مستنقعات الحروب مضمار الغرب المتوحش الأكثر ربحاً…
محمد ج. الحاج
قد يستغرب البعض القول إنّ الحروب هي جنة الرأسمال الصناعي الغربي، وربما بشكل ما تكون المحرك الرئيس لاقتصاد دول صناعية في الجانب الآخر المقابل، قصدت به الشرق، مع أنّ الأخيرة تعمل للسلام وتحاول جاهدة وقف الحروب ونزف الدماء والاستثمار في الإنتاج الإنساني والابتعاد عن تخريب المجتمعات في الوقت الذي تعمل مراكز الأبحاث والدراسات في المجتمع الرأسمالي الغربي على إيجاد المبرّرات للحروب على ساحة العالم الثالث، سواء بين دوله ولأسباب يراها العقلاء تافهة، أو في داخل الدولة الواحدة بين مكوّناتها بعد استغلال الاختلاف في العقائد أو الأعراق أو حتى المذاهب بينما هي تجاوزتها في مجتمعاتها.
الميديا في خدمة التصنيف
المتظاهرون في فرنسا فرنسيون يحتجّون على الحكومة بسبب شعورهم بالمعاناة أو الإجحاف أو الانتقاص من الحقوق، وهم ليسوا كاثوليك ولا بروتستانت انجيليين ولا عملاء لدولة أجنبية، يتعرّضون للتوقيف والسجن لأيام أو أشهر بتهمة إثارة الشغب، مثلهم تماماً البحرينيون في العوامية، والسعوديون في المنطقة الشرقية، لكن هؤلاء بالعرف الرسمي ليسوا بحرينيين ولا سعوديين بل هؤلاء هم عملاء وإيرانيون مخرّبون يُحكم عليهم بالإعدام والمؤبّد والتجريد من الجنسية والطرد خارج البلاد، ويصمت العالم، طبعاً عالم الغرب والرأسمالية لأنّ إجراءات الحكومات العميلة له محمية وتصبّ في خدمته، ويأتي التعتيم الإعلامي العالمي والمحلي على قضاياهم في خدمة الحرب بكلّ تصنيفاتها، استطراداً، صنّفت الميديا العالمية بغالبيتها المرتزقة من 87 دولة على أنهم ثوار «سوريون» يطالبون بحريتهم، ونتيجة للهجوم الإعلامي الدولي غير المسبوق مترافقاً بالتهديدات المرعبة أجبرت ملايين السوريين على النزوح، الخارجي المبرمج، والداخلي العشوائي.
انتصار الميديا…
لماذا يتجه مادورو شرقاً، ولماذا يتوجه بخطابه إلى القيادات العربية لنصرة فلسطين ويقول إنه يشعر بأنه عربي فعلاً ومعني بالقضية الفلسطينية ولن يتخلى عن نصرة هذه القضية؟ مادورو يخرق قدس الأقداس الماسونية، من يتعرّض بالقول أو الفعل ويتخذ موقف مادورو هو عدو الرأسمالية العالمية التي تتحكم بالدولار والعالم وهي صهيونية بمجملها، من هنا يجب فهم شيطنة هذا الرجل وخلق منافس له يدور في الفلك الصهيو أميركي وهو قد أفصح عن ذلك عندما ظهر مؤيدوه يلوّحون بأعلام الكيان الصهيوني، لقد أصبح ذلك واضحاً ومفهوماً، لكن الميديا قادرة أن تقلب المفاهيم فيكون هؤلاء وحدهم شعب فنزويلا وغيرهم «رعاع» عملاء لجهة ما، خصوصاً أنّ أغلب شعوب العالم لا تقرأ، بعضها يسمع قليلاً من التحليلات السياسية، وحتى هذه تكون مشوّهة وموجهة، وبالتالي تنقلب القضية إلى حقوق واحتياجات شعبية «إنسانية» وتظهر المساعدات والمعونات، وبالطبع هي ملغومة تماماً كشحنات البطانيات وحليب الأطفال التي أدخلها صقر المستقبل عن طريق تركيا وبداخلها الصواريخ المضادة للدروع والطيران من كلّ التصنيفات… فرنسية… أميركية… ألمانية، وحتى من صناعات شرقية انتقلت إلى ضفة الناتو، المعونات والمساعدات الإنسانية أداة فاعلة في خدمة حروب الغرب وتحقيق رغبة احتكاراته والأهمّ خدمة مشروعه في المنطقة… وانتصرت الميديا حتى في المحافل الدولية التي تأسسّت لخدمة الأمن والسلام العالميين.
ما قاله ضابط الاستخبارات سنودن وما صرّحت به هيلاري كلينتون وآخرون في الإدارة الأميركية وصور الاجتماعات التي عقدها شيوخ مع البغدادي وغيره كفيلة بفضح الإدارة الأميركية على المستوى العالمي وإفهام قادة العرب والأعراب حقيقة الأهداف الأميركية في المنطقة، الأرجح أنهم يعرفونها ويتسترون ويراهنون على انصياع القطيع بعد شراء المثقفين أو قمعهم أو تصفيتهم، أما الغرب الذي خطط وساهم تدريباً وتمويلاً وتغاضياً عن تسرب إرهابيّيه الى المنطقة، فقد كانت غايته التخلص منهم وتخريب الأنظمة التي تهدّد أمن الكيان الصهيوني، وعلى أن لا يعود أحد منهم، اليوم تبدأ رحلة معاناة الطرفين، الحكومات التي ترفض عودتهم ومحاكمتهم، بل تخشاها، وهؤلاء الذين يراهنون على جنسياتهم وحقوقهم «الإنسانية» التي لا بدّ تسقط نتيجة الرهاب الذي أوجدته الميديا ذاتها دعماً لهم وللكيان الصهيوني.
لم تتوقف الحروب منذ عقود أربعة في منطقة المشرق العربي، ولم تتوقف عجلة مصانع الأسلحة بكلّ أنواعها، وأما حكومات الغرب فقد تخلصت وما زالت تعمل على تجديد مخزونها من الأسلحة الحديثة بعد تصريف واستهلاك القديم منها وتغذية الحروب البينية العربية ضمانة لحماية الكيان الصهيوني، وهكذا يكون تصنيف كلّ من يقف ضدّ الكيان باعتباره إرهابياً.. فارسياً… مجوسياً! من وجهة نظر تتناسب مع نظرة القيادات العربية الطامحة إلى التطبيع وبيع القضية الوطنية الفلسطينية بموجب صفقة القرن، وهكذا، ولأنّ إيران أعلنت العداء للكيان غير الشرعي على الأرض الفلسطينية يصبح السوري المتمسك بحقه إيرانياً ومثله حزب الله واليمنيون، ويبدأ قاموس الإنسانية الغربية بتسجيل مسمّيات جديدة لا تدخل في جنة حقوق الإنسان العالمي.
في مشرقنا يمكنهم القول إنّ الحراك المشبوه حراك وطني ولو قام به التركستاني والقوقازي والايغوري والسوداني والتونسي ومواطنو جزر الماو ماو طالما تقودهم لحية جرى تدريبها على الخطابة والفتوى وقيادة عمليات التخريب في تل أبيب، وهنا يقتصر الجهاد على كلّ العمليات بعيداً عن مواقع الاغتصاب الصهيوني، وتحت يافطة محاربة «الإرهاب» يمكن للغرب الذي صنعه أن يتدخل ويحميه ويوجهه، وفي اللحظات الحرجة ينقله ويعمل على إنقاذه، أليس هذا ما فعله الأميركي والبريطاني، وهل تعلم كلّ دول أوروبا هذه الحقيقة، وأنّ المزيد من المرتزقة من كلّ الجنسيات ومنها أوروبية ما زالوا يعششون في إدلب وريفي حلب وحماة وأنّ تركيا التي أدخلتهم هي من سيتولى إخراجهم بطريقتها بعد مساومة أوروبا وقبض الثمن، لهذا هي تحميهم الآن.
لن تتوقف الحروب القائمة على صناعة الأسلحة وتطويرها وزيادة إنتاجها، مع أنّ للصراع دوافع ومسبّبات أخرى كثيرة ومنها الاقتصاد ومواقع المواد الأولية والخامات، وأيضاً مساحات التوسع والنفوذ، لكن من الممكن نقل مواقعها إلى مستنقعات جديدة حسب الحاجة والقدرة على الفعل ووجود الذريعة، الأرجح أنّ منطقتنا لم تخرج من دائرة الاستهداف ولهذا يشهرون حرباً من نوع آخر، حرب التجويع، والحرمان من ضروريات الحياة تحريضاً للشعوب على حكوماتها غير القادرة على تجاوز الحصار بسهولة مع انعدام الشعور بالمسؤولية من قبل أنظمة الجوار وموقفها المتعاون مع إدارة الحرب السرية علينا.