غير مرغوب بهم في بلدهم؟!

قال الخشب للمسمار يوماً لقد ثقبتني، فردّ عليه المسمار: لو رأيت الطرق على رأسي لعذرتني..

فم مغارة الحياة قد يلقي من الحمم على الإنسان ما قد يتعذّر على فوهة بركان، إنها حمم المتاعب التي تجرّه إلى حافة الهروب في غياب أمطار الأمل التي قد تسمح للمرء بعملية اغتسال كنوع من التطهير النفسي فيقرّر السفر. لا أحد اختار السفر والهجرة حباً بالسفر، بل لأنّ الظروف المحيطة به أجبرته على ذلك عنوة. فالناجح يدرك حقيقة أن سيأتي يوم ويقدّر أحدهم إنجازاته ولكن عندما يطول مجيء هذا اليوم بل ويلغى من التقويم السنوي سيقرّر السفر على بلد سخّر كل أيام تقويمه السنوي في خدمة العلم والعلماء. فقد ذكر ستالين سابقاً: «التعليم سلاح يعتمد تأثيره على مَن يمسك به وإلى مَن يتم توجيهه». ما فائدة شخص عالم ولا أحد يكترث بعلمه! ما فائدة من وهب نفسه للكتب والدراسة ورمّد عيونه من كثرة السهر والتبحّر في الكتب إن لم يلقَ من يقول له: أحسنت صنيعاً! فكرة السفر وحدها ستكون ملجأه لما تبقى له من رحلة الحياة. فمقالب الزمن وجروح عبيده أقوى من أن يصمد أمامها الإنسان المجبول بحب العلم والعطاء. في بلاد الغربة هناك مَن يساعدك على تسلق نخلة الشهرة والتميّز، تساعدهم في ذلك مؤهلاتك الطبيعية، فإذ بصناع المجد يطمعون في ذكائك ويأخذون بيدك نحو العالمية. كتبُ إبن الهيثم أغلبها موجود في المكتبة الوطنية في فرنسا، أخذها الفرنسيون يوم احتلّ نابليون مصر!

الدكتور عفيف عفيف السوري الأخصائي بالجراحة العصبية الوظيفية المجهرية المغترب في فرنسا ها هو اليوم يطير كالصاروخ إلى عواصم المجد بعد نجاحه في إجراء عملية جراحية فريدة من نوعها لأحد الفرنسيين. والفنان علي بدر الذي أبهر الجميع في رصف الحجارة في برنامج يقدّر قيمة المواهب ولكنه أيضاً خارج حدود الوطن!

ناهيك عن انتشار ظاهرة الهجرة للكثير من العقول النيرّة ومن حملة الشهادات الأكاديمية وأصحاب المواهب النادرة متذرّعين أنهم لم يلقوا رعاية واهتماماً في بلدهم وما زاد الأمر ضراوة هذا الدخل الهزيل الذي يتقاضاه أمثالهم ممن كرّس جلّ شبابه للعلم والقلم.

متى ستصدر قوانين تنصفهم؟! متى سيدركون أنهم عماد الوطن العلمي وأنّ تكريس فرص العمل ورفع الأجور وإجراء مسابقات تشجيعية بين الحين والآخر تجعلهم يتمسكون بطوق النجاة ويقلعون عن فكرة السفر. فالاستثناء أن يكون باب العمل الانطلاقة نحو التميز والإبداع. فكرة الرحيل هي كمن يلقي نفسه من شرفة الاستسلام، الهارب من ضغوط الحياة، من ندرة فرص العمل، من السياسات المتبعة في الهرم الوظيفي والتي لا تنصف غالباً من كان محملاً بالشهادات الأكاديمية وكثيراً ما يكون حمل شيء آخر أكثر جدوى. اليوم نملك الكثير من الأسلحة وهذا شيء جيد، ولكننا لا نملك أسباب النصر، وهذا شيء سيئ، وسيئ جداً..

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى