ما هي أسباب انهيار الدور العربي في سورية؟
د. وفيق إبراهيم
بعد ثماني سنوات على بدء «الهجوم الأممي» على سورية تهاوى الدور العربي فيها إلى الحضيض، لمصلحة تقدّم الأدوار الروسية والتركية.
أما لجهة سورية الدولة والشعب والجيش، فهؤلاء هم المستفيدون الفعليون من الانتصارات العسكرية المذهلة التي وسّعت في السنتين الفائتتين من إطار السيادة والتفاعلات بكلّ ألوانها.
بدورها إيران ومعها حزب الله من المنتصرين الأساسيين إنما في إطار بنيوي مع الدولة السورية، فهما يعملان على مستوى مجابهة النفوذين الأميركي و»الإسرائيلي» من إيران الى بلاد الشام والعراق واليمن وهما يربحان بانتصار الدولة السورية.
لماذا تقدّمت أدوار كلّ هذه الدول وتراجع الدور العربي فقط؟
بداية يجب تحديد المشاريع التي عملت من خلالها كلّ هذه الأدوار حتى وصلت إلى ما آلت اليه.
كان هناك مشروع لإسقاط الدولة السورية منذ 2001، لكنه بدأ عملياً منذ بداية القرن الحالي، مع رصد رعاة «الوهابية» أموالاً هائلة لنشر مساجد ومراكز انتشار المسلمين في كلّ مكان ومنها سورية.
فانقسمت المحاور على أساس مشروع أميركي سعودي قطري تركي أردني بدعم مفتوح من عشرات الدول الغربية والعالمية، مقابل دولة سورية بدأت بالتصدّي لهذا الهجوم بمفردها.
ولم يتأخر حزب الله بالمساندة البنيوية في كلّ المجالات ولا سيما الدور العسكري، أليست سورية مَن دعمه منذ 1982 وحتى 2006 قي وجه «إسرائيل» بكلّ قواها؟ كما دخلت إيران على خط الدعم بدعم استشاري وتمويلي لافت؟
هذان الدعمان مكّنا الدولة السورية من الصمود في وجه إرهاب عالمي بمئات آلاف العناصر فتحت له السياسة الأميركية حدود تركيا والعراق والأردن ودفعت في اتجاه دعمه بكلّ مصادر السلاح والنفط والتمويل والأعمال اللوجستية.
يصادف انّ السعودية وقطر والإمارات شكلت المصدر الأساسي لهذا الإرهاب فكراً وتمويلاً وإعلاماً حتى أنها بنت تنظيمات إرهابية كانت تتبعها مباشرة وتتلقى أوامرها من أجهزة مخابراتها، هذه ليست تهماً بل وقائع مبنيّة على إثباتات كشف عنها رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، اللذين اعترفا بدعم هذا الإرهاب، هناك دليل بسيط وسريع، فحتى اليوم يصف الإعلام الخليجي منظمات الإرهاب في سورية من داعش والنصرة وفيلق الشام وجيش العزة وأنصار الدين بالمعارضات المعتدلة.
لقد أدّى الدخول العسكري الروسي إلى جانب الدولة السورية دوراً هاماً في التعجيل بضرب الإرهاب بالتعاون مع حزب الله وإيران والجيش السوري متمكّناً من تحرير مساحات واسعة شملت نحو تسعين في المئة من غرب الفرات.
وبدراسة أماكن توزّع نفوذ القوى الإرهابية التي تهاجم سورية فإنّ تركيا الدولة الحدودية معها وبواسطة النصرة وفيلق الشام والمنظمات التركمانية وأولوية من الجيش التركي دخلت مكشوفة أو متسربلة بلبوس ما يسمّى «الجيش الحر» دخلت وسيطرت مباشرة على كامل مناطق الشمال والشمال الغربي حتى حدود إدلب.
وتسلّمت المناطق الجنوبية من حدود الغوطة ودرعا حتى الحدود مع الأردن والجولان السوري المحتلّ منظمات داعش وأخرى مرتبطة بالسعودية وقطر والإمارات مباشرة، فيما تولى مناطق شرق الفرات الجيش الأميركي مباشرة وبواسطة قوات كردية «قسد» موالية لهم.
وبما أنّ الاتراك التهموا كلّ تنظيمات الإرهاب العاملة قرب حدودهم وصولاً الى الشمال الغربي وأدخلوها في رعايتهم مستبعدين النفوذ الخليجي منها، هذا الى جانب سيطرة الأكراد على تجمعات صغيرة من عشائر عربية موّلتها السعودية والإمارات لكن الأكراد سيطروا عليها بواسطة النفوذ الاميركي، فلم يتبق للخليج أيّ تأثير ميداني باستثناء انّ كلّ الإرهاب وداعميه ينتمون الى المحور الاميركي.
لذلك جاء انتصار الدولة السورية على التنظيمات الإرهابية من حدود إدلب وحلب وحمص وحماة والبادية حتى الحدود مع الجولان المحتلّ والأردن والعراق على حساب النفوذ السياسي الخليجي الذي كان منحصراً في هذا المدى حتى الجنوب.
فنشأت عن هذا الانتصار الكبير تطورات سياسية في لعبة المحاور:
هناك دولة سورية متمكّنة مدعومة من روسيا وإيران وحزب الله مقابل أميركيين وأكراد في الشرق وأتراك وإرهاب في الشمال والشمال الغربي.
واختفى عرب الخليج عن الميدان السوري بخسارة تنظيماتهم وسرقت منهم تركيا ما يُسمّى «المعارضات المعتدلة» بكلّ ألوانها فأصبح الخليج بوقاً إعلامياً لا إمكانات فعلية له في التأثير السياسي الجدي متلبّساً نمط وزير الخارجية السعودي الجبير الذي يطلق مواقف لا تتناسب مع أدوار دولته في سورية.
يتبيّن بالاستنتاج انّ الدور العربي الداعم للإرهاب في سورية ضمن المشروع الأميركي «الإسرائيلي» تلقى ضربة عسكرية مميتة في المناطق الوحيدة التي كانت له فيها تنظيمات متطرفة موالية له. فخسر معها ومنعته تركيا من أداء ادوار في مناطق نفوذها السورية وكذلك فعل الكرد بدعم اميركي.
وفي محاولة لبناء علاقات روسية خليجية تسهم في تقليص الدور التركي في سورية يجول وزير الخارجية الروسي لافروف على بلدان الخليج دافعاً في اتجاه تمثيلهم بمعارضات سورية موالية لهم في إطار اللجنة الدستورية المكلفة تطوير المؤسسات الدستورية في سورية.
وهذا العرض يأكل من الحصة التركية فقط في اللجنة الدستورية ولا يقترب أبداً من التمثيل الخاص بالدولة السورية. وللتذكير فقط فليس لإيران ممثلون سوريون لها في اللجنة الدستوري وتكتفي بما تؤيده الدولة السورية.
لذلك فإنّ الروس ذاهبون نحو تقليص الدور التركي بوسيلتين: إعادة الخليج سياسياً الى سورية من خلال اللجنة الدستورية وبدء تأهّب الجيش السوري لتحرير إدلب وعفرين تمهيداً للانتقال لمجابهة الأميركيين في شرق الفرات ومعهم المشروع الكردي.
فهل تستفيد دول الخليج من هذه الفرصة؟
الإمارات تلقفت العرض وهاجمت الدورين التركي والإيراني، والمعتقد أنّ ضمّها لإيران الى حلقة المنافسين إنما لمجرد إرضاء الأميركيين الناقمين على نجاحات الجمهورية الإسلامية.
لذلك يقول المنطق إنّ خليجاً فقد دوره الإقليمي ويشعر بالخطر الداخلي يتوجب عليه اغتنام الفرصة للعودة الى علاقات طبيعية مع سورية على قاعدة التوقف عن دهم الإرهاب ورفض الاندماج في ما يخطط له قائد القوات العسكرية الأميركية في الشرق الاوسط جوزاف فوتيل من حروب جديدة في سورية والعراق وأفغانستان، وما يدفع أيضاً الى عودة الخليج هي توازنات القوى الجديدة التي تجعل من المحور السوري العراقي الإيراني المتحالف مع روسيا متفوّقاً على المحور الأميركي «الإسرائيلي»، لكن المشكلة في وجود أنظمة سياسية عربية أميركية الصنع لديها قطع غيار يجري تبديلها في كلّ مرة تُصاب فيها بالصدأ من الوكيل الأميركي.