تركيا مراقب جامع أم محتلّ طامع…؟

محمد ح. الحاج

تقول الحكومة الروسية إنّ جميع القوات العسكرية على الأرض السورية من دون موافقة الحكومة السورية هي وجود غير شرعي، وهذا جوهر ما أعلنته الحكومة السورية منذ البداية بعد طلبها مساعدة الجيش الروسي والخبراء الإيرانيين ومجموعات من مقاتلي حزب الله، وبعد أن استمرّ الجيش السوري وحيداً في مقارعة إرهاب المرتزقة من أكثر من ثمانين جنسية تدعمهم العديد من الدول والصناديق المالية، وسخر لهم مئات المستشارين من أجهزة الاستخبارات من كلّ دول العدوان، عرباً وأجانب.

الدخول المشبوه!

تركيا التي فتحت حدودها وموانئها الجوية والبحرية بوجه كلّ شذاذ الآفاق من شتى أنحاء العالم، وسهّلت لهم العبور إلى الداخل السوري، وانخرطت استخباراتها قبل الآخرين في لعبة العدوان على الدولة الجارة، كانت تخطط وتضمر ما لم تعلنه أبداً وهو عكس الادّعاء بوقوفها إلى جانب «الشعب السوري» بل كانت تستحضر الحلم العثماني وتنتظر فرصة قد تكون شاركت في إيجادها أو دفعت الأكراد اليها بطريقة ما، بعد ذلك كان عليها أن تبادر لاقتناص الفرصة وإعلان الخوف على أمنها القومي لتدخل بقوات عسكرية محاربة إلى العمق السوري بعد أن حصلت على شبه اتفاق أو ضوء أخضر من الطرفين الروسي والإيراني في أستانا تحت شعار ضامن ومراقب… وبمجموعات من الشرطة العسكرية فقط كما فعل الروسي، لكن التركي يراوغ أكثر من ثعلب، ومن غير المفهوم الصمت الروسي والاكتفاء بإعلان أنّ الاتفاق سواء، أستانا، أو بعده سوتشي لم ينفذ دون القول إنّ الوجود العسكري التركي بواقعه الحاضر هو غير شرعي فهو أيضاً لم يستند إلى دعوة رسمية سورية، وهو بما يرافقه من إجراءات وتصريحات أكثر من مسؤول ووزير تركي يعتبر مشبوهاً ويدعو الى الريبة.

سورية المتجذرة عميقاً في التاريخ، منذ آلاف السنين قبل القرن السادس عشر، كانت هي منبع الحضارة العالمية التي علمت البشرية الحرف والرقم والعجلة والزراعة وما كان هناك من يعرف تركيا ولا خلافتها ولا امبراطوريتها التي اجتاحت باسم الدين كلّ محيطها العربي والآسيوي وجزء من الأوروبي، وهي تفاجئنا اليوم بلسان أكثر من مسؤول، بمستوى وزير أنّ دمشق بعد حلب هي أراض تابعة لهم أيّ لتركيا في معاكسة مفضوحة للتاريخ والجغرافيا وكأنّ المنطق الجديد يقول إنّ الأصل يتبع الظّ وليس العكس، وغداً يصرّح غيرهم بأنّ بيروت وعمّان والقاهرة وصولاً إلى مكة، إضافة الى بغداد وغيرها هي إرث عثماني يجب أن يعود إلى ملكية حزب العدالة والتنمية الاخواني ذي الأحلام الشيطانية الباعثة على الدهشة والسخرية، تصوّروا أنّ «جلالة» رجب طيب ايردوغان هو سلطان المسلمين الجديد بعد عبد الحميد الثاني وقد بعثت السلالة الجديدة عبر محفل اسطنبول وبتوجيهات الحاخام الأعظم!

تتحمّل الحكومات السورية المتعاقبة مسؤولية التمادي التركي في تزوير التاريخ وتسخيره لخدمة أطماع المحتلّ الذي يستغلّ فرصة وقوف القوى الاستعمارية الغربية إلى جانب تخرّصاته خاصة أنه يرتبط بها ويحقق جانباً من تطلعاتها في هدم بنية دولة ترفض الاعتراف بالوجود الصهيوني على أراضيها وحقه في استلاب هذه الأراضي، إنّ الصمت الذي التزمته الحكومات بعد الاستقلال سمح للتركي المحتلّ أن يستقرّ ويفرض على العالم واقعاً لا يتفق وأيّ من نصوص الاتفاقيات المجحفة بحق الوطن السوري، سواء في سيفر أو لوزان أو أنقرة وغيرها، وفتح له الباب مؤخراً على مصاريعه للادّعاء بهذه الملكية، وما جاء ادّعاؤه الحالي إلا بعد فرض وجوده العسكري على جزء واسع من الشمال وتسارع إجراءاته الهادفة إلى تتريك المنطقة عن طريق تتريك المؤسسات الخدمية والتعليم ورفع علمه وفرض التداول بعملته، ومن ثم المطالبة باقتطاع منطقة حماية واسعة تظلّ تحت سيطرته، وهو يقف ضدّ تحرير إدلب من العصابات المسلحة بذريعة حماية المدنيين والحرص على أمنه القومي من هجرة ونزوح عشرات آلاف المدنيين من المحافظة المحتلة، ويبدو أنّ إجراءات منع خروج المدنيين وكثير منهم من محافظات أخرى غايته حماية العصابات وتوفير دروع بشرية.

أرشيف دول العالم والمنظمات الدولية يضمّ عشرات الخرائط القديمة للمنطقة المشرقية وبعضها يسبق وجود دولة عثمانية أو امبراطورية إسلامية، وتشكل هذه الوثائق الردّ الأبلغ على الادّعاءات التركية عالية السقف التي تهدف الوصول إلى ترضية ما وتوسيع مساحة اللواء السليب بضمّ المزيد من المناطق الثرية ومنها عفرين وجوارها بما فيها من ثروات مختلفة، أو إقامة إمارة تابعة على الأقلّ تحت حماية تركية أو دولية سواء مؤقتة أو دائمة وهذا اعتداء صارخ على السيادة السورية ويتناقض مع التأكيدات الروسية والدولية على ضمان وحدة الأراضي السورية المعروفة والمعترف بها، ونرى أنّ الدفاع السوري يجب أن يتضمّن هجوماً دبلوماسياً مضاداً يطالب باستعادة الكثير من الأراضي السورية المحتلة وإثارة قضية لواء الاسكندرون «هاتاي» حسب التسمية التركية من جديد، إضافة إلى الولايات السورية المعروفة التي تعادل مساحتها مساحة الجمهورية الحالية.

تشنّ عصابات جبهة النصرة اعتداءاتها على المدنيين والبلدات الآمنة من خلف نقاط المراقبة التركية وحولها، وهي تفعل ذلك قاصدة استدراج ردّ سوري يصيب المواقع التركية لإشعال فتيل المجابهة بين الجيشين، وبما أنّ الوجود التركي غير شرعي تشكل النقاط التركية أهدافاً مشروعة، ومن حق الجانب السوري المطالبة بخروجها ضمن مهلة زمنية يضمنها الطرفان الروسي والإيراني وتتماشى مع القانون الدولي، وهنا يسقط الحق التركي في أيّ ادّعاء لجهة الدفاع عن النفس أو المدنيين، ومن الأساس الجيش التركي ليس مكلفاً بالدفاع عن المدنيين أو غيرهم إنما يفعل ذلك من منطلق دعمه لمجموعات تخضع لتوجيهاته وتعمل على تحقيق مشروعه الواضح، الحليف الروسي الضامن عليه أن يوضح بنود الاتفاقات مع التركي، أبعادها، مدّتها بالتفصيل البسيط وإعلان عدم الالتزام والتنفيذ في حينه وما يترتب على عدم التنفيذ من مسؤولية وردود فعل وإجراءات تتخذها الأطراف الضامنة بحيث تؤكد أنّ للجانب السوري حق الدفاع عن أرضه وثرواته وسيادته عليها كاملة غير منقوصة.

تركيا المحتلّ الطامع

التركي في القضية السورية هو النقيض التامّ للروسي، فإذا كان الروسي يعمل لضمان استعادة الأمن والسيادة السورية الرسمية وجمع المختلفين، فإنّ التركي ما زال يغذي الشقاق ويدعم العصابات المسلحة ويسمح لها بتنفيذ الاعتداء على المدنيين، وهكذا لا يشكل وجوده عنصر ضمان جامع ولا رقابة حيادية بل هو يجسّد الاحتلال بأجلى صوره ويعبّر عن أطماعة يوماً بعد يوم في استفزاز لمشاعر السوريين وبذلك يوجه دعوة عاجلة لاستعادة المبادرة وتشكيل مجموعات تستهدف وجوده في كلّ مكان يتواجد فيه ويضمن القانون الدولي حق الشعوب في مقاومة المحتلّ عند الإعلان بشكل واضح من قبل المجتمع الدولي أنه احتلال فعلي ولا يتمتع بأيّ سند قانوني وشرعي لهذا الوجود والمطلوب هو إعلان روسي بهذا الخصوص إذ لولا السند الروسي لما كان التركي آمناً ومستقراً على الأرض كما هو الآن.

أيها السوريون، أعلن التركي قبلاً عن مطالبته بالشمال، وما بعد الفرات، ومدن الرقة ودير الزور والحسكة وما يتبع لهم، ومن جديد أضاف دمشق وحلب، وسيطوّر مطالبته أبعد من ذلك إلى العمق السوري الأصيل… عمّان ومعان وسيناء وبيروت والقدس، فهل أنتم على استعداد للقبول بعودة الخلافة العثمانية بدلاً من الخلافة الداعشية؟

الجواب لكم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى