القرار البريطاني ضدّ حزب الله تداعيات وخلفيات…
ريمون ميشال هنود
أقرّ البرلمان البريطاني أواخر شباط الفائت قانوناً صنّف من خلاله حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري بـ «المنظّمة الإرهابيّة»، في وقت ليس مستغرباً أن تعمد بريطانيا إلى تصنيف المقاومة في لبنان بالإرهابيّة استناداً إلى تاريخها الاستعماري الدموي، وأبرز دليل على ذلك اتفاقيّة سايكس – بيكو الّتي قامت على أطلال السّلطنة العثمانيّة عقب نهاية الحرب العالميّة الأولى، والتي كانت من نتاجها مع فرنسا، حيث أجازت لها احتلال فلسطين وجلب اليهود من أوروبا للاستيطان في فلسطين المحتلة، وجاءت النّكبة لتصبح بلاد المسيح بالنّسبة للأمبرباليّة والحركة الصّهيونيّة بوابة العبور الأولى نحو العالم العربي، لنهب ثرواته ومقدِّراته واستعباد شعوبه بذريعة الكذبة الكبيرة المسمّاة بـ «صدام الحضارات»، والتي ما زالت عواصم الاستعمار تجدّد لها البيعة غداة كلّ جولة حرب على المقاومين لسياستها.
ولعلّ أكثر ما يقلق ويؤرق بريطانيا ومعها الولايات المتحدة الأميركية هو انّ حلفاء سورية في لبنان، تمكّنوا من تحقيق نتائج حاسمة في الانتخابات النيابية اللبنانية، وهذا ما جعل واشنطن ولندن تشعران بتهديد مصالحهما في لبنان، لذا فإنّ غاية بريطانيا من وراء القرار هو التّعويض عن خسارتها في سورية وفي محاولة منها لإشغال الساحة اللّبنانيّة، من خلال استهداف الوضعين الاقتصادي والمعيشي النّازفين أساساً وبكون لبنان يشكل خاصرة سورية الرخوة.
ولأنّ حزب الله باعتباره حزباً دينياً منفتحاً وغير تكفيري، والحليف لدول علمانية مقاومة منتشرة في كلّ أصقاع الأرض، ولأنّ «إسرائيل» باتت تشعر بضيق شديد جرّاء هلعها من تعاظم وتعملق قوّته العسكرية والسياسيّة، وبعجزٍ تام عن شنّ عدوان عسكريّ جديد على لبنان، تجني من خلاله انتصاراً عسكريّاً ينزع سلاحه، ويقوّي خصومه السياسيّين اللبنانيّين الدّاخليّين، تجنّباً وتوخياً لهطول شلالات من نيران مقاوميه وصواريخهم على كافة مدن فلسطين المحتلة تسقط حكومتها،عمدت بريطانيا إلى دعم واشنطن الّتي تفرض عقوبات قاسية على الحزب من خلال إدراجه بجناحيه السياسي والعسكري على لائحة المنظّمات الإرهابيّة، بهدف تعزيز وتفعيل قوّة تلك العقوبات مخافة تعرّضها لاهتزازات على قاعدة بحصة بريطانية تسند خابية أميركيّة.
وليس من قبيل الصّدفة أن يتزامن القرار البريطاني مع الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه على المشروع الإرهابي المدعوم من واشنطن وتل أبيب وكلّ من يدور في فلكهما، وليس من قبيل الصّدفة أيضاً أن يتزامن القرار البريطاني مع بدء العدّ العكسي لاستعادة محافظة إدلب، حيث باتت الأرضية مهيّأة لإعلان الساعة الصفر لإستعادتها وإنهاء أحلام اردوغان الاخوانية النيوعثمانية، الساعية إلى استعادة أمجاد الخلافة العثمانية في الشّمال السّوري، لا سيما أنّ بريطانيا أدخلت تركيا في الفلك الأميركي الصّهيوني بدعمها لوصول أتاتورك تابعها إلى السّلطة فيها، الأمر الذي جعل أنقرة تبرم اتّفاقيّة سلام مع الكيان الصّهيوني في العام 1949.
إذاً بات واضحاً أنّ القرار البريطاني ضدّ حزب الله محاولة منها لإضعافه سياسيّاً ومعنويّاً لإحراجه وإرغامه على نزع سلاحه وإخراجه من حلبة الصّراع، ما يستهدف إضعاف سورية وعزل إيران، في محاولة لاستبدال معادلة قوّة لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته، بمعادلة الفريق المناوئ للمقاومة وحلفائها القائمة على أساس أنّ «قوّة لبنان بضعفه» والتي تدعو إلى النّأي بالنّفس، وهي عينها المعادلة التي أنتجت اتفاقية 17 أيار 1983 المولودة من رحم الحياد الإيجابي المنحاز بقوة الى المعسكر الغربي آنذاك.
من هنا لا يحق لبريطانيا اتّهام المقاومين زوراً بالإرهاب وتحويل صاحب الحق الى جلاّد، لا سيما أننا لا زلنا نتلمّس تداعيات كذبة رئيس وزرائها الأسبق طوني بلير الذي تمكّن بفضل مكره وخبثه المعهودين بإقناع البرلمان البريطاني بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، تمهيداً لغزوه ونهب ثرواته وقتل عشرات آلاف المواطنين العراقيين العزّل والأبرياء، حيث تمّ تحويل هذا البلد الى أرضٍ محروقة، أقيمت فيها المعتقلات الأميركية لتعذيب كلّ من قاوم الغزو الأجنبي.