الرعونة الأميركية ليست سبباً للقلق؟
ناصر قنديل
– قد يبدو في الظاهر كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الاعتراف بالجولان كجزء من السيادة الإسرائيلية، كمثل الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لـ«إسرائيل»، تصعيداً خطيراً يهدّد بالمزيد من التوتر في المنطقة، بينما التدقيق الهادئ سيكشف أن توازناً دولياً قائماً سيضمن الفشل الأميركي بتحويل القرارات الصادرة عن واشنطن إلى قرارات أممية، كما سيكشف أن «إسرائيل» لا تملك كمية القوة اللازمة للاستفادة من القرارات الأميركية بتهجير العرب الفلسطينيين من القدس والعرب السوريين من الجولان، لجعل الضمّ ذا قيمة يبنى عليها لاحقاً.
– عملياً استعان الأميركي والإسرائيلي بكل حلفائهما في العالم والمنطقة لإسقاط سورية ليصير سهلاً إيجاد شريك سوري يمنح الشرعية لضمّ الجولان وشريك فلسطيني يمنح الشرعية لضمّ القدس، وتقول الوقائع كل يوم، إن زمن شرعنة هذا الضمّ بتوقيع سوري أو فلسطيني غير قابل للتحقيق، رغم المال الخليجي ومحاولات الترويض الأمني والسياسي للشخصيات المرشحة للتوقيع ومنح شرعية الضمّ، فسورية حرة وقوية وفلسطين مقاومة وتزداد قوة، والتوازنات الحاكمة داخل فلسطين والجولان تقول إن مَن يمكن ان يُفكّر بالتوقيع سيُقتل قبل أن يفعل.
– ما تفعله أميركا عملياً هو تلبية مطلب ومطمع إسرائيلي، لكن في زمن العجز الإسرائيلي عن الاستثمار، وهي بذلك تبرئ ذمتها بأنها منحت «إسرائيل» كل ما طلبت، كما لو أن واشنطن قالت بلسان ترامب إنها تمنح تل أبيب الضوء الأخضر لضرب إيران، فهل «إسرائيل» قادرة ولا ينقصها إلا الضوء الأخضر الأميركي؟ وغداً إذا قال ترامب أو وزير خارجيته مايك بومبيو إن مزارع شبعا جزء من السيادة الإسرائيلية، هل يمنح «إسرائيل» ذلك المزيد من أسباب القوة؟
– بالمقابل شهدنا ظهور مؤشرات على عقلانية أوروبية تسير باتجاه أكثر قرباً من وقائع المنطقة بعكس المواقف الأميركية، فقد تم إقرار الآلية المالية للتبادل التجاري الأوروبي مع إيران خارج نظام العقوبات الأميركية، ووضعت قيد التنفيذ، وبدت أوروبا في خلفيّة المشهد الأممي الجديد في سورية، حيث تبدّلات وتحوّلات تدريجية إيجابية في ملفي عودة النازحين والعملية السياسية، توحيان مع القول إن إعادة الإعمار وعودة النازحين ترتبطان ببدء العملية السياسية، وإن العملية توشك أن تبدأ بتشكيل اللجنة الدستورية قريباً، وإن الأمم المتحدة مطمئنة لحال النازحين العائدين، إن أوروبا تريد التخفف من أثقال الحرب على سورية وفي سورية، ومعها ملف النازحين وملف الإرهاب، وتبدو تركيا من موقع آخر تسير باتجاه سيوصلها إلى هذه الضفة، فيما روسيا والصين حاضنتان لهذا المسار، والأميركي يتخفف بطريقة عكسية، فهو يقول للإسرائيلي لقد أعطيتك كل ما طلبت وها أنا أستعدّ للانسحاب من المنطقة.
– علينا أن نقلق عندما تقول أميركا لـ«إسرائيل» ان عليها إعادة الجولان ومزارع شبعا إلى سورية ولبنان، لأن هذا يعني عملياً التمسك بفلسطين، وعزل القوتين الأهم في المنطقة، وهما سورية والمقاومة ومن خلفهما العراق وإيران ومحور المقاومة، عن التأثير بمستقبل فلسطين. وعلينا أن نقلق أكثر عندما تقول واشنطن إنّها تشجع حل القضية الفلسطينية وفقاً للقرارات الأممية، لأنها بذلك تضع الأراضي المحتلة عام 1948 تحت حماية الشرعية الدولية وتصنع إرباكاً في علاقة إيران وقوى المقاومة مع روسيا، أما السياسات الأميركية الرعناء كالاعتراف بضمّ الجولان والقدس، فستكون موضع ارتياح في محور المقاومة لأنها تجعل خيار المقاومة ذروة الاعتدال والعقلانية، وتمنحه الشرعية الشعبية والدبلوماسية والقانونية، وتؤدي لتماسك الحلفاء، كل الحلفاء.