بفعل الممانعة نَمَت المقاومة وتحرّر الجنوب وغزة… والزمن طويل
ناصر قنديل
– خلال عقود طويلة كانت يد الاحتلال فيها هي القوية وصاحبة القضاء والقدر، كان يقال لنا إن ما رفضه القادة المتمسّكون بالحقوق العربية وأولها الحق بفلسطين كل فلسطين صار حلماً بعد حين، وإن قرار تقسيم فلسطين الذي لم يقبله العرب، صار حلماً بعيد المنال لاحقاً. وللعلم والتذكير فإن «إسرائيل» لم تقبل القرار، ولم يبادر أحد في الأمم المتحدة لوضع روزنامة لتطبيق قرار التقسيم الذي يحمل الرقم 181 مثله مثل القرار الخاص بعودة اللاجئين الذي يحمل الرقم 194، وكل ما كان سينشأ عن القبول العربي هو شبيه بما نشأ عن قبول العرب المشابه بقرارات مثل الـ242 و338، وهو بالتحديد بقاء الاحتلال واللهاث وراء سراب اسمه السلام، فيما إسرائيل تهوّد الأرض وتلتهم المزيد من الجغرافيا وتزيد منسوب القوة استعداداً لحرب قادمة واحتلال أرض جديدة، فاحتلال بيروت وجنوب لبنان لم يمنع وقوعهما القبول العربي بمشاريع الحلول التي سبقت.
– مع الإعلان الأميركي عن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل» وبضمّ «إسرائيل» للجولان صعدت أصوات تتحدّث بلغة مشابهة تقول، لو قبل الفلسطينيون بما عرضه عليهم بيل كلينتون وإيهودا باراك عام 2000، وفيه نصف القدس الشرقية أو ربعها، لما كانوا كما هم اليوم يخسرون كل القدس، ولو قبلت سورية بما عُرض عليها من الجولان بلا أمتار طبريا، لما وصلت الأمور إلى خسارة كل الجولان، وطبعاً لا ينسى المتحدثون أن يقولوا النقيضين، فهم يحاولون الإيحاء أنهم يقدّرون عالياً القدرة القيادية للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وينسون أن الرفض تمّ على يديهما، ثم يستدركون بأنهما لو عرفا أن رفضهما سيجلب هذه النتائج لما فعلا.
– حسناً. سنأخذ الكلام بقدر حجم عقول أصحابه ونسير بالأمر كما يقدّمونه، فنسأل عندما قبل الرئيس ياسر عرفات باتفاقية أوسلو، هل نفّذها الإسرائيلي؟ وماذا كانت الحصيلة في المناطق أ وب و ج؟ وهل ما يحكم التنفيذ لأي اتفاقية هو شيء آخر غير موازين القوى التي تولد فيها؟ وعندما قبلت سورية باتفاقية فك الاشتباك عام 1974 كنقطة انطلاق مؤقتة للانسحاب من الجولان بضمانة أميركية هل حدث ذلك وتمّ الانسحاب؟ وعندما قبل لبنان بالقرار 425 وبقي يلاحق العالم لتطبيقه هل سمع له أحد؟ وعندما وقعت واشنطن على التفاهم النووي مع إيران، هل منعها ذلك من الانسحاب منها من طرف واحد؟ وهل سيمنع التوقيع الأميركي على اتفاق حول الجولان من الانسحاب منه لاحقاً، كما لم يمنع التوقيع الأميركي على اتفاق فك الاشتباك القائم على أن الاعتراف بأن الجولان سوري الهوية من إعلان معاكس بالاعتراف بضم الجولان لـ»إسرائيل»؟ فالثابت الوحيد لم يكن يوماً بما يقبل العرب، تفادياً للأسوأ، أو سعياً لحل سلمي، أو ما يوقع عليه الأميركي أو يوقع عليه الإسرائيلي، الثابت الوحيد هو ميزان القوى، وميزان القوى فقط.
– القدس والجولان تحت الاحتلال أصلاً منذ العام 1967، والحديث عن الضمّ هو ترجمة سياسية للاحتلال وليس تعبيراً عن تبدّل في موازين القوى، بل الأصح هو ترجمة للعجز عن الحصول على الاعتراف السوري والفلسطيني بشرعية احتلال فلسطين، كثمن حتمي لأي تفاهم تعرضه واشنطن وتل أبيب، والذين ثقبت ذاكرتهم ونسوا أن الرفض السوري للمساومة في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد، أنتج موازين القوى التي ساهمت بتصاعد قوة المقاومة التي حرّرت جنوب لبنان وغزة دون تفاوض ودون منح الشرعية لاحتلال باقي الأرض العربية، لا بدّ من تذكيرهم بأن الممانعة التي حالت دون العودة المنقوصة للجولان على طريقة عودة سيناء، هي التي حضنت المقاومة فضمنت عودة غير منقوصة لجنوب لبنان وغزة، ولأن الزمن بيننا وبين أميركا طويل، فالسياق الذي بدأ مع الممانعة وتطوّر مع المقاومة وأنتج تحريرين متلاحقين، سيكتمل بتحرير غير بعيد للجولان، وتحرير لاحق لما بعد الجولان وما بعد غزة، والقدس ليست بعيدة، والأيام بيننا.