قالت له

قالت له: تبقى تجارب الحب الأولى التي نعرفها ببراءة مقاعد الدراسة هي الأنقى والأرقى وتستحقّ الحنين ولو لم يكن حنيناً لرفقتنا فيها. فعندما نغمض أعيننا لتذكّر لحظة جميلة تحضر وحدها بلا استئذان وعندما نلتقي رفقة تلك اللحظات نضحك ونفرح ونتذكّر معاً دون أن نشعر بعقدة ذنب وربما نتبادل حديث الذكريات أمام حبيب اليوم بلا تردد وهو يشاركنا الضحك.

قال لها: لأن تلك العلاقات كانت تجري خارج العقل مدفوعة بالعفوية وفطرة الخلق، وكل منهما يحمل من النيات الطيّبة ما يكفي للفرح بالبراءة حتى لو أخجلتنا بعض لحظاتها ووصفناها بالتصرّفات الطائشة. وهذا يقول شيئا واحداً إن عقلنا هو الشرير وليست روحنا وإننا لا نثق بصدقه في مشاريع الحب اللاحقة فقد تكون فيها بعض مصلحية أو بعض نزوات مخفيّة أو كلتيهما.

قالت: أليست تلك العلاقات نوعاً من التعرف وفضول الاكتشاف أكثر مما هي تعبير عن المشاعر ولذلك لا تترك بصمات تضعها إلى جانب مشاريع الحب الرومانسية التي تورطنا فيها وقادتنا إلى الفشل رغم كونها ربما أشد براءة لجهة ابتعادها عن كل مصلحة ونزوة؟

قال لها: المشاريع التي تسمّينها بالحب الرومانسي الفاشل هي عملياً أقرب لكونها مشاريع مكبوتة خجولة لعلاقات لم تكتمل بسبب قيود الثقافة والتقاليد وليس لبراءتها من المصالح والنزوات. فقد تخيّلنا خلالها القبلة الأولى مراراً وعجزنا عن فعلها وهي لا تفشل بل تمضي، لأن زمانها ينتهي بنضج مراحل من العمر وبدء دخول العقل شريكاً في الاختيارات الواعية واللاواعية.

قالت: إذن أنت ترى كل حب بعد اكتمال النضج شريراً؟

قال: لم أقل إنه شرير، لكنني قلت إن فيه بعضاً من أسرار غير مكشوفة لنزوات العقل القائم على حساب المصالح يلبسها أثواباً ويمنحها أسماء وصفات والنجاح والفشل فيها أبعد من استمرارها أو انقطاعها فقد تستمرّ فاشلة وقد تنقطع بنجاح لأن الفشل والنجاح بالمعنى الحقيقي هو في قدرتها على منح الشعور بالسعادة العفوية لطرفيها والاستمرار والانقطاع لا يعودان لهذا المعيار بل لنجاح وفشل آخرين هما الأسباب الكامنة في السر في تفكيرنا.

قالت: وأي علاقات الحب تراها الأكثر عفوية وصدقاً إذن؟

قال لها: الحب من طرف واحد.

قالت: لماذا؟

قال لها: لأنه لا ينتظر تبادلاً ولأن جماليته متخيلة ولأن فيه كثيراً من الفروسية والتضحية والشعور بالفرح لسعادة الشريك.

قالت له: وهل مررت بهذا الحب؟

قال: ولا أزال.

قالت: وأنا موجودة معك؟

قال: لأنك هذا الحب.

قالت: أتنكر مبادلتي للحب بالحب؟

قال: أتجاهل كي لا أطلب التبادل المنصف والمتقابل.

قالت: وهل عليّ مبادلتك حباً من طرف واحد مثله كيف نتعادل؟

قال لها: أفقد عندما تبلغيني ذلك متعة الشعور بأنه حب من طرف واحد.

قالت له: وهل أنت سعيد وفرح بهذا الحب؟

قال: ما دمت لا أقيم محاسبة على التبادل.

قالت: وهل عليّ التجاهل؟

قال لها: عليك التساهل.

قالت: وعليك التنازل.

قال لها: عندها أطلب التعادل.

قالت: وأطلب التبادل.

قال لها: والتقابل.

قالت: والتقاتل؟

قال: في التغازل.

فضحكت وقالت نفدت مني المفردات فأستسلم.

وضحكا معاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى