رانية زغير: الطفل ناقد مهم وجيد والتعامل معه يأتي على أسس ومعايير أدبية واضحة ومدروسة
نبيل المقدّم
لا تشبه رانية الزغير صاحبة دار نشر «الخياط الصغير»غيرها من أصحاب دور النشر المتخصصة بقصص الأطفال في لبنان.هي لا تصدر كتبها وتطرحها في الأسواق فقط، بل تتوجّه إلى المعني الأول بكتبها أي الطفل. تقرأ قصصها أمامه مباشرة في المدراس والنوادي وتبني معه علاقة تفاعلية على أساسها تقيس نجاحها من عدمه. نجاحها الحقيقي تعتبره رانية في أنّ كتبها قد ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة من لغات العالم.كان آخرها قصة «خخخخ» والتي ترجمت إلى اللغة الكرواتية.
«البناء» التقت رانية زغير وأجرت معها الحوار التالي نصه:
أنت متخصصة في علم النفس التربوي هل كان هذا هو الدافع إلى التوجه نحو أدب الطفل ؟
ـ كلا ليس لهذا علاقة بذاك أنا من مواليد عام 1977 أي خلال فترة الحرب الأهلية يومها كانت أجواء الحرب مسيطرة على كل شيء. لم يكن عندنا في مدرستنا مكتبة عامة نختار منها الكتب التي نحب. كانت القصص تفرض علينا فرضاً، وكان علينا التعامل معها كواجب مدرسي، بغضّ النظر عمّا إذا كنا قد أحببنا القصة أم لا. الكتب التي كانت تفرض علينا لم تكن تلك التي كنت أتمنى قراءتها وأنا طفلة، لذلك بقي عندي شعور بأنّ جزءاً من طفولتي لم أعشه كما كنت أتمنى. زد على ذلك أنه عندما يكون لديك أطفال لا مجال إلا أن تحب أولاد الآخرين أيضاً.
ما هي الخصائص التي تميّز أدب الطفل عن غيره من الفنون الأدبية الأخرى؟
ـ لا أرى فوارق لأنّ المعايير التي توضع لنقد أدب الأطفال هي نفسها التي توضع لنقد أدب الكبار. فالأدب هو الأدب بغضّ النظر عما إذا كان موجّهاً إلى الكبار أو الصغار. التجربة تقول إنه ليس هناك موضوعاً نتكلم فيه مع الكبار لا نستطتيع أن نتكلم فيه مع الصغار، ما قد يختلف هو الأسلوب واللغة. ففي مخاطبة الأطفال تكون الجمل أسهل وأبسط وسهلة الفهم أكثر حتى كتب الدين والتي يعتبرها البعض صعبة ومعقدة حتى على الكبار أنفسهم، يمكن صياغتها بأسلوب بسيط وسلس يدخل بسرعة إلى ذهن الطفل ووجدانه. أنا ضدّ أن يكون هناك أنا وأنت في التعامل بين الكبار والصغار ما يجب أن يكون هو نحن. التفرقة يجب ألا تكون موجودة.
بصراحة هناك الكثير من قرائي هم من الكبار والبالغين وهذا دليل على أنّ الطفل حتى عندما نكبر يظلّ صاحياً في داخلنا. كثيراً ما أدعو أشخاصاً بالغين إلى الاستماع إلى قراءتي للأطفال هولاء أتوجه إليهم قائلة: لا تأتوا وحدكم اصطحبوا معكم الطفل الذي في داخلكم. أرفض كلمة خصائص في التعامل بين الكبار والصغار. الخصائص تعني أن هناك حدوداً. أنا ككاتبة لا أرى تلك الحدود وهنا قد أختلف مع الأكاديميين الذين لو سألتهم لخرجوا عليك بلائحة لا نهاية لها حول الخصائص التي يجب أن تتوفر في أدب الطفل. وبالرغم من أنني حائزة على ماجستير في علم النفس التربوي من الجامعة الأميركية في بيروت فأنا، في تعاملي مع الأطفال، أضع ذلك في الدرجة الثانية وأقدم عليه تعاملي كأم عندها أطفال.
تصدرين قصصك باللغة العربية في وقت قلّ للأسف اهتمام أولادنا باللغة العربية بماذا تجيبين؟
ـ أصدق من يجيب على هذا السؤال هم الأطفال أنفسهم. هناك شكوى عامة عند الأطفال من أنهم يضجرون بسرعة من قراءة القصص باللغة العربية مقارنة بما يطالعون من قصص باللغات الأجنبية. أقول ذلك بكل أسف ولكن هذا الواقع والسبب هو الأسلوب الذي نتوجه به إلى أطفالنا. لذلك أحرص في كل قصصي على أن أضمّنها مواقف مضحكة. الضحك يكسر الروتين التربوي الذي تعود عليه القارئ الصغير في المدرسة وهذا أمر مهم جداً. هناك جائزة في بريطانيا خاصة بأدب الأطفال المضحك. لا يوجد في أي جامعة من جامعات العالم العربي اختصاص اسمه أدب الأطفال وهذا أمر سيئ. وربما يكون السبب في أن أدب الطفل في عالمنا العربي رديء بشكل عام. بينما في العالم فإنّ مستوى الاختصاص في أدب الأطفال يصل إلى درجة الدكتواره. المشكلة ليست في اللغة المشكلة في الأسلوب. الكتابة التربوية شيء وأدب الطفل شيء آخر. هناك خلط بين الاثنين وأنا أعتبر أنّ هذا الموضوع هو معركتي التي أخوضها يومياً. إذاً علي أن أقنع الأهل والمعلمين في المدراس والذين هم بيدهم قدرة الاختيار وقدرة الشراء بالنسبة للطفل بهذه الفكرة.
أدب الأطفال مسألة إبداعية وليست كتابة تربوية. الأمران مختلفان الكتابة التربوية عندنا هي عبارة عن وجبة معلبة تعطى للطفل على شكل وعظ وإرشاد وحتى أوامر مكتوبة ليس فيها أي مجال للطفل أن يتعاطف مع الشخصيات أو أن يتبنّى دورها أو يتخيل نفسه مكانها.
هل المشكلة في أنّ فكرة الربح المادي هي التي تطغى على تفكير الكاتب أو دار النشر؟
ـ ما ينقصنا صراحةً هو أدب أطفال حقيقي علينا نحن كدور نشر متخصّصة بكتب الأطفال أن نلعب دورنا كما يمليه واجبنا تجاه الطفل. بمعنى آخر، عندما نكتب علينا أن لا نفكر أولاً بالربح المادي، وفي ما إذا كان مدير المدرسة أو الأهل سيشترون كتبنا أم لا. من واجب المدرسة عندما تختار كتباً لتلاميذها الأطفال أن تذهب نحو خيارات متنوعة تراعي ذوق الطفل واهتماماته وأن يكون فيها أدب الطفل بمعناه الحقيقي. كلنا في عملنا نبتغي الربح وإلا كيف نسطتيع أن نؤمن استمراريتنا في الحياة وهذا أمر منطقي. الأدب والربح المادي لا يتناقضان، إنما ما قد يختلف هو بين أن يكون الربح فقط من أجل الربح وبين أن يكون الربح بهدف توفير المادة من أجل التطوير وتحقيق الأحلام. التعامل مع الطفل يلزمه الكثير من الصبر وطول البال.
بماذا يختلف أسلوبك عن أسلوب الآخرين؟
ـ بالنسبة إليّ أنا أشبه كتبي بقطعة الحلوى. يلتهمها الطفل بسرعة تعجبه طعمتها ويعود ليطلب غيرها. والأهم بالنسبة لي أن تكون القصة مربوطة بقضية ما تحاكي اهتمامات الطفل وتشدّه لقراءتها. الطفل ناقد مهم وجيد، هو يعبّر عن إعجابه أو عدمه بما تقرأه له من خلال حركاته ولغة عيونه ودهشته. من خلال عملي مع الأطفال أسعى دائما إلى أن أجعلهم يقولون رأيهم كما هو بالقصة. حرية التعبير ليست عيباً كما يحاول الأهل والأساتذة في المدرسة تصويرها للطفل.حرية التعبير لا تتناقض مع مبدأ الاحترام.