المطلوب: تعطيل عمل الحكومة لمنع مكافحة الفساد
د. رائد المصري
بهدوء… لقد قلنا سابقاً إنّ المتآمرين من النخب الحاكمة والمتحكّمين بالمفاصل السياسية والمالية في النظام اللبناني هم أدوات المستعمر الأميركي الطيعة في كلّ المجالات لتقويض أسس بناء الدولة الحديثة السيادية والمستقلة، ولا زال البعض يراهن على واقعيتهم السياسية المفقودة وعلى حسّهم الوطني ومسؤوليتهم وسلامة أبناء جلدتهم الذين اكتووا بنار النهب والتسلط والسرقة التي انتهجها سماسرتهم ووكلاؤهم في الدوائر الحكومية، حيث كان آخر وأبرز وأقبح ما ظهر هو العباءة الدينية التي تلحّف بها السنيورة لتغطية ارتكاباته الإجرامية في نهب المال العام، وإطلاق الحريري العنان والحبل لرأس مشروعه وحربته المذهبية وذئبه البري أشرف ريفي في سياق تكامل وتناغم مع الذئب الترامبي مايك بومبيو الآتي الى بيروت حاملاً إملاءات الفرض الأميركية بالملف النفطي والغازي، مانعاً استكمال مشروع عودة النازحين السوريين في لبنان إلى قراهم وبلداتهم، حيث سبقته تصريحات الحريري وحزب المستقبل بهذا الشأن في المزايدة على القرار الأميركي التدميري للبنان ولنسيجه الاجتماعي لقاء حفنة من دولارات بروكسل الريعية لتوزيعها على سماسرتهم من أصحاب البنوك والجمعيات الحقوقية والإنسانية والمجتمع المدني لمنع تحقيق عودتهم وإبقائهم في لبنان الى أبد الدهر، ويقولون لنا إنه اتهام لهم بالتآمر على البلد من دون وجه حق…
إنهم يريدون استكمال تطويق المقاومة وحركتها وخنقها ومساعدة الأميركي وذئابه المنفردة التي أطلقها الى المنطقة لدعم «إسرائيل» كي تقترع للحرب وتذبح الشعب الفلسطيني أكثر على الأسوار، ويريدون تعبيد الطريق أمام المستعمرين الغربيين في استكمال تطويق لبنان ومعه سورية والعراق ووضع اليد على منابع النفط والغاز، وإبقاء حال الاستنزاف وانعدام القدرة على بسط السيادة في سورية والعراق بالتحديد، حيث مساهمة الأميركي بتفشيل الحلّ شمال وشرق سورية مع الأتراك والإبقاء على عديد من 200 جندي أميركي عطل مفاعيل إستكمال الحل ـ المقايضة ما بين تعقيدات إدلب وشرق الفرات، ليبدو التنسيق الروسي التركي منفرداً عسكرياً وثلاثياً مع الإيراني في أستانة لكن من دون تأثير وتوسيع في دائرة المشاركة بسبب الفرملة الأميركية الخليجية نحو الحلّ السياسي في سورية…
يعمل الأميركي والأوروبي بمساعدة أدواتهم الداخليين على بقاء حال النزف العسكري في سورية وإدلب ومنع التسوية مع الكرد، إبقاء الجرح الإدلبي مع تعقيداته بفصائل جبهة النصرة بحجة المدنيين والتحضير لمسرحيات الكيماوي وأصحاب القبعات البيض، هذا بدوره يعطل مشروع العودة «الطوعية» للنازحين السوريين إلى ديارهم عبر الحجة المزعومة بالالتحاق بالخدمة العسكرية التي تنتظرهم المعارك، وهو ما يروّجه عملاء وأدوات السياسة الأميركية في لبنان رغم كلّ المراسيم والإعفاءات التي أطلقها الرئيس بشار الأسد حول عودة وضمان أمن النازحين السوريين في الداخل والخارج…
فكلما تلمّس المستعمر الأميركي والغربي وذئابهم في لبنان إصراراً لبنانياً وتأكيداً على ضرورة العودة الآمنة للنازحين السوريين، كلما زاد الأميركي من قدرته على تعطيل عمل الحكومة اللبنانية وإغداق أموال المساعدات الدولية للنازحين شريطة أن يبقوا حيث هم في الدول التي نزحوا إليها، وهذا صار موضع اشتباك داخل المكوّنات في الحكومة اللبنانية، وكذلك سيعطل معه مفاعيل مكافحة الفساد بحق المتورّطين السياسيين والأدوات الأميركية التي استباحت المال العام وسرقته ووزعته على بنوك الخارج الأجنبية، فليس هناك أدلّ على ذلك من مواقف الرئيس الحريري الأخيرة بشأن النزوح السوري وعودتهم ومواقفه المتذبذبة غير المريحة، وكذلك تغطيته لارتكابات النهب في المال العام والسرقات السابقة في وزارة المالية ووزارة الاتصالات وإلقاء الحرم المذهبي والطائفي بعدم المسّ بالمرتكبين، حيث بدا واضحاً أنّ التوقيفات وإجراءات الملاحقة للفاسدين رغم أهميتها لم تطل بعد إلا الوكلاء الصغار والسماسرة المأمورين وزجّهم في السجن…
فهناك عمل لافتعال شلل مقصود للحكومة لمنعها من استكمال مسيرة عودة النازحين السوريين التي أهلكت البلد والشعب، وأيضاً لخلط الأوراق السياسية من أجل منع المحاسبة للمتورّطين بسرقة المال العام، كونهم لم يعد بمقدورهم التستر خلف عباءة الإفتاء والتمذهب نتيجة انكشافهم الفاضح، وعن مسؤولية رئيس الحكومة المباشرة عن فرط عقدها فهو يعتبر أنّ ذئاب ترامب ومن معه من المحافظين الجدد قادرون على حمايته وحماية «منجزاته» التخريبية، كما حمت هذه الأجهزة إبن مدرسة البنك الدولي وأحد سيوفها ومافياتها المسلطة على رقاب اللبنانيين من الفقراء: فؤاد السنيورة، ومن أجل تغيير المنظومة المتوحشة المسبّبة للفساد والإفساد في لبنان يجب توسيع عمل الدائرة الحاضنة للمقاومة في مواجهة مشروع الفساد وتحويلها الى جبهة وطنية عريضة حتى لا تتمّ مذهبة وتطييف أيّ عمل رقابي على هؤلاء اللصوص المتلبّسين بالثوب الديني والطائفي، وكذلك الشروع بإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الفساد وناهبي المال العام بقضاتها ونياباتها العامة وادّعائها، فهو السبيل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من دولة وكيان يعبث به أطفال أميركا والغرب…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية