المناهج عند سعاده والقراءات الخمس 3 منهج ديالكتيك أو منطق الأضدّاد

د. حيدر الحاج اسماعيل

صحيح أن منطق الديالكتيك نظمه الفيلسوف الألماني هيغل Hegel 1770 ـ 1831 ، لكن الحقيقة أنه ليس من صنعه؟ ذلك لأن الديالكتيك ابتدأ بالمتصوفين من بلادنا، والعالم الإسلامي. وهناك دليلان على ذلك: الدليل الأول تجده في شهادة الفيلسوف البريطاني برتراند رسل Russell، الذي يذكر في كتابه Western Philosophy، أن الفيلسوف هيغل تأثر بالمتصوفين الإسلاميين 1 .

والدليل الثاني نجده في كلام المتصوفين الإسلاميين أنفسهم. فالحلاّج مثلاً يقول شعراً في وصف الحبيب، الذي هو الله، كله ديالكتيك هذا بعضه 2 :

لي حبيب أزور في الخلوات

حاضر غائب عن اللحظات

ظاهر باطن قريب بعيد

وهو لم تحوهِ رسوم الصفات

ثم هناك الفيلسوف المتصوف الشيخ محي الدين بن عربي 1164م ـ 1240م في دمشق حي خاص معروف باسمه الذي يقول شعراً، فيما يلي 3 :

فالحق خَلْقٌ بهذا الوجه فاعتبروا ليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا

ويعني بالحق الله وبالخلق يعني المخلوقات ثم يقول نثراً ما يلي: «إن الحق المنزّه، هو الخلق المشبه، وإن كان قد تميز الخلق من الخالق 4 .

وكلا هذين القولين ديالكتيك. ونذكر أيضاً بعضاً من شطحات المتصوف أبي يزيد البسطامي، وهو التالي: «سبحاني ما أعظم شأني»، عانياً بذلك أن المحدود الذي هو البسطامي نفسه، هو اللامحدود الذي هو الله! هذا الجمع بين الأضداد أو المتناقضات، كان بداية الديالكتيك أو أول مظاهره.

اتخذت تلك البداية، عند الفيلسوف الألماني هيغل، صورة قانون منطقي هو قانون وحدة الأضداد، ولأن هيغل وضع ذلك القانون، وقوانين أخرى، لذلك وصفناه بأنه منظم الديالكتيك، وعنينا أنه وضع الديالكتيك في قوانين. في حين أن الديالكتيك على صورة جمع بين الأضداد، أول ما ظهر مع المتصوفين الإسلاميين المحمديين كما ذكرنا.

أين الديالكتيك عند سعاده؟ سعاده استخدم الديالكتيك، أو طبّقه على بعض الظاهرات الاجتماعية في سورية. وذلك، لأنه، في العلوم عموماً، والعلوم المنطقية خصوصاً، يمكن لأي عالم أو فيلسوف، أن يستفيد من إنشاءات عالم أو فيلسوف آخر. على سبيل المثال يمكن القول، إن منهج كارل ماركس، هو منهج هيغل، أعني الديالكتيك الهيغلي. الفرق أن ماركس طبّق ذلك الديالكتيك في تحليله ونقده لعلم الاقتصاد السياسي، في حين هيغل طبّقه في عالم الفكرة، أو الروح المطلق. ومن أقوى الأدلة، كلام لينين نفسه، لينين نفسه يقول: «يستحيل على أي إنسان، أن يفهم كتاب الرأسمال لماركس، ما لم يدرس درساً كاملاً، كتاب المنطق لهيغل. ويتابع لينين ليقول: إن جهل الماركسيين للديالكتيك الهيغلي، نتج عنه جهلهم بماركس 5 .

هذا الكلام معناه أن ماركس في كتاب الرأسمال، استخدم الديالكتيك الهيغلي، ومعناه أيضاً أن لينين فهم كتاب الرأسمال، على ضوء ذلك الديالكتيك الهيغلي ذاته. أقول ذلك بالرغم من أن بعضاً من المفكرين الماركسيين، بخاصة المدرسة الماركسية الفرنسية، ومنها لوي الثوزا Althusser يظن أن الديالكتيك الماركسي، غير الديالكتيك الهيغلي.

ولكن يظل رأيي رأي ماركس نفسه. فماركس لم ينسب لنفسه اكتشافاً علمياً، سوى أن الطبقات هي تاريخية وأن الرأسمالية ستتبعها ديكتاتورية البروليتاريا، وأن هذه الديكتاتورية مرحلية، تتبعها الشيوعية. ليس هناك في كل المكتوبات التي تركها ماركس، أية إشارة إلى أنه اكتشف الديالكتيك، ثم إذا عدنا إلى كتابات ماركس، نجد أنه استخدم ليس فقط الديالكتيك الهيغلي، بل العبارات والمصطلحات الهيغلية المنطقية ذاتها. ثم هناك شهادة ماركس نفسه، أنه كان هيغلياً.

بصورة عامة أقول، إن العلوم الجاهزة هي للجميع، ومن بينها العلوم المنطقية. ماركس لم يكن مبدعاً في المنطق، ولا سعاده كان مبدعاً في المنطق. كلاهما استخدما العلوم المنطقية والمناهج التي وجدها في العلوم، التي اختصا باكتشافها: ماركس في علم المادية التاريخية، وسعاده في علم نشوء الأمم وتعريفها.

بالنسبة إلى المنهج الديالكتيكي، نقول، إن سعاده استخدمه في شرح المبدأ الأساسي الرابع، الموجود في كتاب المبادئ. هناك يقول سعاده ما يلي: «فإذا كانت النعرة الفينيقية هي الـThese، والنعرة العربية هي الـAntithese أو بالعكس. أي إذا كانت النعرتان الدينيتان، تضعان نظريتين متعارضتين، فمما لا شك فيه، أن مبدأ وحدة الأمة السورية، المؤلفة من سلالتين أساسيتين مديترانية وآرية، من العناصر التي كونت في مجرى التاريخ، المزاج السوري، والطابع السوري النفسي والعقلي، هو المبدأ الذي يقدم الـSynthese، أو المخرج النظري من تعارض النظريتين مذهباً واحداً هو القومية 6 .

طبعاً سعاده عنى بهذا الكلام، أن القومية السورية داخل البلاد السورية، هي المبدأ الجامع للضدين اللذين هما القومية اللبنانية الفينيقية الخائفة على نفسها، وعلى الكيان اللبناني، والمؤسسة على المذهب الماروني، والقومية العربية المتمسكة بالعالم العربي، وعروبته، والمبنية على الإسلام المحمدي. قد تسأل كيف ذلك فأجيبك بقولي، إن القومية الاجتماعية التي يطبقها الحزب في سورية، توحّد الأمة السورية داخلياً وتنهض بها توحيداً ونهوضاً يقضيان على النعرات الطائفية التعصبية، بتأسيس السلام الأهلي على مبدأ أن الأمة مجتمع واحد، ودولتها علمانية، وليست معسكرات طائفية، وفي ذلك صون للبنان. ثم إن الأمة السورية الموحدة الناهضة، وباعتبارها أمة عربية، ستعمل على تأسيس الجبهة العربية الواحدة من كل شعوب العالم العربي، صوناً لهذه الشعوب وللبلاد العربية.

خلاف ذلك استمرار الاستنزاف والانهيار، بواسطة الفتن الداخلية بين المتمسكين بالقومية اللبنانية المذهبية الضيقة والانعزالية، والمتمسكين بالقومية العربية الانفلاشية والمترامية الأطراف.

الهوامش

Russell, Bertrand. History of Westrn Philosophy.

عبد الكريم اليافي. دراسات فنيّة في الأدب العربي، مطبعة جامعة دمشق، 1963، ص 279 ـ 280.

الشيخ محي الدين بن عربي، فصوص الحِكَم، النصّ الإدريسي، ص 79.

المرجع السابق، ص 78.

تجدر الإشارة إلى: الرسالة القشيرية في علم التصوف، دار الكتاب العربية الكبرى، مصر. وإلى كتاب عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، فالرسالة والكتاب مرجعان مهمّان للراغبين في دراسة الشطحات الصوفية.

أنطون سعاده. كتاب مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وغايته. شرح المبدأ الأساسي الرابع، ص 33.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى