ربيع ساخن، صيف حارّ، خريف ملتهب…
سليم حداد
انّ 2019 سوف تكون سنة مفصليّة في تطوّر أزمة الشرق الأوسط، فهي تشكّل فرصة ذهبيّة لـ»إسرائيل» لتنهي القضيّة الفلسطينيّة وتثبّت نهائيّة «إسرائيل» وديمومتها.
فبعد اعتماد الدستور الجديد الذي يجعل «إسرائيل» دولة يهوديّة بامتياز، وبذلك يبعد الخطر الديمغرافي المتمثّل بتكاثر فلسطينيّي الداخل والتهديد بأن يصبحوا أكثريّة ضمن الدولة واعتراف الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا بهذا الدستور. جاء دور تصفية القضيّة الفلسطينية بشكل نهائي وقد اكتمل المشهد ووضحت الصورة.
لماذا يشكّل عام 2019 فرصة ذهبيّة؟
في أميركا الرئيس ترامب متعاطف مع «إسرائيل» لأبعد حدود وقد اتّخذ القرار الذي لم يتخذه أيّ رئيس قبله وهو نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس، أيّ الاعتراف الرسمي بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، وبالتالي استبعاد فكرة أن تكون القدس بقسميها الشرقي والغربي عاصمة لدولتين وفعليّاً قتل فكرة قيام دولة فلسطينيّة وعاصمتها القدس، وقد تمّ مؤخراً تغيير المصطلح المعتمد من قبل وزارة الخارجيّة الأميركيّة بخصوص الجولان حيث تمّ حذف كلمة المحتلّة وبذلك أصبح الجولان جزءاً من «إسرائيل».
لا يوجد أيّ استحقاق انتخابي داخلي لترامب في أميركا وبالتالي تعتبر هذه السنة سنة تحضير لانتخابات 2020 الرئاسية وإنجاز تسوية نهائيّة لأزمة الشرق الأوسط وتصفية القضيّة الفلسطينية نهائيّاً التي ستعدّ أهمّ إنجاز له ولأيّ رئيس أميركي في نطاق السياسة الخارجيّة منذ انتهاء الحرب الباردة وتعطيه زخماً داخليّاً مهمّاً وترضي اللوبي اليهودي في أميركا. كما أنّ «إسرائيل» ستشهد انتخابات في الربيع المقبل سوف تعيد نتنياهو إلى الحكم بقوّة علماً أنّ منافسيه ومعارضيه يقعون على يمينه أيّ انّهم لن يعارضوا هذه الخطّة لا بل سوف يكونون اكثر تشدّداً منه، وبذلك فهو سيكون طليق اليدين من أيّ ضغوط داخليّة.
لقد تمّ خلق شقّ سنّي شيعي وعربي فارسي جعل من بعض الدول العربيّة والإسلاميّة تفضل التعاون مع «إسرائيل»، لا بل التحالف معها، بغية الوقوف في وجه المدّ الفارسي الشيعي، ولو على حساب تصفية القضيّة الفلسطينيّة.
الدول الإقليميّة الخمس الكبرى والمؤثرة والتي كان بإمكانها عرقلة هذه التسوية تمّ تحييدها كلّ واحدة بطريقة معيّنة:
ـ الدولة الأولى مصر، بلد الـ 100 مليون في حالة اقتصاديّة صعبة جدّاً وهي بحاجة للمساعدات والاستثمارات الغربية، يُضاف إلى ذلك أنّ السدّ الكبير الذي تبنيه إثيوبيا سوف يجعل مياه النيل التي هي عصب الحياة للمصريّين تحت سيطرة الولايات المتحدة، وبذلك تصبح مصر مأسورة، ولذلك فإنّ قيادتها لن تدخل في مواجهة مع الولايات المتّحدة.
ـ الدولة الثانية هي السعوديّة، القيادة السعوديّة منهمكة بالإصلاحات البنيويّة الداخليّة وبتأمين انتقال العرش إلى وليّ العهد، كما أنّ قضيّة الخاشقجي كبّلت يديها وأعطت الولايات المتحدة ورقة ضغط رئيسيّة أبديّة يمكنها ان تستعملها ساعة تشاء، بالإضافة إلى أنّ أي كسرٍ للمحور الذي تدعمه إيران هو انتصار لها.
ـ الدولة الثالثة هي سورية، سورية التي يمكنها ان تكون المعرقل الأساسي لهكذا مخطط تمّ إضعافها وإنهاك قواها من خلال الحرب الداخليّة التي عصفت بها.
ـ الدولة الرابعة هي تركيا، واجهت تركيا عقوبات اقتصاديّة كبيرة جرّاء أزمة القسّ المبشّر الأميركي وهذه العقوبات كشفت هشاشة وضعها الاقتصادي وقد أوصلت أميركا رسالة قويّة تحذيريّة لقيادتها، لذلك فإنّ تركيا لن تكون مستعدّة ان تعرّض اقتصادها لأيّ تدهور بسبب القضيّة الفلسطينيّة ناهيك عن خطر دعم الولايات المتحدة للمعارضة الكرديّة.
الدولة الخامسة هي إيران، التي كان بإمكانها وحدها عرقلة هذا المخطط فيتمّ الآن تحييدها من خلال العقوبات الاقتصادية والحصار المفروضين عليها واللذين يخلقان أزمة اقتصاديّة كبيرة في الداخل الإيراني، ويحدّان من قدرتها على التدخل بالقوّة اللازمة لمنع تنفيذ المخطط، كما ويحدّان مدى استطاعة إيران مدّ القوى المحليّة في لبنان وفلسطين ايّ حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي بالمساعدات اللازمة لعرقلة تنفيذ الخطّة.
ما هي الخطّة «الإسرائيلية» الأميركيّة؟ انّ إنهاء القضيّة الفلسطينيّة يتطلّب خطّة متكاملة على ثلاثة محاور تنفّذ بطريقة متزامنة.
المحور الاوّل هو محور غزّة حيث تعتبر قنبلة بفتيل مشتعل يمكن ان ينفجر في أيّ لحظة ويشكّل خطراً كبيراً على الداخل «الإسرائيلي» من خلال الصواريخ التي يتمّ تطويرها محلياً ويمكنها أن تطال المدن الداخليّة «الإسرائيليّة»، الحلّ بالنسبة لغزّة يكمن في ترحيل جميع الفلسطينيين منها نحو سيناء في مصر وإنشاء جيب فلسطينيي منزوع السلاح يتمتّع بحكم ذاتي من ضمن الدولة المصريّة، أمّا طريقة تنفيذ هذا المخطط فتبدأ من خلال عمليّة مدبّرة تودي بحياة عشرات من «الإسرائيليين» قد تكون تفجيراً كبيراً أو قصفاً يطال إحدى المدن «الإسرائيليّة» الكبرى أو حتّى تل أبيب وتتّهم به القوى في غزّة فيتمّ هجوم على غزّة مترافق مع قصف عنيف وغارات جويّة متلاحقة وعنيفة تؤدّي الى نزوح المدنيّين الى مصر التي تفتح الحدود لدواعي إنسانيّة، وبذلك يتمّ إخلاء القطاع من السكّان ويستتبع القصف بهجوم برّي كبير بغية احتلال القطاع كليّاً وتفريغه بالكامل.
محور الدولة الفلسطينيّة في الضفّة حيث يتمّ ربطها مع الاْردن حيث أكثريّة السكان من أصل فلسطيني من ضمن كونفيديراليّة فلسطينيّة أردنيّة عاصمتها عمّان، وقد يتوجّب تحقيقها إزاحة الملك في الأردن أو إجراء تعديل دستوري يعطي رئيس الحكومة صلاحيّات إضافيّة على مثال الطائف اللبناني على ان يكون رئيس الحكومة فلسطينيّاً ويربط هذا الحلّ بمساعدات كبيرة تنعش الوضع الاقتصادي في الأردن.
محور لبنان حيث هناك حوالي 500,000 لاجئ فلسطيني مسجّل بقي منهم حوالي 200,000 يعيشون في مخيّمات منذ سبعين سنة والحلّ في المخطط يكون بتوطينهم ومنحهم الجنسيّة اللبنانيّة مقابل مساعدات كبيرة سوف يعلن عنها لممارسة عمليّة إغراء تجعل بعض اللبنانيين يقبلون بالتوطين خصوصاً بعد ضغوط اقتصاديّة كبيرة تخلق أزمة خانقة عند الشعب.
تبقى القوى الدوليّة الفاعلة في المنطقة وهي اثنتين، ومدى استعدادها لمواجهة هذه التسوية مجال بحث، روسيّا التي لها مصالح استراتيجيّة في سورية ويتمّ التفاوض معها على تثبيت هذه المصالح، هل سوف تواجه هذا المخطط او سوف تفاوض على تحسين شروط نفوذها في المنطقة، وهل الصين التي ترقى الى ان تصبح قوّة عالميّة كبرى جاهزة للمواجهة ام سترضى ببعض النفوذ في منطقة أخرى ام بتسوية على قطاع الاتصالات العالمي 5G تعطيها دوراً رياديّاً فيه.
أمّا بالنسبة للقوى الاقليميّة والمحلّية المعارضة لهذه التسوية الإقليميّة، فماذا سيكون ردّها وهل سوف يكون باستطاعتها المواجهة؟ هل إيران مستعدة لحرب شاملة داخليّة وخارجيّة؟ القوى المحليّة التي تعتبر المسألة قضيّة حياة او موت فكيف سوف تواجه؟ ماذا ستكون استراتيجيّتها؟ هل سوف تتبع سياسة الأرض المحروقة لأنّ نجاح هذا المخطط يعني حكماً انتصاراً نهائياً لمحور وتصفية قضيّتها الرئيسيّة. ماذا سيفعل حزب الله هل سوف يستعمل ترسانته الصاروخيّة؟ وحركة حماس، ماذا باستطاعتها ان تفعل غير الصمود في غزّة؟ كيف سوف يواجه بعض المسيحيين اللبنانيين المعارضين للتوطين؟ كلّها أسئلة، أجوبتها غامضة ومحيّرة. الثابت الوحيد أنّنا أمام ربيع ساخن، صيف حارّ وخريف ملتهب.
كان الله بعوننا.