الملف النووي وعلاقته بأزمات المنطقة ظروف الحلّ لم تنضج بعد

هاني قاسم

استضافت مسقط جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بين إيران وأميركا على مستوى وزراء الخارجية، شارك فيها الاتحاد الأوروبي، من أجل حلّ النقاط العالقة في الملف النووي والتوصل إلى صيغة اتفاق، لأنّ أميركا أعلنت أنها لا ترغب في تمديد الاتفاق الموقت إلى ما بعد 24 تشرين الثاني، ولأنّ ايران تريد التوصل إلى اتفاق كامل يؤكد حقها السلمي في تخصيب اليورانيوم.

تفاءل الكثيرون بهذه الجولة، وظنوا أنّ هذه المفاوضات ستصل إلى نتائج إيجابية، لكنّ كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنّ الفجوة لا تزال كبيرة، وكلام مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بأنّ الاتفاق صعب في هذه الجولة، حيث لم يصل اللقاء إلى نتائج ملموسة كما كان متوقعاً، يجعلنا نسأل: هل ستصل الأمور إلى نتائج ترضي الجميع قبل 24 الشهر الجاري؟ أم سيتم التمديد للاتفاق الموقت مرة أخرى، وهو الأمر الراجح؟

في مراجعة سريعة لمراحل الأزمة في الملف النووي، نجد أنّ إيران قطعت أثناءها أشواطاً كبيرةً في برامج التخصيب، فبعد أن كان عدد الطرود لديها لا يتجاوز عدة آلاف، أصبح عددها اليوم في حدود 22000 طرد، وسوف تسير باتجاه 190 ألف جهاز طرد مركزي، إذا لم تصل المفاوضات إلى نتيجة تقبل بها إيران، على ما قال عضو في لجنة الأمن القومي الإيراني.

لا يصحّ أن تتم مناقشة الأزمة من زاوية حقّ إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية أو عدمه، علماً أنّ هناك العديد من الدول ومنها «إسرائيل» وباكستان والهند، لا تمتلك الطاقة النووية السلمية فحسب، بل تمتلك سلاحاً نووياً، فالأزمة في جوهرها، تتعلق بالصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط بين نهج الممانعة والمقاومة المتمثل بإيران وسورية وحركات المقاومة في العالمين العربي والإسلامي، وبين النهج الأميركي- «الإسرائيلي» ومن يتبعهما من الأنظمة العربية، وقد اتخذت أميركا من الملف النووي الإيراني ذريعة في مواجهة إيران، من أجل تطويعها سياسياً ودفعها إلى تقديم التنازلات في سورية والعراق وفلسطين وإلى التوقف عن دعمها لحركات المقاومة في صراعها ضدّ الكيان الصهيوني.

لقد حاولت أميركا أن تستفيد من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران وتخفيض سعر برميل النفط إلى حدود الثمانين دولار، ما أدى إلى عزلها تجارياً ومالياً عن العالم وأثر في شكل مباشر على الظروف المعيشية للشعب الإيراني، وذلك لدفعها إلى تقديم التنازلات في الموضوع الإقليمي في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها والسماح لها بالتخصيب، وإنّ الحديث عن الأمور التي لا تزال عالقة، والمتعلقة بالرفع الكامل أو التدريجي للعقوبات، والأمور المتعلقة بالاختلاف حول كمية الطرود التي يحق لإيران أن تمتلكها، يأتي في سياق الحاجة إلى الوقت الذي سوف يتضح خلاله مسار الأزمات في المنطقة، إضافة إلى رغبة كل من الفريقين في تحقيق الحدّ الأقصى من المكتسبات في أي اتفاق.

أدرك الإمام الخامنئي الأهداف التي تريدها أميركا من خلال التفاوض مع إيران، فرسم سقفاً سياسياً للمفاوضات بأن حصرها في الإطار النووي فقط، دون غيره من الملفات المتعلقة بالصراع الدائر في المنطقة، ودعا الشعب إلى التوكل على الله والاعتماد على الذات لمواجهة الضائقة الاقتصادية التي أوجدتها أميركا، وبذلك فوتت إيران على أميركا فرصة الاستفادة من الأزمات لحساب مصالحها الإقليمية.

وفي تقدير للوضع، يمكننا القول أنّ الأزمات في المنطقة هي على درجة كبيرة من التعقيد، وهي لا تزال مستمرة وأنّ الملف النووي لا يزال في إطار المفاوضات التي قد لا تصل إلى اتفاق نهائي، لأنّ ظروف الحلّ لم تنضج بعد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى