صانعو مسلسل «داعش»… لا يكترثون لعقول المشاهدين
جمال العفلق
إنه تنظيم «داعش»، ولد من رحم السجون العراقية التي كانت تحت إشراف الولايات المتحدة الأميركية، وقد تمّ تجهيزه وتحضيره وفق نهج الإسلام الغربي الذي قرّرت أميركا أن يكون هو الدين الجديد الذي يخدم مصالحها التوسعية تجاه مصادر الطاقة، ويضمن استمرار حروب داخلية لعقود. موّله العرب ودفعوا له ما يكفي من مال ليتمدّد وفق خطوط جغرافية محدّدة مسبقاً. ضرب كلّ شيء، لكنه لم يقترب من المصالح الأميركية أو يهدّد ما يسمى «إسرائيل» ولو بكلمة أو تلميح. حلم خليفته أن يصل إلى روما، ووجد القدس بعيدة فلم يذكرها.
عاد صانعو التنظيم إلى لعبة التسجيلات الصوتية التي تُذكّرنا بتسجيلات بن لادن والتي كانت تأتي دائماً في الزمان والمكان المناسبين وخصوصاً في ذروة التعقيدات السياسية الأميركية الداخلية.
اليوم، وبعد انحسار دور الرئيس باراك أوباما ومحاصرته داخلياً، وإشاعة خبر إصابة أو مقتل المدعو أبوبكر البغدادي، خرج الأخير علينا بتسجيل صوتي ليكشف ضعف التحالف الأميركي ويكذّب أخباره ويترجم الدور المقبل للخطة الأميركية المقبلة في المنطقة، وقد فصّل الرجل الأمور وفق الواقع، لكنه وضع أولوياته وفق المصالح الأميركية ولم يكن هذا مصادفة. فلم يهاجم البغدادي تركيا وهي الدولة الممر للنفط الذي يبيعه، وفي نفس الوقت مصدر توريد المقاتلين وعبورهم وتسهيل إمدادهم، فتركيا الحالمة بعودة الخلافة العثمانية، لا يزعجها وجود خلافة صغرى تخدمها وتفتّت ما تبقى من المنطقة، خصوصاً أنّ تركيا تستفيد من النفط الخام ومن أسعاره الزهيدة، وتبيع للتنظيم الذهب وما يلزم للبقاء.
ورغم أنّ البغدادي أكد محاربة آل سعود، إلا أنه وضع أولوية القتال، على حدّ تعبيره، لمحاربة «الرافضة الشيعة»، ومن ثم آل سعود في الحجاز، وبذلك أطال أمد الحرب وحوّلها إلى حرب مذهبية إلى ما لا نهاية، من دون أن يذكر طبعاً تحرير القدس ومحاربة «إسرائيل»، ونقل الخطاب الأميركي حرفياً، لا سيما لجهة ما يتعلق بحماية أمن ما يسمى «دولة إسرائيل» وهذا ليس عبثاً، لأنّ أتباع البغدادي من العامة سينفذون تعليماته وفق الشريعة على اعتبار أنه خليفة ولا يجوز عصيان أمره، فلو ذكر البغدادي الصهاينة قد تخرج جماعات وتحارب أو تضرب المصالح «الإسرائيلية» وهذا لا ينسجم مع دور التنظيم ولا أهدافه التي وجد في الأساس من أجلها، وهي تأمين حماية كيان العدو الغاصب وضرب القوى المقاومة التي تحاربه، وخصوصاً حزب الله وسورية وإيران.
إنّ تركيز البغدادي على السعودية في تسجيله، يحمل في طياته أمراً من اثنين، فإما أنّ الرجل أراد الكشف عن خلاف بينه وبين السعودية وأراد الضغط عليها من خلال هذا التسجيل وهو أمر مستبعد، وإما أنّ البغدادي مكلف اليوم بتبييض صورة السعودية عالمياً وإسلامياً لتخرج المملكة بخطاب تقول فيه أنها مستهدفة من الإرهاب، وتستند في قولها إلى التسجيل الصوتي، لتؤكد أنها لا تمول الجماعات المتطرفة، فمن غير المعقول أن تمول من يهدّدها، وهذا في حقيقة الأمر استخفاف بالعقول وتقليل من شأن المتابعين، فتنظيم «داعش» اليوم لا يمكن فصله عن المدرسة الوهابية التي لها سوابق في الحركة السياسية الإسلامية، فهي المدرسة نفسها التي منعت الدعاء للمجاهدين إبان حرب تموز2006، ولم تقبل احتساب من سقطوا من حزب الله شهداء، وهي أيضاً التي أعلنت مراراً وتكراراً أنّ محاربة الشيعة أوجب من محاربة «إسرائيل».
وبالعودة إلى التسجيل الصوتي للبغدادي، فإننا نلاحظ أنه ينسجم تماماً مع ما تريده أميركا وهو إبقاء المنطقة تحت ضربات الحروب المذهبية، كما أنّ مطالبة البغدادي بدخول القوات البرية، يوحي بأنه متأكد من أنّ قوى التحالف الأميركي ستضطر إلى إرسال قوات برية، وهو يحاول تقريب فكرة المشاركة البرية للرأي العام الأميركي والعربي، ويدرك أنّ الضربات الجوية لا تعطل تقدم تنظيمه وهذا ما اتفق عليه الجميع، وما يحدث في عين العرب- كوباني يؤكد ذلك، فالغارات اليوم ليست إلا استعراضاً جوياًَ ومن يقاتلون على الأرض هم أهل عين العرب الذين صمدوا رغم الحصار «الداعشي» والتركي لهم.
إنّ صانعو مسلسل «داعش» لا يهمّهم عقل الجمهور المتابع ولا الصدق في الأحداث، لأنّ قضيتهم مرتبطة بزيادة عدد الحلقات وتشعب القصة فقط، وهدفهم إطالة أمد الحرب معتقدين أنّ قوى المقاومة قدمت كل ما في جعبتها.