في تحالف ضد داعش بالظاهر بينما في الحقيقة تزود داعش بالأسلحة وبمظلات في عين العرب بالصدفة الأميركية!».
السبسي الأوفر حظاً للرئاسة
في الشأن الإنتخابي الرئاسي رأت الدكتورة الميلادي أن زعيم حزب نداء تونس الباجي السبسي ربما يكون الأوفر حظاً بالفوز كونه زعيم أكبر حزب سياسي في البرلمان ولأنه من تلاميذ الرئيس التونسي الراحل الحبيب بو رقيبة. وأضافت :»المجتمع التونسي متشوق لبورقيبة العلماني والمنفتح على الغرب والجامع ما بين الشعب التونسي وهو الذي حرر المرأة. ولدى الباجي عادات تونس الأصيلة في تعامله وهو يؤثر على الدول، بخاصة العادات التي لا يحملها الغنوشي لأنه قضى معظم عمره بالخارج وعندما نسمع خطاباً له نشعر وكأنه رجل خارج العادات التونسية.
وعن إعادة العلاقات مع سورية والتي هي محور الحملات الرئاسية في تونس أكدت الميلادي «أن إعادة العلاقات مطلب شعبي كبير في الشارع التونسي وتونس مستعدة لتضحي بعلاقاتها مع الخليج من أجل سورية لأن علاقة تونس بالخليج لا تعني الشعب كما تعنيه سورية وشعبها». وأضافت: «سورية الحضارة والثقافة أسواقنا كانت تعج بالبضاعة السورية منذ زمن لا سيما البهارات السورية، بينما الخليج لم يتجذر في المجتمع التونسي. ويمكن القول إن كل من يفكر بشكل استراتيجي قادر على كسب الشارع وتهدئته بإصلاح العلاقات مع سورية وهي غاية أي رئيس مقبل».
يُبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة عصراً ويُعاد بثه الساعة الحادية عشرة مساء على قناة «توب نيوز» على تردد 12036