عون: قلقون من العجز العربي… والخلافات… وخطر ضياع الأرض… والتوطين بري في بغداد… والحريري يعد بتعويض الوقت الضائع… والخميس جلسة حاسمة
كتب المحرّر السياسي
كأنها لم تنعقد، هذا هو التعليق الذي بادر به مرجع دبلوماسي عربي مخضرم شهد العديد من القمم العربية، في وصفه لقمة تونس العربية، التي لامست التحديات وتهربت من الإجابات المنتظرة والمطلوبة، فرفض إعلان القدس عاصمة لكيان الاحتلال، لم يرفق بآلية عربية للتعامل مع الدول التي ستنقل سفاراتها إلى القدس خشية التصادم مع واشنطن صاحبة أول سفارة تنتقل إلى القدس المحتلة، وكان كافياً ان تقول القمة إن العرب سيخفضون تمثيل دولهم إلى المستوى القنصلي للاهتمام بشؤون سمات الدخول ومشاكل الجاليات في كل دولة تنقل سفارتها إلى القدس، حتى يشكل ذلك رادعاً ويصير للعرب حساب، دون أن يكلفوا أنفسهم قطع العلاقات ووقف المتاجرة، التي ترعب العالم إن وضعت كسلاح على الطاولة، في عالم يعتمد على نفط العرب، كذلك قالت القمة إنها ترفض القرار الأميركي بالاعتراف بضم كيان الاحتلال للجولان السوري المحتل، لكنها تهرّبت من القرار الأهم، وهو الانفتاح على الدولة السورية بصفتها المعني الأول بالسيادة على الجولان، لمناقشة سبل إسقاط مفاعيل القرار الأميركي، الذي يعني عملياً نهاية العملية التفاوضية التي ترعاها واشنطن، وتقوم على الاعتراف الأميركي بعروبة الأراضي المحتلة، وتسقط بسقوط هذا الاعتراف سواء في ما يخص القدس أو الجولان. فجاء التمسك العربي بالمبادرة العربية للسلام القائمة على مبادلة الأرض بالسلام، نشازاً لا ينسجم مع سياق الضياع الذي يصيب الأرض، ويسقط معه الحديث عن السلام، وهو ما نبّهت إليه كلمة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، بسؤالها عن مستقبل المبادرة بعدما تضيع الأرض ويضيع معها السلام.
كلمة رئيس الجمهورية اللبنانية وضعت إصبعها على الجراحات العربية، وربما تسببت بالألم لمن يشعرون بالألم، وليس لمن هانوا، و«من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام»، كما يقول شاعر العرب الكبير أبو الطيب المتنبي، فقد قال الرئيس عون إننا قلقون من العجز العربي، ومن الخلافات وغياب القدرة على الحوار، والمقاعد الشاغرة بيننا، وخصوصاً غياب سورية، وقلقون أكثر من ضياع الأرض وما يخص لبنان منها مباشر. فالاعتراف الأميركي بضم الجولان يخيف لبنان على مصير مزارع شبعا المحتلة، ومصير ثروات لبنان من الغاز والنفط، والقلق الأكبر من فرض الأمر الواقع بتوطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وهذا هو المعنى الوحيد لربط كل عودة بالحل السياسي.
بقيت الصرخة اللبنانية في برية القمة، بلا صدى، وتفرق الجمع العربي بعد مؤتمر صحافي يشبه الكلام الذي قيل فيه لغة المقابر، فالأمين العام للجامعة العربية تهرّب بلا إقناع من كل جواب عن سؤال جدي، خصوصاً ما قالته الزميلة راشيل كرم التي مثلت قناة الجديد، عن موقف الجامعة العربية من أي عمل مقاوم في الجولان رداً على الاعتراف الأميركي بضمه، أو من حرب تشنها الدولة السورية لاستعادة ارضها.
في لبنان استعداد للجنة الكهرباء وما سيصدر عنها، بعد تصعيد قواتي حول خطة وزارة الطاقة، ويليها انتظار لانعقاد الحكومة في جلسة حاسمة يوم الخميس، ينتظر منها تحديد سقف لإقرار الموازنة العامة، والانتهاء من إقرار خطة الكهرباء، التي يشكل إقرارها عاملاً من عوامل توضيح مسار الموازنة، ويشكلان معاً شروطاً لإثبات جدية الحكومة في الخطوات الإصلاحية لتخفيض العجز، وهو ما بدأت تطرح المؤسسات الدولية أسئلة حول البطء في إقراره، وما رد عليه رئيس الحكومة سعد الحريري العائد من الاستشفاء والنقاهة إلى العمل اليوم، بقوله أمام زواره والمطمئنين إلى صحته، أنه يعدهم بتعويض كل وقت ضائع.
يعود مجلس الوزراء الى الاجتماع هذا الأسبوع مع عودة الرئيس ميشال عون من تونس واستعادة الرئيس سعد الحريري عافيته بعد العملية الجراحية التي خضع لها. ويعقد مجلس الوزراء جلسة يوم الخميس في قصر بعبدا للبحث في ملف الكهرباء والتعيينات، بانتظار ان يحدد الرئيس الحريري جلسات متتالية لمناقشة الموازنة، لا سيما ان مشروعها بات في أدراج رئاسة مجلس الوزراء ووزير المال علي حسن خليل قد أجرى مراجعة للمشروع لجهة خفض الإنفاق.
ورأى رئيس الحكومة امام زواره ان «هناك قرارات صعبة في ما يختص بالموازنة والإصلاحات وعلى الجميع ان يتشارك بمسؤولية اتخاذها، لا ان ينشغلوا بالمهاترات وتبادل الاتهامات التي لا توصل الى أي نتيجة». وقال: إن جميع الفرقاء السياسيين يتحملون مسؤولية حل المشكلات التي يعاني منها البلد، وقال: «لا يمكن لفريق سياسي ان يعتقد ان باستطاعته تحميل الآخرين مسؤولية كل المشاكل في البلد، لأن هذه المشاكل متراكمة منذ زمن»، لافتاً الى ان الإصلاحات والإجراءات التي سنقوم بها سيتأثر بها الجميع.
ونبه وزير المال الى «ان الواقع اليوم يتسم بأعلى درجات الدقة إذا لم نقل أعلى درجات الخطورة، وذلك في ما نشهد من تحدّ على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي». وأضاف: «لقد خسرنا بعض الوقت ولكن ما زالت الفرصة امامنا، فإما نكون قيادة سياسية حقيقية لهذا الوطن تستطيع ان تتخذ قرارات اصلاحية جدية، على مستوى إقرار موازنة جدية مسؤولة، تعكس روح الإصلاح في الملفات التي تشكل الهدر والفساد وأساس الاختلال في المالية العامة، وإما أن نعلن افلاسنا امام كل الناس».
واعتبرت مصادر مطلعة لـ«البناء» ان على الحكومة البدء بمناقشة مشروع الموازنة وإقرارها في اسرع وقت تمهيداً لإحالتها الى المجلس النيابي ليصار الى درسها في لجنة المال ومن ثم إقرارها في الهيئة العامة. ولفتت المصادر الى اصرار المعنيين على ضرورة إقرار الموازنة من دون عجز بما ينسجم مع الإصلاحات المطلوبة في مقررات سيدر. واشارت المصادر الى ان الموازنة يجب ان ترافق بسلسلة إجراءات تتصل بتخفيضات يجب أن تطال عدداً من الوزارات، فضلاً عن تخفيض الاعتمادات والمساهمات لعدد من الجمعيات وضرورة التشديد على مراقبة ديوان المحاسبة المسبقة للقروض والهبات المقدّمة من المنظمات والبنوك الدولية، وصولاً الى الالتزام بمنع التوظيف غير القانوني الذي خرقته المكوّنات السياسية خلال عملية تحضيرها للانتخابات النيابية وتخفيض العجز في الكهرباء.
وعلى خط الكهرباء، تشدد مصادر حزب القوات لـ«البناء» على ان تكتل الجمهورية القوي يشجع على ضرورة الوصول الى خطة للكهرباء تسمح بوصول الكهرباء بشكل دائم، لكن المشكلة تكمن اننا نريد الغوص في تفاصيل الخطة التي وضعتها وزيرة الطاقة ندى البستاني لنبني قرانا سواء بالموافقة او بالاعتراض، فحزب القوات على موقفه من رفض الحلول الموقتة لأن التجارب اثبتت ان الحلول الموقتة افضت الى تراكم عجز الكهرباء الأمر الذي انعكس على الاقتصاد ككل، لا سيما ان تقديرات الخبراء تشير الى ان عجز الكهرباء سيصل الى 3300 مليار ليرة. ولفتت المصادر الى ان كلفة المعامل كلفتها اقل بكثير من كلفة اعتماد البواخر لفترة خمس سنوات، معتبرة ان الحل يجب ان يقوم على محطات إنتاج في المناطق الامر الذي يقطع الطريق على الهدر، لا سيما ان هذه المحطات سوف يتم إلحاقها بالمعامل الكبرى في فترة لاحقة. ودعت المصادر الى ضرورة أن يأخذ مجلس الوزراء بعين الاعتبار دعوة البنك الدولي لبنان إلى معالجة مشكلة الكهرباء والأخذ بملاحظاته في هذا الشأن.
من ناحية اخرى، ربطت المصادر القواتية موقفها من التعيينات بضرورة العودة إلى الآلية التي أقرها مجلس الوزراء التي تؤكد ضرورة اعتماد معيار الكفاءة في التوظيف بعيداً عن التسويات والمحسوبيات.
وفيما ترفض مصادر نيابية في تكتل لبنان القوي الدخول في سجال مع حزب القوات، تؤكد المصادر لـ«البناء» أننا لن نسمح بعد الآن بتعطيل تأمين الكهرباء، فخطة الوزيرة البستاني يجب أن تقر في أسرع وقت، لافتة الى أن على وزراء القوات ان يطرحوا أفكارهم خلال اجتماعات اللجنة الوزارية يوم غد في السراي الحكومية لمناقشتها بعيداً عن التصريحات الاعلامية التي لا توصل الى شيء.
وفي الموازاة، تشدد مصادر مطلعة لـ«البناء» على ضرورة تحقيق التلازم بين خطة الكهرباء وتشكيل مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان وتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، مشيرة الى ان الخلاف مع لبنان القوي يكمن في انه يرفض ذلك ويصر على إقرار الخطة اولاً ليتم في مرحلة لاحقة تعيين الهيئة الناظمة ومجلس إدارة جديد للشركة.
وفي سياق متصل، أكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة أمس أن علينا أن نشرع ببناء معامل للكهرباء في لبنان، لأنه بمجرد الشروع في إنجاز ملف الكهرباء، سيجد الجميع تحولاً في الدورة الاقتصادية في البلد».
إلى ذلك يبدأ كل من النائب الأول لرئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يورجن ريجتيريك ونائب رئيس البنك بيار هيلبرون، اليوم زيارة الى لبنان تستمر يومين وسيلتقي ريجتيريك وهيلبرون أثناء زيارتهما رئيس الحكومة سعد الحريري، نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني، وزير المالية علي حسن خليل الذي يشغل منصب محافظ في مجلس محافظي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ممثلاً عن لبنان، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني، وزير الاتصالات محمد شقير، حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، المدير العام لوزارة المالية ألان بيفاني وسفيرة الاتحاد الأوروبي كريستينا لاسين. كما سيلتقيان ممثلي شركات وبنوك محلية.
على خط آخر، اتجهت الانظار أمس الى مؤتمر القمة العربية في دورته الثلاثين التي عقدت في تونس، حيث ألقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة لبنان، والتقى على هامشها عدداً من رؤساء الوفود المشاركة في القمة، وجرى البحث في ملف النزوح السوري والتطورات في المنطقة. وسأل «هل سيتمكّن مجلس الأمن من حماية حق سورية ولبنان في أراضيهما المحتلة؟». أضاف: «كيف سنواجه هذه المخططات وهذه الاعتداءات على حقوقنا؟ هل بحدود لا تزال مغلقة بين دولنا؟ أم بمقاعد لا تزال شاغرة بيننا هنا؟ إن كنا ونحن مجتمعون موحّدين بالكاد نقدر على مجابهة مشاريع كهذه، فكيف الأمر إن كنا مبعثرين مشتتين كما هو حالنا اليوم؟». وقال: «رغم انتهاء الحرب لكن نتائجها لم تهدأ والخطر هو الصفقات التي تلوح في الأفق وما تحمله من تهديد وجود منطقتنا.»
وأضاف يقلقنا الإصرار على ربط عودة النازحين بالحل السياسي، لا بل إعطاء الأولوية للحل السياسي، رغم معرفتنا كلنا بأنه قد يطول فهل يسعى المجتمع الدولي لجعل النازحين رهائن لاستعمالهم أداة ضغط على سورية وأيضاً على لبنان للقبول بما قد يفرض من حلول؟.»
وشدّد الرئيس عون خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس على أنّ الأولوية بالنسبة إلى لبنان حالياً، هي عودة النازحين السوريين الى بلادهم، والتخفيف من العبء الثقيل الملقى عليه وتداعيات النزوح على القطاعات كافّة، مؤكّداً أنّ لبنان سيواصل تنظيم قوافل العائدين السوريين الى المناطق السورية الآمنة.
وعن الوضع على الحدود، أشار الرئيس عون إلى احترام لبنان للقرار 1701 وتنفيذ مندرجاته، فيما يواصل العدو انتهاكاته في البر والبحر والجو، ويشنّ غارات جويّة على سورية منتهكاً الاجواء اللبنانية، مطالباً الأمم المتحدة بالمساعدة على ترسيم الحدود البحرية.
وغرد وزير الخارجية جبران باسيل قائلاً «لبنان يقترح والعرب يوافقون: رفض القرار الأميركي حول الجولان واعتباره باطلاً وانتهاكاً لميثاق الامم المتحدة بالاستيلاء على اراضي الغير بالقوة. كذلك الدعم العربي لحق سورية في استعادة الجولان المحتل وللبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر وحق لبنان باسترجاعها».
إلى ذلك، وصل رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى بغداد أمس، في زيارة رسمية تلبية لدعوة نظيره العراقي محمد الحلبوسي، حيث يلتقي كبار القادة والمسؤولين العراقيين والمرجع الشيعي الأعلى آية الله السيد علي السيستاني. وتمنى بري فور وصوله: الازدهار والإعمار والإنماء للعراق بعد طرد داعش والانتصار على الإرهاب وبعد ان استقامت الأمور وشكلت المؤسسات الدستورية تقريباً بأكملها، وآمل الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً. وتمنى نجاح الزيارة مؤكداً أنها مختلفة عن غيرها، وقال «أريد أن تنجح عراقياً ولبنانياً ولبنانياً وعراقياً».