هكذا تكون جلسات المراقبة النيابية فعّالة

البروفسور فريد البستاني

أعلن رئيس المجلس النيابي عزمه على دعوة المجلس لعقد جلسات للمناقشة العامة لأعمال الحكومة بصورة شهرية. وهذه خطوة هامة في استقامة العمل البرلماني، في وظيفته الرقابية التي تشكل نصف المهمة الدستورية لمجلس النواب، بينما يشكل التشريع النصف الآخر. وفي لبنان يمكن القول إن المجالس النيابية المتعاقبة لم تحقق نجاحاً في مهمتها الرقابية، على الأقل بما يعادل إنجازاتها التشريعية، حتى بتنا بلداً يضع القوانين لكنه لا يطبّقها، وليس من المبالغة القول إن حدود ما يعلمه النواب عن العمل الحكومي لا يردهم كنواب من موقع صفاتهم، بل يحصلون عليه بمتابعاتهم الشخصية المباشرة أو عبر ما تنشره وسائل الإعلام. وفي دول العالم يطلع النواب على الأعمال والمشاريع الحكومية من خلال جلسات المساءلة، التي تقدّم الحكومة خلالها مجتمعة أو بوزاراتها منفردة تقاريرها عن حجم التقدّم في تطبيق القوانين التي أقرّها المجلس النيابي، وخصوصاً عن درجة تقيّدها بالموازنة العامة للدولة التي تقرّ كل سنة.

في بعض البرلمانات وصل الأمر إلى عقد جلسات يومية، يطلّ من خلالها كل صباح رئيس الحكومة ووزراؤه لمدة ساعة على مقر البرلمان، يكونون خلالها متاحين للنواب وأسئلتهم، ومراجعاتهم، ومرات كثيرة تتحول الجلسات إلى استجوابات، وتطرح خلالها الثقة بوزراء أو بالحكومة، ما يستدعي الدعوة لجلسة عامة لمواصلة المناقشة. وفي برلمانات أخرى تم تحديد يوم أسبوعي ثابت لمثول الحكومة امام البرلمان للغاية ذاتها، وحسناً أن يبدأ لبنان بالجلسات الشهرية وينظر النواب وتنظر معهم رئاسة المجلس بالحاجات التي يفرضها النجاح في تطوير هذا المسار الرقابي النابع أصلاً من كون مجلس النواب أعلى هيئات الرقابة في الدولة وأكثرها حصانة، سواء بقوة القانون، أو بقوة الإرادة الشعبية التي جاءت بالنواب، وهذه الإرادة في كل ديمقراطية هي المصدر الأعلى للسلطات.

نحن معنيون بأن تنجح هذه التجربة وأن تتطوّر، كشرط من شروط قيام الدولة، فنحن في ظل نظام ديمقراطي برلماني كما يقول الدستور، والديمقراطية مساءلة ومحاسبة، وساحتها الرئيسية مجلس النواب.

كي لا تكون الجلسات المخصصة لمراقبة سير الأعمال الحكومية ومساءلة الحكومة حول أدائها تكراراً مكثفاً لما سبق وشهدته وانتهت إليه جلسات المناقشة العامة السابقة، التي لم تكن مشكلتها بتقطع مواعيدها وتباعدها فقط، بل بتغلب الطابع السياسي على مضمونها وسيطرة الحضور الإعلامي على وظيفتها، بدلاً من الدخول في تفاصيل العمل الحكومي ومراقبة تقيّده بالقوانين ومراعاته لشروط الإنفاق العام، سواء لجهة التقيد بضوابط الموازنة العامة، أو بالقوانين التي تنظم المحاسبة العمومية وآلياتها، ما سيحتّم على رئاسة المجلس وهيئة مكتب المجلس وضع ضوابط ومعايير لاستثمار هذه الجلسات بما يضمن منح البعدين السياسي والإعلامي حقهما، لكن دون الطغيان على هذه الجلسات إلى حد تعطيل الوظيفة المراد تأديتها من جعل الجلسات شهرية ومنتظمة، واستكمالاً لتلك الضوابط التي سترافق الدعوة للجلسات الشهريّة وتنظّم حالات النقل المباشر وصيغها، لا بدّ من الالتفات إلى أمرَين أساسيين لا بدّ من تحقيقهما، لضمان الفعالية والإنتاجية، بصفتهما العنوان الأهم للأداء النيابي في هذه الجلسات الشهرية:

أولاً: فصل الجلسات الشهريّة المخصصة للمراقبة والمساءلة عن ممارسة النواب حقهم بمراجعة الوزراء المعنيين كلٍّ في مجال عمل وزارته بالقضايا التي يستشعرون أهميتها أو تهمّ مناطقهم وناخبيهم، بتخصيص أيام أخرى، وربما كل شهر مرة لكل وزير بحيث يتم إبلاغ النواب بجدول توزّعها على الوزارات مسبقاً يحضر خلالها أحد الوزراء إلى المجلس النيابي مرة كل شهر، للقاء مَن يرغب بالحضور من النواب لمناقشته بما يرغبون ومراجعته بما يريدون وتلقي الأجوبة على أسئلتهم ومراجعاتهم. وهذا حقّ للنواب دون جعلهم مجرد مراجعين في مكاتب الوزراء.

ثانياً: تخصيص عنوان لكل جلسة شهرية بقرار من هيئة مكتب المجلس، تدور بالتناوب كل ستة أشهر فتكون هناك جلسة للأسئلة والاستجوابات، وجلسة مفتوحة للمناقشة العامة، وجلسة لعرض الإنفاق الحكومي والتزامه بقانون الموازنة، وجلسة لعرض خطط النهوض وبرامجها والمشاريع الإنشائية والاستثمارية للدولة. ويجب أن يكون من ضمن هذا التناوب في عناوين الجلسات الشهرية كل ستة أشهر، جلسة مخصصة لمناقشة ملف مكافحة الهدر والفساد، كعنوان يتصدّر الاهتمام اللبناني العام واهتمام الحكومة، ومسؤولية المجلس النيابي المحورية في هذا المجال.

إن انتظام واستقامة أداء المجلس النيابي كأعلى الهيئات الرقابية في مكافحة الفساد، يستدعيان السير بإضافة لجنة نيابية إلى اللجان القائمة هي لجنة مكافحة الهدر والفساد، تتولى ضمان المتابعة المنتظمة في المجلس النيابي لهذا الملف وتضمن اطلاع المجلس على ما تقوم به من متابعة مع هيئات الرقابة واطلاع على تقاريرها، وتنسيق بين أجهزتها. وهو بالمناسبة تنسيق شبه معدوم اليوم، والاطلاع النيابي على مجرياته يتم بالتواتر بينما نحن بأمسّ الحاجة ليكون منتظماً ومؤسسياً، بحيث يصير حضور رؤساء أجهزة الرقابة لاجتماعات هذه اللجنة من ضمن قوامها القانوني، فيأتي تقريرها المقدّم لجلسة المناقشة التي ستكون لها فرصة على الأقل كل ستة أشهر، مدخلاً جدياً لقيام الهيئة العامة بمناقشة تفاصيل ومفردات هذا الملف بما يتخطّى العموميات، بحيث يتم تظهير المخالفات التي ارتكبتها الوزارات والمؤسسات الحكومية في مجالات التوظيف، والتلزيم، والإشارة إلى مكامن الهدر ومؤشرات الفساد، أسوة بما ستقوم به لجنة المال والموازنة في تقريرها الذي يشكّل أساس النقاش في الجلسة التي نقترح أن تخصّص كل ستة أشهر لمناقشة الإنفاق الحكومي ودرجة تقيّده بالموازنة العامة.

ترجمة لهذا المقترح سأتقدّم باقتراح قانون ينصّ على إضافة اللجنة النيابية لمكافحة الهدر والفساد إلى قوام اللجان النيابية القائمة.

نائب الشوف في مجلس النواب اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى