ورحلت أمي..
كلما خطرتِ في بالي غاليتي
خفقَ قلبي الصغير
لحبك الكبير
لدقائق كنتِ تهدهدين بيديكِ على وجهي
للحظاتٍ ما ملَّ منكِ الانتظار
لأن تري وجه أخي الغائب.. ووجوهَ أحبتكِ
كلما مرّ طيفكِ
يؤرقني الحنين لضمكِ
لابتسامة منكِ
تريحُ.. تزيحُ صقيع أيامي
لا أدري أين أدفن حنيني
بعدما افتقدتكِ غاليتي
يا رائحة الحنةِ المخبأة في شعرك
يوم رحيلك
يا بياض ياسمين الحدائق
الملفوف على جسدكِ
يا شعرَك المجدول
قصّوه قبل الرحيل
عنوة عنكِ
وكفنوا الفراق
فوقَ شاهدةِ صمتي
ودفنوا الذكريات..
دفنوني معكِ يا أمي..!
يا آهي المذبوحة في صدري
أين أفرّ بعد الآن
أي حضنٍ سيحضنني؟
يا آهي الطويلة
طولَ طولَ صبري
يا نحيب آهات اختنقت في أضلعي
يا حناناً يفقد مكانه
دليني أمي على مكان
يشبه لو جزءاً من صدرك..
كي أرتمي عليه
كي أشبع من البكاء
فجوع المكان ينهش وجهي
يا وجعي
هدهدي بوحَ ألمي
فبعد اليوم ترفضني الأماكن
تسأل عنكِ.. ترمُقني..
ضعت بعدكِ.. يا ياسمينتي
يا وجه القمر على مرآة أوردتي
دلّيني على مكان أستريح فيه
تعبت بعدكِ من الترحالِ والسؤال
من نحيبٍ يؤرق أذنيَّ
يخدش ذاكرتي
دلّيني على ضمةِ عشقٍ
تشبهُ بعضاً من عشقي
عِشقاً ما اعتاد أن يخبو
لو أعطيته عمراً فوق عمري
دلّيني على عطر أشهى
من ياسمين عطركِ
أنفاسي اعتادت أن تغفو
على صدرٍ يعبق صبراً
يصهل عنفواناً فوقَ صبري
يحاصرني الشوق إليكِ غاليتي
في كلِ زاويةٍ من زوايا بيتي
في كلِ مكانٍ جلستُ فيه..
هنا كنت أقلّم لكِ أضافركِ
هنا كنتُ أمشّطُ شعركِ
هنا كنتِ تتوضئين وتدعينَ لي
وقت الصلاة
لقد فقدت كل شيءٍ بعدكِ
هباء بعدكِ هباء.. مملكتي!
يا مليكةَ عمري
وزادي وزوادتي
ماذا أخبركِ!!
بعدك.. لم أزفر طويلاً هكذا
وأن أودّع دموعاً مرةً أحرقتني
يا قمحَ بيدري.. وسنبلتي
يا رائحة الزعتر على الجبال في أيلول
يا مِسكا غفا على سجادتكِ
كل الفضاءات لن تسع مدى صوتي
وأنا أناديكِ وأناجيكِ في صمتي
إلى الآن أمي إلى الآن
لن أصدّق أنك قد رحلتِ
إلى الآن أمي إلى الآن
لن أصدّقَ أنك قد رحلتِ
إلى الآن أمي
مازلت أحاول
أن أضغط على قرص الهاتف
كي أهاتفك..
إلى الآن مازالت رائحتك
تسكنُ أنفَ مُخيّلتي..
إلى الآن ما زال باب منزلك يناديني.. يهاتفني
ما زالت قهوتك المرّة
مطبوعةً فوقَ فم قصائدي
دلّيني أمي دليني
على هدهدةٍ تهدئُ روحي
تطفئ نار حرقني
فما زالت أصابعك تصفّق
في دهاليز أروقتي..
تدندنُ اللحن الجميل
على أرصفة العمر
تَنسج خيوطاً من شرنقتي
ما زال ثوبكِ الأسود معلقاً هنا
في الزاوية
رائحتك فيه.. عطرك.. مسبحتك
كلّما جنّت عليّ هواجسُ الشوقِ
أندَسّ فيه كطفلٍ صغيرٍ يحاول الفطام
عبثاً أضيع..
من قال إني كبرت يا أمي!!
لم أفهم لحظة ودعتك فيها
أنني لن أعد أراكِ
لم أفهم لحظة احتراق الوداع
لم أفهم أني كنتُ مدمنةً حبكِ
وحين يجنُّ الشوق للقاء
ويفقد الصبر رجوعكِ..
أحاول مناداتكِ طويلاً
هل سمعتني..؟!
هل سمعتني يا أمي..؟!
حاولت أن أغتسل بدموع قهري
حاولت أن أتوضأ بماء صبري
حاولت وحاولت
وها أنذا أضيع..
داخلَ دوامةِ شوقي
ويحرن الحنين
دون رجوعٍ لحضنكِ
دون أن أستريح على صدركِ
فمتى.. متى ينام أنين الشوق
وتهدأ زفراته..؟
إليكِ أحنّ وأشتاق
يا… يا ملائكتي.
وفاء شربتجي – حلب