الخروج المطلوب والبقاء المرفوض…!
محمد ح. الحاج
قبل أشهر أعلن رئيس أميركا أنه سيسحب قواته من الأراضي السورية بعد أن حقق الانتصار على داعش! ويعلم أنّ العالم كله يعرف أنّ داعش هو صناعة دولته بالتعاون مع آخرين.
القليل من القوات الأميركية غادر الأراضي الشامية إلى مناطق قريبة في الأرض العراقية رغم معارضة واسعة في أوساط الوطنيين العراقيين، ويقوم من بقي من قواته بحماية وتوجيه بقايا داعش ونقلهم تحت جنح الظلام إلى مناطق آمنة وتغيير مواصفاتهم ليتمّ إخراجهم عبر العراق أو تركيا إلى حيث توظيفهم مجدّداً في خدمة المشاريع الأميركية، ربما ينقلونهم إلى الجزائر أو أفغانستان أو حتى إلى الجوار الفنزويلي من ثم تسريبهم للقيام بعمليات تخريب في تلك الدولة المستهدفة، وربما بإلحاح من الكيان الصهيوني لإيصال العميل الذي رفع علم الكيان ووعد بطرد كلّ من يؤيد الحق الفلسطيني أو عودة الفلسطينيين ولو سراً، الأميركي يقبض سلفاً ثمن إخراج هؤلاء الدواعش وبالذهب… وقد نقل إلى صناديقه أطناناً من ذهب العراق والشام…!
لم تتوقف عمليات المدّ والجزر في القرار الأميركي بسحب القوات ـ سيبقى القليل! بل سننسحب.. المرجح أنّ قرار السحب لا يتفق مع المصلحة الصهيونية، والمطلوب الأهمّ من القوات الأميركية البقاء لتشكيل حاجز يمنع التواصل العراقي الشامي بذريعة وقف التسرّب الإيراني من الوصول إلى لبنان، وهذا يبعث على السخرية والاستهجان، إذ انّ عمليات من هذا النوع مستحيلة وإلا لكانت أميركا بغنى عن إقامة جدار مع المكسيك يصرّ ترامب على إقامته.
في الجزيرة شمال وشرق الفرات تتلطى القوات الأميركية خلف القوات الكردية ومن معها من مقاتلي العشائر قسد ومع ذلك تلحق بهم خسائر يجري التستر عليها وكتمانها ومنع نشر أخبارها، وفي منطقة التنف حيث مخيم الركبان تتستر هذه القوات بالمرتزقة ممّن تسمّيهم «ذئاب الثورة أو ضباعها» وهؤلاء يحتجزون آلافاً من سكان المناطق الشرقية الذين هربوا من داعش وما كان أمامهم إلا التوجه نحو الصحراء، يمنعونهم من مغادرة مخيم الذلّ في الركبان والعودة إلى ديارهم الآمنة رغم التدخل الدولي، يستبقونهم دروعاً بشرية بوجه أية عملية يحتمل أن يقوم بها الجيش السوري، وهو الذي يحرص على أمنهم وسلامتهم، القوانين والأعراف الدولية لا قيمة لها في الأدبيات الأميركية عندما يتعلق الأمر بمصالح الصهيونية.
الدولة التي تخرق القانون الدولي أو تتمرّد عليه يسمّونها دولة خارجة على القانون، وأميركا أكثر من يشهر الحرب على دول تنعتها بالخارجة على القانون، فهل الكيان الصهيوني دولة تطبّق القانون الدولي، واستطراداً كيف تسمح الدولة التي تحترم نفسها بالخروج على القانون رغم اعترافها به علانية ولعشرات السنين أميركا ، هذا الكلام بمناسبة سحب الاعتراف من قبل مجلس الشيوخ الأميركي بأنّ الجولان أرض محتلة، من ثم الاعتراف بأحقية الكيان الصهيوني به لمتطلبات وذرائع أمنية، وهو أمر لن يتحقق لو احتلّ الكيان الصهيوني كلّ ما حوله، بالعكس سيكون الأمن مهدّداً أكثر كلما زادت مساحة الانتشار وسيأتي اليوم الذي لن تستطيع الولايات المتحدة حماية هذا الكيان السرطاني وهو سيلاقي مصيره المحتوم بالزوال.
خروج القوات الأميركية من أراضي الكيانين العراقي والشامي أمر مطلوب تمليه ضرورة حتمية وعدم تنفيذ الانسحاب يرتب على شعبي البلدين واجب إعلان المقاومة الشعبية لاستهداف هذا الوجود وهو أمر قائم بحدود دنيا مع كلّ ما يترتب عليه من مواجهات ودماء ومقارعة قوة عظمى مقابل الحفاظ على كرامة لا يفهم كنهها هذا الأميركي المحتلّ الذي يعتبر نفسه مالكاً لكثير من أراضي الكرة الأرضية وله حرية التصرف بها يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء من منطلق الصلف وغرور القوة.
الوجود التركي على الأرض سواء في الشام أو العراق مماثل للوجود الأميركي وربما استظله في مرحلة ما أو قام بتقليده مع اختلاف في النظرة والاعتبار الايديولوجي الديني، ومعلوم أنّ التركي ما زال مؤمناً بعثمانيته وأحقيته بالخلافة وأنّ هذه الأراضي على اتساعها هي ملك سلطاني لا بدّ من استعادتها المثال القريب جداول الموازنة المالية التي تتضمّن إيرادات حلب والموصل حتى اليوم… بمعنى أنهم ينتظرون استعادتها والجباية منها، أحلام العثماني أحياها حزب العدالة والتنمية الاخواني الذي يعمل على إعادة تركيا إلى ما قبل العلمانية، ومحاولة استعادة ما يمكن من أمجاد الماضي ولو عن طريق الرموز الممثلة بالإخوان سواء في مصر أو الشام وغيرها، ور بما نجحوا في خطة التمدّد ضمن الأرض الشامية الحالية بذريعة منع قيام دولة كردية وهو المبرّر الذي وفره لهم بكلّ بساطة الأكراد، أو جانب منهم عند إعلانهم شبه الاستقلال الإداري ومطالبتهم بالفيدرالية أو شبيه لها، مع ذلك فإنّ هذا الدخول والتمدّد لا يشكل خطراً إلا بوجود أتباع ومؤيدين تعمل الحكومة التركية على إيجادهم، منح مالية ودراسية ومساعدات، وتجنيس ووعود، وأتباعها ليسوا قلة وهم الذين لم يصلوا يوماً إلى مرحلة الوطنية والمواطنة واستمرّ ولاؤهم للدين والعرق والمذهب، وربما هو فشل في التربية الوطنية على مدى عقود حيث استمرّ الولاء العرقي والديني والمذهبي على أشدّه دون الأخذ بعين الاعتبار تجاوزه أو التخفيف منه أو مكافحته.
التمدّد التركي الحالي مرفوض، رسمياً وشعبياً ولا يمكن للشعب السوري أن يسمح بعودة النفوذ التركي وليس احتلاله، فالوجود الأزلي السوري الذي تجاوز عشرة آلاف عام يسبق بكثير الوجود الطوراني العثماني، وحتى الأميركي وغيرهم، وخروج القوات التركية أكثر إلحاحاً من غيرها، وهو أيضاً يتستر بوجود المدنيين حيث يتواجد بينما يقوم بحماية العصابات المسلحة بما فيها المصنّفة إرهابية، أما وجوده الآمن فيعتمد على تبعية عرقية ودينية بأعداد كبيرة عمادها الزنكي والنصرة إضافة إلى مجموعات الاخوان المسماة «الجيش الحر»، والخروج التركي ضرورة سورية لاستعادة الأرض وهيبة الدولة، أما التمسك بهذا الوجود من قبل الحكومة التركية فإنه يحرّض شعبياً على تشكيل فصائل مقاتلة مهمّتها استهداف هذا الوجود ومن يقف معه حتى دحره بالكامل وخروجه حتى من اللواء السليب.
الوجود الصهيوني على أرض الجولان مكث طويلاً، وهو وجود استيطاني استعماري بكلّ اعتباراته، مدعوم من قبل أصحاب المشروع في الغرب، في أميركا كما في أوروبا رغم الاعتراف الدولي بأنّ الجولان أرض محتلة وأنّ القوانين الدولية تسمح بل تشجع على تحريره واسترداده، ومجلس الشيوخ الأميركي ليس صاحب صلاحية في التنازل عنه أو منحه لطرف آخر، حتى ولا مجلس الأمن يملك مثل هذه الصلاحية، وحده الشعب السوري صاحب الحق والصلاحية وتمثله حكومة شرعية انتخبها وهي مسؤولة أمامه، وما أن تنتهي محنة الحرب الخارجية حتى نلتفت لتحرير أرض الجولان وإشعال المقاومة الداخلية وملاحقة الصهاينة حتى خروج آخرهم مدحورين.
لا بدّ أن يدفع كلّ احتلال الثمن الذي لا يتوقعه ومن يعش يرَ… ونحن من الصابرين.