الغرب يحارب «داعش» في الإعلام فقط…
جمال العفلق
منذ إعلان أميركا عن إقامة تحالف دولي لضرب «داعش»، وادعاء القادة العسكريين القائمين على العمليات الجوية تحقيقهم لضربات وأهداف محققة، ازدادت دموية «داعش» أكثر وانتقل التنظيم إلى مناطق جديدة لم تكن في الحسبان، رغم وجود طائرات التحالف وما يعرف بالمراقبة الجوية، إما عبر طائرات من دون طيار أو عبر الأقمار الصناعية التي تعمل على مدار الساعة.
إنّ «داعش» اليوم بات يشغل العالم بتنوع جرائمه، لكنّ الغرب لا يهتم ما دام ضحاياه من العرب والأكراد، وآخرين لا يحملون الجنسية الغربية، فالغرب المتحالف مع «داعش» عملياً، وإن كانت خطابات وتصريحات الساسة الغربيين تدعي محاربة الإرهاب، لم يشغله قيام التنظيم الإرهابي بإعدام عشرات الجنود السوريين، في حين انشغل بجندي أميركي سابق مختطف منذ عام لدى «داعش» وجاء الوقت للتضحية به.
لو كانت أميركا ومن معها صادقين في إعلان حربهم على «داعش»، لماذا لا تفرض أميركا على تركيا عقوبات اقتصادية لشرائها النفط منه؟ ولماذا لا يفرض على الحكومة التركية إغلاق المعابر التي تمدّ هذا التنظيم بالسلاح واللوازم العسكرية؟
إنّ تركيا ليست الوحيده المتورطة في دعم «داعش»، فهناك الأموال القادمة عبر مصارف نيويورك وكذلك الداعمين لـ»داعش» من الحكام العرب والمسوّقين لأعمال العنف والمتعاطفين مع التنظيم ومن يدور في فلكه مثل «جبهة النصرة» وغيرها.
لقد وجدت الدبلوماسية الأميركية الوقت الكافي لجمع مجلس الأمن مراراً وتكراراً لاستصدار قرارات تمسّ وتطال لقمة الشعب السوري، واستطاعت أميركا والعرب إيجاد سبب لحصار الشعب السوري اقتصادياً وحرمانه من أبسط حقوقه وهي التنقل، فمنعت الطائرات من نقل الركاب والمسافرين إلى دمشق ومنعت عنهم تأشيرات الدخول، لكنها لم تجد الوقت الكافي للبحث في جرائم «داعش» ضدّ الشعب السوري، فعملية إعدام الجنود السوريين وقبلهم العراقيين لا تعتبر من أولويات البحث لدى الضمير العالمي والإنساني الذي يدار وفق النهج الصهيوني المسيطر على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
إنّ الحرب الإعلامية على «داعش» تدار اليوم من أجل ملء الخزانة الأميركية وسحب الأموال العربية لإنعاش الاقتصاد العسكري الأميركي، ولا يمكن فصل جرائم «داعش» عن جرائم صانعها الأصلي، فأميركا تحمل دم مليون ونصف المليون من أطفال العراق إبان الحصار الغربي عليه، واليوم تريد نقل الرقم إلى سورية ولبنان، وفي السابق إلى الشعب الفلسطيني.
لن تؤدِ المناورات الغربية إلى تصفية «داعش»، فجعبة الإدارة الأميركية لم تفرغ بعد، وخلال الحديث عن «داعش» يتم تمرير اسم جماعة أخرى تدعى خوراسان، وهي البديل المنتظر عن «داعش»، تلك الجماعة التي يدعي الغرب أنها تملك قوة خارقة، وهي منتشرة ولها خلايا نائمة في العواصم الغربية والعربية، لكنّ دورها لم يأتِ بعد على ما يبدو، ولا مشكلة لدى أميركا أن تقوم تلك الجماعة بعملية ما يذهب ضحيتها العشرات، لكي تعيد جدولة العمل العسكري من جديد، كما فعلت منذ سنوات بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في نيويورك، ولا يزال الغموض يلف هذه الأحداث والجهة الحقيقية التي نفذتها حتى يومنا هذا.
إنّ كل ما ورد يعرفه أكثر العامة ولا يدركه أو يدعي ذلك، من هم في الصف الأول من سياسيين وإعلاميين، وخصوصاً الجناح الخادم للمصالح الأميركية، فلا يمكننا أن نفسر كيف يدّعي شخص ما الوطنية ويكون خطابه مطابقاً للخطاب الأميركي أو «الإسرائيلي»، فهذه الأمور لا تأتي صدفة، إنما وفق ترتيب ومصالح فردية . فتعطيل الحياة السياسية في لبنان تحت ذريعة أنّ حزب الله يقاتل في سورية، هو عمل لا يصب إلا في مصلحة أميركا، وادعاء ما يسمى «المعارضة السورية» أنّ الجيش والنظام يقومان بقتل المدنيين، بموازاة المطالبة المستمرة من قبل تلك المعارضة بتدخل عسكري، لا يمكن تسميته إلا خيانة للوطن.
أما الجامعة العربية فهي تردّد ما يطلب إليها ومن ثم تعلن عن قلقها إزاء ما يحدث في سورية، وهو إعلان عن موت من هم أموات، ولكن بطريقة أخرى أسوأ في النعي. فهذا العالم الذي يحارب الإرهاب إعلامياً ويدعمه على الأرض، لا يمكن الاعتماد عليه بعد اليوم لإيجاد حلّ سياسي للحرب الدائرة.