مصالحة «الشيخ» و«اللواء».. السنيورة الرابح الأكبر؟
محمد حميّة
لم يكن «اللقاء الثلاثي» الذي عُقد في دارة الرئيس السابق فؤاد السنيورة بين الأخير والرئيس سعد الحريري والوزير السابق أشرف ريفي، منفصلاً عن الجهود الأميركية المستجدة لاعادة إحياء فريق 14 آذار التي تصادف ذكرى انطلاقه اليوم. فمصالح الثلاثي السياسية تقاطعت على لقاء «الضرورة»، فلم تكن المواقف المعلنة بعد اللقاء معبرة عن حقيقة الدوافع الخفية لهذه القوى التي فقدت «الكيمياء السياسية» منذ وقت طويل. فالحريري تمكن بعد عناء من استبعاد منافسه على «سيادة السرايا» من المجلس النيابي كما نجح أيضاً في إبعاد ريفي من دخول ساحة النجمة.
المؤكد أن تطورات سياسية متلاحقة فرضت عقد لقاء «الصلحة»، فيما منطق اللعبة السياسية الطبيعية إن كانت هي الحاكمة بين هذه القوى الثلاث تقول إن قرار المجلس الدستوري إبطال نيابة ديما جمالي كانت فرصة ريفي الثمينة للثأر من الحريري وإثبات قوته الانتخابية والشعبية في عرينه الطرابلسي، وبالتالي التوازن مع الحريري لا سيما أن الانتخابات ستجرى على القانون الأكثري لا النسبي وفي قضاء طرابلس فقط، كما تشكل جسراً لعبور اللواء الى الندوة البرلمانية لمواجهة الحريري وحكومته عن قرب، كحال النائب اللواء جميل السيد في مشاكسته للحريري مع اختلاف الموقعين والموقفين السياسيين، فلماذا لم يفعل ريفي وهو المعروف بخوضه المعارك السياسية والانتخابية ولو بقي وحيداً في الميدان؟
تقول مصادر ريفي لـ»البناء» إن للمعركة محاذير عدة أولها التحالف العريض في وجهه الذي يضمن «حيتان المال» في المدينة وتيار المستقبل، كما أن فرص الفوز أصبحت ضيئلة في حال ترشيح مرشح جمعية المشاريع الخيرية المتحالف مع النائب فيصل كرامي الى جانب «بلوك علوي» وبعض المجنّسين ما يعني توزيع الأصوات على مرشحين عديدين، وبالتالي يضعف حظوظ ريفي ويشكل خطراً على مرشحة المستقبل ايضاً، لذلك اقتنع الجميع بهذه النتيجة».
وتضيف المصادر الى أن «اللقاء مهّد له السنيورة والوزير السابق رشيد درباس منذ أيام وتأخّر بسبب الخلاف على المكان الذي أراده الحريري في بيت الوسط فرفض ريفي، وطرح السنيورة أن يكون في منزله فوافق الحريري». وتكشف المصادر أن «ريفي طرح على السنيورة الترشّح في طرابلس كحل وسطي ويدعمه، لكن السنيورة رفض متمنياً بعد يومين من ريفي الانسحاب وتأييد جمالي فوافق ريفي».
لكن السؤال هل كان السنيورة يفكر بالترشح كفرصة لدخول الى المجلس النيابي والفوز بالحصانة النيابية ما يعزز وضعه الدفاعي في مواجهة الملاحقة القضائية في قضايا الفساد؟ وهل طرح الأمر على الحريري ورفض الأخير كما تقول بعض المعلومات؟
في المقابل كانت المعركة ايضاً فرصة للحريري لإلحاق هزيمة حاسمة بريفي في معقله لإخراجه من مسرح التنافس السياسي بطريقة نظيفة عبر انتخابات ديمقراطية يشهد العالم عليها، وبالتالي تعويض ما فقده من شعبية في الشارع السني والطرابلسي خصوصاً. فلماذا لم يفعل؟
ما يُمكن التماسه من انسحاب الطرفين الى قواعدهما والتسليم بـ»التطبيع السياسي» كهدنة مؤقتة وجود إرادة خارجية فضلاً عن حسابات داخلية أملت على الأطراف الثلاثة وضع قناعاتهم وعناوينهم السياسية جانباً والانضواء تحت سقف واقعية المصالح، فالحريري يحتاج الى احتضان سُني يعوض الخلل الحاصل في التوازن السياسي مع رئيس الجمهورية وحزب الله، أما ريفي فيعاني من عزلة سياسية وحتى سنية بعد انحياز دار الفتوى الى الحريري، أما السنيورة فيشعر بأن النار تحاصره من كل جانب وبشكل تدريجي، وبات محط مساءلة سياسية وقضائية وشعبية في قضايا الفساد، فجاء اللقاء كتوزيع أنصبة الربح والفوائد على الثلاثة. فالحريري حصن موقعه داخل طائفته في الدولة وأمّن جانبه من أحد الأصوات المعارضة داخل طائفته، كما يُمكنه خوض معركة انتخابية سهلة الفوز، والنجاة من تجرع كأس الخسارة المرة لمقعد اضافي في حال تشتت الأصوات بين المستقبل وريفي وتحالف كرامي – جمعية المشاريع الخيرية، ما يوسع جبهة المعارضة السنية النيابية والحكومية إن تمكن ناجي طه من الفوز بعدما تمكن سنة 8 آذار من انتزاع ستة نواب ووزير هو حسن مراد.
أما ريفي فتمكن من فك عزلته السياسية واشترى هزيمته الانتخابية المتوقعة بعد إعلان الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي تأييد مرشح المستقبل، فخرج بأقل خسائر ممكنة.
أما السنيورة فكان الرابح الأكبر، فتمكن من تمتين التحالفات داخل طائفته واستثمارها كدرع حماية في لعبة الدفاع ضد محاولات استهدافه بعد موقف السيد حسن نصرالله الأخير الذي كان حاسماً في خوض معركة الفساد حتى النهاية. فالقاسم المشترك بين الأطراف الثلاثة هو الخصومة مع حزب الله، إذ إن السنيورة يمثل رأس حربة للمشروع الأميركي ولا يزال سقوطه السياسي من بوابة القضاء يُعد ضربة قاصمة للحريري ويقرب النار من ريفي، فكان اللقاء على نية المثل القائل: «أكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض».
وإن كان ريفي انسحب من المعركة الانتخابية طوعاً أو «مكرهاً أخاك لا بطل»، فهل ينسحب اللواء من المعركة السياسية؟ توضح مصادر ريفي لـ»البناء» أن «الوزير ريفي لن ينتقل الى ضفة تيار المستقبل وهو بالأصل لم يكن في التيار الازرق، بل من مؤيدي الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وتشير الى أن «الخلاف السياسي قائم ولن ينتهي بل سيتغير الخطاب والأسلوب الذي تحول عنفياً في الانتخابات النيابية، لكن المضمون نفسه»، وتنفي المصادر أي تدخل للسعودية في اللقاء، لكن مصادر «البناء» تنقل عن المسؤولين السعوديين ارتياحهم للقاء لأنه يخفف عناء التدخل في الخلافات السنية السنية ويحقق الاستقرار داخل الطائفة.