المغنية السورية سناء بركات لـ«البناء»: الموهبة وحدها لا تكفي… والوقوف على المسرح سعادة لا تضاهى
دمشق آمنة ملحم
حملت صوتها رسالة منذ الصغر، مرتّبة خطواتها من حمص لدمشق محمّلة بعبق الأصالة ومخملية الخامة لتنثر في ربوعها موهبة وإحساساً ورقيّاً مكرّساً بالدراسة الأكاديمية.
المغنية السورية سناء بركات منذ نعومة أظفارها بدأت ملامح موهبتها ترتسم لتخطّ لها درباً خاصاً منطلقة من الترتيل الكنسي، وبإحاطة لها من جوّ أسري مهتم بالموسيقى اختارت بركات إكمال الطريق بشكل أكاديمي تدريجياً حيث تعلّمت في الثانوية الصولفيج والعزف على البيانو وكذلك العود ومن ثم جاءت دراسة المعهد العالي للموسيقى، ودروس بإشراف مغنية الأوبرا اراكس شيكيجيان لمدة أربع سنوات حقّقت لها نقلة بصوتها.
اختيار بركات للدراسة الأكاديمية وفق حديثها لـ«البناء» نبع من إيمانها بصوتها، والغناء هو المهنة التي تسعى إليها. جاء المعهد ليهذب صوتها وموهبتها فهي ترى أن الموهبة لا تكفي دون تمرين متواصل كي تصل للجمهور وتحقق حضوراً داخل البلد وخارجه.
لم يكن درب بركات مفروشاً بورود ربيعية فتخرجها من المعهد العالي للموسيقى جاء متزامناً مع سنوات الأزمة السورية الأمر الذي حمل آثاره السلبية بتوقف الكثير من المشاريع، وكذلك غياب الخبراء عن البلد، ولكن يبقى إصرار بركات رفيقاً لها فالحياة مستمرة والسعي مستمر للوصول لأحلام منسوجة بخيطان الموهبة والتحدّي للظروف، وكذلك التمسّك بالبقاء بالبلد والانطلاق مع الحلم منه دون التفكير بوجهة أخرى تقصدها ولو حتى كان الدرب هناك سيكون أسهل.
ورغم أن بركات من جيل الشباب المحاط بأنماط غنائية كثيرة إلا أن خطّها الغنائي محفوف بالالتزام بالكلمة واللحن والرسالة وهنا تعيد بركات توجّهها هذا أولاً لنمط تربيتها الموسيقيّة في جوّ أسري متغذ بالفكر القومي والأغاني التي تحمل قضية «كجوليا». وثانياً، لدراستها الأكاديمية حيث تابعت الدرب مع الأغاني السريانية والأوبرا والطربية ذات الطابع الملتزم مع الخبراء الموسيقيّين ما زاد من تمسّكها بهذا الفنّ الراقي الجدّي الملتزم الذي يحمل رسالة ولم تستطع الخروج منه فهذا خيار ورغم صعوبة المشوار الملازم له والمواجهات التي تعتمد على الجهد الشخصي بشكل كلي بغياب دعم المؤسسات وشركات الإنتاج، ولكن الحلم يجعلها تمضي نحو خطّ غنائي لا يمكن أن تحيّد عنه، الذي يعتمد على الكلمة الجميلة والإحساس واللحن الراقي والتوزيع المميز بشكل عصري يتناسب مع سوية المستمعين الذين يؤمنون ويشجعون هذا النمط. وهنا تؤكّد أن في سورية فئة من الجمهور ذواقة تتوجّه إليها على الدوام في أغانيها.
بركات مغنيّة النمط شرقي من الطراز الرفيع كما أنها تغني الأوبر. فتوجّهها كان باتجاه الألحان الشرقية السريانية إلا أنها في المعهد العالي للموسيقى ومع مدرّستها اراكس شيكيجيان تعرّفت على قدرتها على الغناء الأوبرالي. فبدأت معها وجهدت حتى كانت النتيجة مشاركات عديدة مع كورالات غناء أوبرالي.
كما أن بركات عضو في أكثر من كورال. وتقول: الكورال لا يهضم حقّ المغني ولكنه حالة مختلفة على المسرح حيث يخضع لقوانين محدّدة والالتزام بالنوتة والمايسترو والفريق بكامله، أما غناء الصولو فالمسرح كله للفنان واختيار الأغاني وفق رؤيته الخاصة.
وخلال الحديث عن علاقة بركات بالمسرح تؤكّد أنها علاقة من نوع خاص جداً. فمع كل وقفة على المسرح تتملكها سعادة لا تضاهى ويغمرها شعور الرضا عندما تلمس تفاعل الجمهور مع أدائها، وهنا تعرج على حبها للمسرح الغنائي وهي تجربة ليست موجودة في سورية، ولكن خوضها تمني بالنسبة لها، على غرار تجارب الرحابنة وفيروز في لبنان والتي حملت تميّزاً على الدوام، لا سيما أن لصوت فيروز خصوصية لدى بركات فتسمعها على الدوام وتغنّي لها في حفلاتها فصوتها قادر على أداء أغاني السيدة فيروز ، وكذلك تميل إلى كل من أداء جوليا، عبير نعمة، ماجدة الرومي، سيمون أسمر. كما لا تحيّد عن سماع الطرب كي تستفيد من تقنيات الصوت باختلافها وتدعم أدائها باستمرار.
وحول رأيها بنمط إعادة إحياء أغان قديمة بتوزيع حديث تشير بركات إلى أن هناك أغاني قديمة لها وقع خاص لدى الجمهور يحبها ويسمعها باستمرار، لذا من الممكن أن تفكر بإعادة إحياء بعض منها بتوزيع جديد، ولكن دون أن تمسّ هويتها الخاصة، وإن أقدمت على هذه الخطوة فتحب أن تحيي أغاني لنجاة الصغيرة ووردة وليلى مراد.
في جعبة بركات حتى اليوم عدد من الحفلات التي قدّمتها على مسرح الأوبرا، والمراكز الثقافية داخل سورية وخارجها، ولكن أغنية خاصة واحدة في رصيدها الفني. وهنا حال بركات كحال المغنين في سورية مع غياب الشركات الخاصة التي تدعم ظهورهم وأصواتهم وتقدّم لهم الإنتاج اللائق، ولكن فكرة إصدار أغانٍ جديدة حاضرة دوماً في البال وهناك تواصل مع شعراء وملحنين. وهنا تشيد بركات بوجود فنانين شباب سبّاقين في هذا الإطار عدا عن رغبتها بالتعامل مع جيل الشباب لمواكبة العصر بخطّ راقٍ، ولن تتوانى في حال توفّر الإنتاج عن اصدار أغانٍ سينغل تعرف الجمهور عليها أكثر، ولكن يبقى برأيها للألبوم أثر أكبر في التعريف على الفنان ومستوى فني أعلى، ولكنه بحاجة لتكاليف باهظة لا يمكن تحمّلها بشكل شخصي.
أما على صعيد الحفلات فتواجدت بركات مؤخراً في حمص، حيث أحيَت حفلاً حمل عنوان «مسقط قلبي» وجاءت خصوصيته بكونها ابنة هذه المدينة وجاء الحفل فيها بعد سنتين من الغياب عن الحفلات في ربوعها، وكان للحفل وقع كبير في قلوب الجمهور الذي تفاعل معها لأقصى حدّ وأدّت خلالها بركات باقة متنوعة من الأغاني. كما تحضّر حالياً بالإضافة لمشاركات الكورال لحفل أغانٍ سريانية سيكون في الصيف بعد شهر رمضان، وفيه ستؤدي مجموعة أغانٍ سريانية من الزمن القديم بعضها بتوزيع جديد بينما تحرص على تقديم البعض الآخر كما هو، لتكون أول حفلة من هذا النوع في سورية، وهي نابعة من رغبة بركات ذات الأصول السريانية بالحفاظ على هذه الهوية السورية وتعريف الجمهور بالكلمات والألحان السريانية العميقة التي تحمل حضارة كبيرة وواجبها كأكاديمية موسيقيّة تقديمها، وفق تعبيرها.
بركات شابة ذات طموح ليس له حدود، فالمسارح العالمية لا تغيب عن بالها والشهرة مقصد لإيصال صوتها، ولكنها تبتعد عن برامج المواهب والخوض فيها رغم أن الفكرة راودتها مرات لكن احساسها باعتماد هذه البرامج على سياسات وقواعد معينة وفرضها على المشتركين جعلها تعزف عنها، وتتجه نحو السوشال ميديا لدعم حضورها. فهي ابنة هذا العصر الذي بات يعتمد بشكل كبير على السوشال ميديا، لذا أنشأت قناة على اليوتيوب وصفحة خاصة على الفايسبوك وتحاول على الدوام التفاعل مع الجمهور وتحميل الفيديوهات التي تدعم حضورها.
ومن المشاريع الجديدة التي بدأتها بركات مؤخراً بفكرة جديدة هو تدريب كورال شباب في حمص مع أربعة أصوات متمنية أن تنال هذه الخطوة النجاح، كما تدرس بركات الموسيقى للأطفال وتدفعهم دائماً لسماعها بشكل صحيح وكيف يتلقون الكلمات والألحان بأسلوب سليم، وهنا ترى أن تعلم الأطفال للنوتة الموسيقيّة في الصغر أمر مهم جداً يدعمهم في المستقبل.
ويبقى دار الأسد للثقافة والفنون في سورية الحضن الأول الذي يدعم الأكاديميين السوريين إلى جانب المراكز الثقافية، ولكن بركات ترى أنها لم تأخذ حقّها في هذا المكان إلى الآن بإقامة الحفلات الخاصة بها مع حفلين سابقين خاصين فقط، حيث رفض لها حفل قدّمت عليه مؤخراً في الدار الأمر الذي تعتبره محزناً، فإن لم تدعمها الدار فإلى أين ستتوجّه وهي متخرجة أكاديمية منذ سنوات والظهور على هذا المسرح حق لها. حالها كحال عدد من المتخرجين الذين تسحب منهم الفرص أحياناَ لصالح ظهور غير الأكاديميين في الدار، ورغم رعاية وزارة الثقافة للحفلات والظهور مع الكورال ولكن يبقى اعتمادها الأكبر على نفسها في حفلاتها فلا يوجد دعم كامل للمغني السوري الأكاديمي، على حدّ تعبيرها.