مبادرة روسية جديدة في سورية… سيرٌ بين الألغام

حسن شقير

لم يكد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ينهي زيارته الأخيرة لروسيا، حتى سارع إلى اعتلاء منابر الإعلام المختلفة، معلناً أنه «اتفق والرئيس بوتين على هدف مشترك في سورية، ويتعلق بإخراج جميع القوات الأجنبية منها.. وتحديداً تلك التي دخلتها بعيد العام 2011«، والتي يأتي في مقدّمتها – بالنسبة لنتنياهو -، القوات الإيرانية، والقوى المتحالفة معها، وعلى رأسهم حزب الله…

ولم يكد نتنياهو ينهي تصريحه ذاك، حتى خرج الرئيس بوتين، بتوضيح لذاك الإعلان الصهيوني، بأنّ «روسيا ستعمل على تشكيل إطار إقليمي جامع لكافة القوى الإقليمية المعنية بالنزاع السوري.. وذلك بغية العمل على تطبيع الواقع على الأراضي السورية كافة، وذلك بعد إخراج جميع القوات الأجنبية منها« وقبل هذا وذاك أعلن بوتين، بأنّ هذه الطروحات الجديدة، لا يمكن السير بها، إلا بعد القضاء على الإرهاب، وتحديداً في محافظة إدلب السورية

ولم يكد أيضاً وأيضاً، يصدر ذاك التوضيح الروسي، حتى أعلنت روسيا عن بدء وزير خارجيتها سيرغي لاڤروف، عن عزمه القيام بجولة عربية، يهدف فيها إلى بحث ملفين أساسيين. وهما: ملف تشكيل اللجنة الدستورية، وملف «إعادة سورية إلى الجامعة العربية».

ما الذي تحاول روسيا تسويقه من جديد، وذلك بغية إخراج عقد حلّ الأزمة السورية من عنق الزجاجة؟ وما هو الذي يعلق في عنقها حقاً؟

فمن جهة روسيا وسورية وإيران، يتمسك هذا الثلاثي بخريطة الطريق التالية: مكافحة الإرهاب، فتشكيل اللجنة الدستورية، فتطبيع الأوضاع على الأرض، وذلك عبر العمل على إعادة الإعمار وبدء عودة اللاجئين، ومن ثم عرض الدستور على استفتاء شعبي، ليُصار بعدها إلى تنظيم انتخابات على أساسه.

أما من جهة تركيا فإنها تريد من «الكعكة السورية« حظوة خاصة، وخصوصاً أنها تعتبر نفسها اللاعب الأكبر في سورية، إن في السياسة أو في الميدان أيضاً، وبالتالي، فإنها تقترب وتبتعد – وكعادتها منذ أكثر من ثماني سنوات -، من طروحات كلّ من أميركا تارة، وروسيا تارة أخرى… والهدف التركي هو الهدف، أنه الأمن والمصالح الجيوسياسية والاستراتيجية في سورية، وبشكل حصري.

أما من جهة الدول العربية، وتحديداً تلك المعادية للدولة السورية، والتي عملت دون كلل سياسي، عسكري، أمني، واقتصادي، وعلى امتداد سنوات الحرب على سورية، محاولة إسقاط نظامها.. إلا أنها اليوم، وبعد أن يئست من تحقيق ما عملت لأجله، فإنها باتت، – وبفعل الرغبة الصهيوأميركية مع الأسف – تنادي بما ينادي به نتنياهو وترامب على حدّ سواء، وذلك بضرورة إخراج القوات الإيرانية وحلفائها من سورية، عائدين إلى سياسة «عرض الجزر« على نظامها، متناسين شعارات «الحرية والديمقراطية والتغيير والمحاسبة«، والتي رفعوها على امتداد كلّ تلك السنوات التي مضت!

من هنا، فإنّ أميركا ومن خلفها الكيان الصهيوني، حدّدا – وبكلّ وضوح -، ما الذي يريدانه من سورية وفيها أيضاً.. وذلك بعيداً عما تشتهيه السفن التركية من «الكعكة السورية«، وبعيداً أيضاً عما تلهث وراءه بعض الدول العربية من فتات حلّ الأزمة فيها.. إنها إيران في سورية، مربط الفرس في كلّ هذا وذاك.

وبناء عليه، فإنّ ما يمكن استشرافه من تبجّح نتنياهو، وتوضيح بوتين، وجولة لاڤروف العربية، ربما ينحصر ضمن طرح روسي جديد، يهدف إلى تحريك المياه الراكدة في مسار حلّ الأزمة السورية، وهذا الطرح ربما تكون خطوطه العريضة، مبنية على قاعدة ومثلث من زوايا متماثلة.. فأما القاعدة، فتتمثل في اجتثاث الإرهاب في محافظة إدلب وأرياف المحافظات المجاورة لها، يليها اتفاق إطار بين الدول المتخاصمة في سورية وعليها، وذلك ضمن رزمة واحدة، وبضمانات روسية وربما أميركية وأممية أيضاً في الالتزام بتطبيقه واقعاً على الأرض، محتوياً على تشكيل اللجنة الدستورية، والخطوط العريضة للدستور الجديد، مع اتفاق على العمل على تطبيع للأوضاع على الأرض، وذلك بغية تهيئة الأرضية، وبشكل متزامن للعمل على بدء عمليات الإعمار وإعادة اللاجئين، مضافاً إليهما تهيئة الأرضية للعملية الإنتخابية فيها، وليتزامن هذا وذاك مع اتفاق على إعادة انتشار وتموضع للقوات الإيرانية وكذا التركية في الأراضي السورية، وذلك وفقاً لما يرتأيه القانون الدولي، والمعني بالتواجد العسكري المتبادل بين دولتين، وبأهداف لا تتناقض مع ما تحدّده الإتفاقيات الدولية حول ذلك… وفي هذا الإطار، وفي حال المضيّ قدُماً في تنفيذ هذا الطرح، يكون الضامن الروسي، قد عمل على تفعيل القانون الدولي والإتفاقات الثنائية بين كلّ من تركيا – سورية إتفاقية أضنة ، وكذا بين إيران وسورية، وذلك ضمن اتفاقات مشابهة لما هو حاصل ما بين الضامن الروسي وسورية، ودائماً في إطار القانون الدولي، والذي لا يسمح لدولة باستخدام أراضي دولة ثانية، بهدف «الإعتداء« على دولة ثالثة وهذا الطرح – والذي ربما يقوم لاڤروف حالياً بتسويقه، كمقترح يضمن من جهة، لسورية سيادتها على أراضيها، وقرارها الحر.. ولتركيا ضمانة في الأمن القومي، وللكيان الصهيوني تهدئة لهواجسه ومخاوفه مما يسمّيه بالتمركز الإيراني في سورية.. ولأميركا – ترامب مادة دسمة يسوّقها في دعم حملاته الإنتخابية اللاحقة، وذلك بعد استثماره بورقة ما يسمّيه بالقضاء على داعش ولإيران حفاظاً على اتفاقاتها ودورها المقونن في سورية، وذلك ضمن الشرعية الدولية، والتي ترعى هذه الاتفاقات

يبقى في هذا الطرح الروسي المفترض، الموقع العربي، والذي يجول فيه حالياً الوزير لاڤروف، بحيث يعلن من قطر، بأنّ «إطار أستانة«، للحلّ في سورية، كاف في هذا المجال، قبل أن يستطرد مردفاً، بأن هذا «الإطار، يمكن توسعته بضمه لمراقبين جدد».

فهل يقصد الوزير لاڤروف في كلامه، الدول العربية، وتحديداً الخليجية منها، وذلك بضمّها مجدّداً إلى قطار الحلّ السوري من جهة، ومن جهة ثانية يجري إغراؤها سياسياً واقتصادياً في سورية، وذلك عندما تدّعي تلك الدول، بأنّ مطلبها بخروج القوات الأجنبية – وتحديداً الإيرانية – من سورية، سيُلبّى من خلال الطرح الروسي الجديد، وربما سيشكل ذلك القبول العربي، جسر عبور سلس لعودة سورية إلى الجامعة العربية

خلاصة القول، ربما تكون هذه المبادرة الروسية، مبادرة كانت قد نسّقت خيوطها مع كلّ من سورية وإيران ومعهما تركيا، وربما لا، وذلك قبيل طرحها على نتنياهو وباقي الدول العربية «والمتوجسة« معه من التدخل والوجود الإيراني في سورية.. ولربما أيضاً وأيضاً أن تكون هذه المبادرة – العرض، سيراً لروسيا بين ألغام زرعتها وتزرعها أميركا في كلّ زاوية من زوايا الصعود الروسي في العالم، والتي تفجرها أميركا تباعاً في زوايا حلفاء ذاك القطار الروسي، وفي أية بقعة من العالم، وفي أية لحظة كانت…

فهل يتصيّد الرئيس بوتين لغم سورية من أميركا – ترامب، و»إسرائيل« – نتنياهو، واللذين يريدان أن يصوّرا نفسيهما، بأنهما «بطلان» في موسميهما الإنتخابيين…؟!

الأيام والأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى