لا خطر إفلاس بل خطر فقدان المصداقية… وهو أعظم
البروفسور فريد البستاني
يتداول بعض الخبراء والمعنيون بالشأن الاقتصادي أحاديث ومعلومات عن خطر إفلاس يصيب لبنان، ومن يدقق بالواقع المالي والمصرفي اللبناني يعلم انّ خطوط الدفاع التي يمتلكها لبنان في مواجهة ايّ مخاطر على نظامه المالي وقدرته على الدفع والسداد، لا تزال متينة وقادرة على حمايته لشهور وربما لسنوات، ويكفي القول إنه مقابل بلوغ الدين نسبة 150 من إجمالي الدخل الوطني، وبلوغ فائدة الدين نسبة 1 من هذا الدخل، وهي أرقام خطيرة، وخطيرة جداً، فإنّ احتياط مصرف لبنان يعادل الدخل الوطني الإجمالي ويمثل 70 من إجمالي الدين وسبعة أضعاف خدمة الدين، وعشرة أضعاف عجز الموازنة تقريبا، وبالتوازي تشكل ودائع المصارف اللبنانية مرتين وأكثر من حجم الدين، وخمسة وعشرين مرة من عجز الموازنة نقريباً، وهذه كلها حقائق تمنح الوضع اللبناني خصوصية تجعله بعيداً عن المقارنة بنماذج الإقتصادات التي وقعت في خط انحداري تحت ضغط العجز والدين وخدمة الدين أوصلها للإفلاس.
هذا لا يعني أبداً في نظام مالي عالمي متداخل ومتشابك أنّ بمستطاع لبنان ومسؤوليه الإطمئنان، وأننا خارج دائرة الخطر، فالقضية الأخطر التي يواجهها لبنان، هي أنه في ظلّ وقوعه تحت أعباء ديون ضخمة تتمّ عملية إعادة تمويلها بالعودة للاستدانة، فإنّ معادلة دقيقة تحكم وضعنا ومستقبلنا، تتمثل في تسعير الفائدة التي ندفعها على ديوننا، وهو تسعير لا يخضع استنسابياً لرغباتنا، بل لتصنيفنا في المعايير العالمية، وهو تصنيف تقوم به مؤسسات مالية محترفة، تقيّم أهلية السلطات السياسية والمالية لإدارة هذا الدين وبالتالي قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، وعلى درجة التصنيف يحدّد النظام المصرفي العالمي وفقاً لمعايير دقيقة تسعير فوائد منح الديون، ويتقرّر تالياً حجم العجز الناجم عن فوائد الدين وخدمته، وبسبب حجم الدين الكبير يصير ايّ تخفيض في التصنيف العالمي يرتب زيادة في سعر فائدة الديون، كفيلاً بإحباط أيّ جهود لمعالجة الوضع المالي الخاص بتخفيض العجز، فزيادة نقطة في الفائدة تعني زيادة 10 من العجز، ولذلك يشكل الحرص على القيام بإجراءات جدية في معالجة مشاكلنا المالية شأناً مصيرياً في رسم مستقبل وضعنا المالي، لأنه سعي للسيطرة على العجز من جهة، وإقناع للخارج المعني بأننا جديرون بالثقة ونمتلك الأهلية للسيطرة على مشاكلنا.
لا ينفع هنا مثلاً اللعب ببهلوانية الأرقام كنقل نفقات إلى خارج الموازنة للإيحاء بأنّ العجز يتقلص، كما لا ينفع الحديث الإنشائي عن نوايا جدية للمعالجة، فالعالم لا يفهم إلا لغة الأرقام، ويعرف حالنا ربما أكثر مما يعرفه بعض المسؤولين، ويراقب تفاصيل التفاصيل، لأنّ الذين يمنحون القروض يعنيهم أمان أموالهم، وهم من يموّل هذه المؤسسات المالية المحترفة التي تقوم بدراسة ومراقبة وبالتالي بتصنيف البلدان المقترضة ونحن منها.
القضيتان المحوريتان اللتان تحوزان اهتمام الداخل والخارج، في مصير العجز والمالية العامة، هما صدور الموازنة، وإقرار خطة الكهرباء، والداخل والخارج مجمعان على أنّ معالجة العجز تبدأ بخطة الكهرباء، وعلى أنّ الإنفاق من خارج الموازنة يشكل أحد أبرز أشكال الهدر والخطر على الإنتظام المالي للدولة.
قد يبدو في الظاهر أنّ إقرار الموازنة وخطة الكهرباء، حبر على ورق، لكنهما في الواقع اليوم الحجر الأساس لتمتين تصنيف لبنان الإئتماني، وتثبيت سعر الفائدة، وصولاً للإستقرار في حالنا المالي والنقدي، واستطراداً البدء بمسيرة السيطرة على الخطر، حيث فقدان الثقة أخطر من الإفلاس، بل هو طريق مؤكد نحوه.
نائب الشوف في البرلمان اللبناني