سباق الانتخابات الرئاسية في استراتيجية الحزب الديمقراطي
أوفى الحزب الديمقراطي بوعوده الانتخابية التي قطعها العام الماضي بتشديد مسارات التحقيق ضدّ الرئيس دونالد ترامب وكبار معاونيه، عقب تسلّمه موقع الأغلبية في مجلس النواب. مما أعاد إلى الواجهة مطلب البدء بإجراءات العزل للرئيس.
سيسلّط قسم التحليل الضوء على فكّ ألغاز «استراتيجية الحزب الديمقراطي» لمحاصرة الرئيس ترامب، ومن خلفه الخصوم الجمهوريون ليس للإطاحة به، كما يتمنّى البعض، بل لزعزعة ثقة جمهوره به وتقليص حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
سورية
اعتبر معهد واشنطن بقاء قوات رمزية أميركية في سورية بأنها لا تتعدّى إشارة «للحلفاء في سورية باستمرار التزامات الولايات المتحدة.. أما من وجهة النظر العسكرية فإنّ 200 مستشار عسكري لن يكون بوسعهم تعويض خسارة المراقبين الأميركيين على الأرض»
اعتبر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية أنّ القيادة السياسية في واشنطن تفتقر الرؤى والخطط بعيدة المدى مؤكداً على توصيف وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس، بقوله «واشنطن منطقة آمنة متحرّرة من الاستراتيجية»، بل الأدق أنه «كان لها دوماً توجه استراتيجي مقنّع.. أو هدف لا يتعدّى بذل جهود قصيرة الأجل». وشدّد على أنّ مراكز القوى المتناحرة حوّلت صنع القرار إلى «ساحة للاستراتيجية الخطأ».
تناول معهد واشنطن مساعي تركيا لإنشاء «منطقة آمنة» في سورية بالتنسيق مع «وفد أميركي» يزور أنقرة لوضع الترتيبات المتضمّنة في قرار الرئيس ترامب «إبقاء 400 جندي موزعين بالتساوي بين شمال وجنوب سورية والتداعيات الناجمة عن احتمال إنشاء والحفاظ على منطقة عازلة مقترحة.. وكذلك على مصير وحدات الحماية الشعبية الكردية».
اليمن
انتقد معهد كاتو محاولات رئيس مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، صرف النظر عن قرار مقدّم من مجلس النواب «لوقف الدعم الأميركي عن السعودية في حربها على اليمن»، متمسكاً بحيلة برلمانية تجيز له تصنيف القرار في أسفل سلم أولويات جدول الأعمال. وأوضح أنّ كلفته ستحرم مناصري القرار من فرصة «إدراجه بالقوة على جدول الأعمال والتصويت عليه بنسبة الأغلبية البسيطة»، وهو ما كان مضموناً. وأردف أنّ مساعي مؤيدي القرار ستمضي قدُماً لاستصدار قرار من مجلس الشيوخ، لكن الفرصة الزمنية تتبدّد «.. ما يعني أنّ الانخراط الأميركي في الصراع سيستمرّ وسيقوض الأمن الأميركي». ولفت المعهد النظر إلى سجل رئيس مجلس الشيوخ، ماكونيل، وسعيه الدؤوب لعرقلة إنهاء التدخل الأميركي في حروب خارجية».. لكنه ليس استثناء لقيادات الحزب الجمهوري».
الهند وباكستان
عقب تجدّد النزاع المسلح بين الهند وباكستان، زعمت مؤسّسة هاريتاج أنّ «أشدّ ما تخشاه باكستان هو الضغوط المحتملة عليها من واشنطن واللامبالاة من بكين» أكثر من نشوب حرب مع الهند.. مما يؤشر على أنّ البلاد قد تتجه نحو انسداد استراتيجي للسياسات الجيوسياسية في جنوب آسيا». وأوضحت أنّ من بين التحولات التي طرأت على الإقليم فإنّ «الهند تركز أنظارها على لعب دور قوي في جغرافيا الهند وللمحيط الهادئ وصعودها كقوة اقتصادية عالمية»… بيد أنّ تراجع أهمية باكستان «لا يخدم مصالحها أو مصالح الولايات المتحدة».
أعرب معهد كارنيغي عن تعاطفه مع الهند نتيجة الهجوم المسلح الذي تعرّضت له على أيدي مجموعة «جيش محمد.. المرتبطة بباكستان»، قد «أثبت مرة أخرى بكلّ أسى أنّ الهند لا زالت هدفاً دائماً للإرهاب ويقتضي انشغال أجهزة الاستخبارات الهندية لأجل قد يطول». وأردف أنّ الهند «حافظت على تقديم غصن الزيتون لباكستان عبر انخراطها بسلسة حوارات معها، إلى جانب خيار استخدام القوة العسكرية… والتوسل لدى القوى الدولية التدخل للجم اندفاعة باكستان» بيد أنّ خياراتها «السلمية لوقف الإرهاب الباكستاني» قد تقلصت إلى الحدّ الأدنى.
أفغانستان
أثنى معهد كاتو على مشروع قرار مقدّم في مجلس الشيوخ الأميركي يقضي بحث «السلطة التنفيذية على سحب كامل القوات الأميركية من أفغانستان خلال سنة.. لا سيما أنّ المفاوضات الجارية مع حركة طالبان تسير باتجاه واعد» لإنهاء الحرب. وأشار المعهد إلى نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي «تؤيد الانسحاب بشكل كبير.. بيد أنّ القوى السياسية في واشنطن لا زالت تعارض إنهاء حالة الحرب» هناك. ونبّه الساسة الأميركيين إلى ضرورة الإقرار بأنّ الولايات المتحدة «تكبّدت خسارة الحرب، وفشلت جهودها في مهمة إعادة بناء أركان الدولة بل لم تفلح محاولاتها في تهدئة مقاومة طالبان.. التي أضحت تسيطر على رقعة أوسع من الاراضي أكثر من أيّ وقت مضى منذ عام 2001»، بدء الغزو الأميركي.
إلهان عمر وظاهرة التحدي
من أبرز التطورات السياسية الراهنة في الساحة الأميركية كانت الحملة المنظمة الرامية لإقصاء النائبة إلهان عمر على خلفية تصريحات لها مسلطة الضوء على نفوذ «اللوبي الإسرائيلي إيباك»، في رسم السياسات الأميركية اعتبرتها المؤسسة الحاكمة بأنها «انتهاك للممنوع» تستوجب إجراءات عقابية.
مسيرة إلهان عمر إلى الكونغرس شابها إلصاق تصنيفات جاهزة رغماً عنها، أبرزها تحديد هويتها طائفياً وهي التي لم تعرّف نفسها بها بل شدّدت على أنها «مواطنة أميركية مهاجرة من الصومال»، تتميّز بتوجهات شعبية ليبرالية للدفاع عن الحقوق المدنية والاجتماعية للمواطنين.
إسباغ الهوية الدينية عليها لم يكن صدفة من قوى متنفذة بالقرار السياسي الأميركي، في الحزبين، كمؤشر خادع «لتسامح» النظام السياسي، من ناحية، وعدم المساس بالمسلمات وموازين القوى التقليدية، لا سيما المحافظين بكافة تلاوينهم، من ناحية أخرى. من الضروري أيضاً الإشارة إلى تضافر مصالح أولئك مع القوى التقليدية من «حلفاء» الولايات المتحدة في «الشرق الأوسط»، في التصدّي المبكر لنماذج شابة من المرشحين يمثلون التحوّلات الاجتماعية والطبقية الجديدة في المجتمع الأميركي.
عقب فرز نتائج الانتخابات «النصفية» الأميركية العام الماضي أفردت أسبوعية «فورين بوليسي»، 11 كانون الأول/ ديسمبر 2018، تحقيقاً مطوّلاً بعنوان لافت «السعودية تعلن الحرب على نواب أميركيين مسلمين» مؤكدة أنّ «مشيخات الخليج العربي تسخّر نزعات العنصرية والتزمّت والأنباء الكاذبة لإدانة أحدث حالة تصنع التاريخ السياسي في واشنطن.. والمحافظين الجدد ليسوا هم من تمادوا في شنّ حرب واستهداف الشخصيات السياسية البارزة والصاعدة من خلفيات عربية أو إسلامية في الحزب الديمقراطي بل السعودية والإمارات».
ما نرمي إليه في هذه العجالة هو سبر أغوار الحملة السياسية الأخيرة التي تتخذ أبعاداً بلبوس طائفية تحاكي الغرائز الطبيعية للبشر والأقليات تحديداً لصرف الأنظار عن حقيقة القوى والتوجهات السياسية في المجتمع الأميركي، الذي يمرّ كما غيره من المجتمعات البشرية بسلسلة تحوّلات تعيد إلى الأذهان الجذور الحقيقية لمسؤولية القوى النافذة عن تردّي التماسك الاجتماعي وتدهور الأحوال القتصادية والاستغلال المستمرّ لإدماء شرائح الأغلبية في المجتمع.
التحقيق المُشار إليه أعلاه أورد فقرة لها دلالاتها العميقة بنصّ اقتبسته النشرة عن «المستشار الثقافي في السفارة السعودية بواشنطن» يهاجم فوز إلهان عمر بمنصب في مجلس النواب الأميركي جازماً بأنها «ستكون معادية لدول الخليج وداعمة للإسلام السياسي».
في المقابل، حافظت القوى السياسية الأميركية التقليدية، بمن فيهم المحافظون الجدد، على إلصاق تهمة «العداء للسامية» بالنائبة عمر على خلفية انتقاداتها لمراكز الضغط «… اللوبيات، لا سيما ايباك» في انحياز الكونغرس لـ «إسرائيل» نتيجة الدعم المالي لأعضائه أتبعته بتوضيح أشدّ صراحة بالإشارة إلى أنّ «أنصار إسرائيل في الكونغرس يدينون بالولاء لبلد أجنبي».
بين دعوات لإقصاء النائبة عمر ومطالبة الرئيس ترامب لقادة الحزب الديمقراطي بإقالتها نتيجة انتقاداتها «للممنوعات» في السياسة الأميركية، انبرى عدد من زملائها في مجلس النواب للدفاع عنها، وتشكل فريق مشترك من النواب السود ومن ذوي أصول لاتينية، ممن أطلق عليهم النواب التقدّميون، للدفاع عن حقها في ممارسة إبداء الرأي ومعارضة إدانتها رسمياً، مما أرسل رسالة قوية لرئاسة وقادة المجلس عن تشكل حالة تنذر بانقسام في صفوف الحزب، استوجب تدخلاً لطرح صيغة توفيقية لقرار صودق عليه «يدين اللاسامية والانحياز ضدّ الإسلام والمسلمين».
تلك المقدّمة كانت ضرورية للنفاذ إلى صلب التحوّلات السياسية الرامية لتسليط الضوء على سلسلة تحقيقات تهدف لإحراج الرئيس ترامب تمهّد الأرضية لمناقشة إجراءات عزله دون المضيّ قدُماً بذلك، نظراً لضيق المساحة الزمنية التي تستغرقها، وإيذائه بما فيه الكفاية لخسارة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ترامب في مرمى الاستهداف
عوّل الحزب الديمقراطي وأركان المؤسسة الحاكمة على نجاح مساعي الاتهامات الموجهة للرئيس ترامب بتواطئه مع روسيا، لتقييد حركته ومن خلفه الحزب الجمهوري، متسلّحاً بالتحقيقات الموكلة «للمحقق الخاص روبرت موللر»، وتقريره المنتظر قريباً.
التسريبات الآتية من داخل فريق «موللر» خيّبت تلك الآمال بإشارتها إلى عدم تبلور دلائل حسية تدعم تلك الاتهامات للحظة مما استدعى مراكز قوى الحزب الديمقراطي تشديد الهجوم بأدوات بديلة عمادها تمتعه بأغلبية مقاعد مجلس النواب وما يمثله من حق لجانه المتعدّدة المضيّ بإجراء تحقيقات متعدّدة ترمي شباكها في اتجاهات متعددة علها تصطاد دليلاً يعزز مصداقيتها أمام العموم.
خفضت أسبوعية «تايم» من سقف التوقعات الشعبية استناداً لفريق موللر بالقول إنّ مضمون تقريره ونتائجه «.. ستأتي مخيّبة للآمال، وهي ليست نتيجة خطأ ارتكبه. بل خطأ كلّ من انجَرّ وراء التهم الباطلة ضدّ ترامب المتمحورة حول سردية إثبات موللر تهمة التواطؤ.. وهي توقعات يستحيل تحقيقها»، 1 آذار الحالي .
بعض المتنفذين في القرار السياسي يعتقدون أنّ أحد أهداف لجان التحقيق هو «محاولة» لبلورة تقرير موازٍ لتقرير المحقق الخاص موللر، يذهب بعيداً في استنتاجاته بتسليط الضوء على شخص الرئيس والمخالفات المالية خصوصاً.
في الوعي الجمعي، تهمة التواطؤ مع دولة أجنبية تقود «حتماً» للبدء بإجراءات عزل الرئيس، التي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ لإقراره، وهو أمر غير متوفر في ظلّ التوازنات الراهنة وسيطرة الحزب الجمهوري على أغلبية مقاعده فضلاً عن التعقيدات المتضمّنة والقيود الدستورية المفروضة على تلك الإجراءات مما يحيلها إلى حالة غير قابلة للتحقيق في أيّ وقت منظور.
علاوة على ذلك، فإنّ مجلس النواب المخوّل ببدء إجراءات العزل غير مقبلٍ على المضيّ بذلك، رغم تصريحات عدد من قادة الحزب الديمقراطي الترويج لذلك، أبرزها تصريحات رئيس اللجنة القضائية المعنية للتقيد بإجراءات العزل عن الحزب الديمقراطي، جيري نادلر، مؤكداً قناعته بأنّ «الرئيس ترامب أعاق سير العدالة بكلّ وضوح».
الهدف الحقيقي للحزب يتعدّى التصدّي لشخص ومكانة الرئيس، وما يمثله من حجر الأساس في النظام السياسي وقيوده بعدم المساس من هيبته، لاستحداث قضايا تحظى بتأييد جماهيري يمكنه من دخول السباق الرئاسي بموقع متميّز. بعبارة أخرى، أقصى ما يرمي إليه الحزب هو «التسبّب في إدماء الرئيس سياسياً» أمام الجمهور.
الحزب الديمقراطي، ممثلاً بقيادته في مجلس الشيوخ، شاك شومر، يعاني من شحّ توفر مرشحين «أقوياء» باستطاعتهم منافسة الرئيس ترامب بحزم وما سيل التصريحات للتهديد بإجراءات العزل سوى أسلوب ضغط تكتيكي لإبقاء السيف مسلطاً على ترامب دون تنفيذه حقاً، يعززها اتساع دائرة التحقيقات لدى لجان مجلس النواب التي تعمل في سباق ضدّ الزمن.
استطلاعات الرأي الأخيرة تدعم الفرضية أعلاه بأنّ التلويح بالعزل لن يتجسّد أبعد من التهديد به، إذ تشير معظمها إلى استمرار تماسك قاعدة دعم الرئيس ترامب بنسب عالية نسبياً، أدناها 37 وأعلاها 44 عقب «نجاحه» في تعيين قاضٍ شديد المحافظة للمحكمة العليا، بريت كافانو. بالمقارنة فإنّ أقصى نسبة دعم حققها بعد مراسيم تسلّمه منصبه الرئاسي كانت 46 .
هدّد عدد من مؤيدي ترامب النافذين بأنه «لن يقبل خسارته الانتخابات الرئاسية» بسهولة، ملوّحين إلى نزول مؤيّديه إلى الشوارع احتجاجاً على ذلك، لا سيما أنّ معظمهم مدجّجون بكافة أنواع السلاح ما استدعى تحذيراً مبكراً من اندلاع حرب أهلية على ضوء تلك التطورات المرتقبة.
مؤيدو الرئيس ترامب، لا سيما في المؤسسة الإعلامية الهائلة، استبقوا تحقيقات لجان مجلس النواب للدفاع عن حق الرئيس الدستوري «بإقالة مسؤولين كبار في السلطة التنفيذية مثل رئيس مكتب إف بي آي السابق جيمس كومي»، كما أوضحت يومية المال والأعمال «وول ستريت جورنال».
ما يستدلّ من تلك التطورات والمنابر المؤيدة للرئيس ترامب نجاح مساعي تحشيد قواعد مؤيديه وشحنهم إعلامياً ضدّ خصومه، في الحزبين، وهم الذين يصوّتون بحضور قوي شبه منظم، مقابل تراجع تماسك قواعد الحزب الجمهوري وانقسام ما يسمّى شرائح «المستقلين»، الذين صوّتوا ضدّ المرشحة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون بنسبة معتبرة أدّت لخسارتها أمام مرشح «لم يتوقع هو نفسه الفوز» بالانتخابات الرئاسية.
نشرة دورية تصدر عن وحدة «رصد النخب الفكرية» في مركز الدراسات الأميركية والعربية