هل ترضخ تركيا للضغط الأميركي… أم تصرّ على شراء أس 400 ؟
حسن حردان
اقترب استحقاق اتخاذ تركيا قرارها بشأن الاستمرار في صفقة شراء منظومة صواريخ «أس 400» من روسيا… هل تصرّ على إتمامها؟ أم تتراجع عن الصفقة في آخر لحظة، تحت ضغط التهديد الأميركي بإلغاء مشاركة أنقرة في إنتاج طائرات «أف 35» الأميركية المتطوّرة، وفرض عقوبات جديدة عليها؟
في الحالتين ستكون هناك تداعيات ونتائج، ففي حالة إصرار أنقرة على إتمام الصفقة وتسلّم الصواريخ فإنّ العلاقات التركية ـ الأميركية ستواجه توتراً كبيراً لا يمكن التنبّؤ بانعكاساته على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، لكن الأكيد سيكون هناك نتائج سلبية تزيد من حدة الخلاف الذي نشأ على خلفية:
أولاً: إصرار واشنطن على دعم وتسليح وحماية قوات الحماية الكردية في شمال شرق سورية، وهو ما تعتبره أنقرة تهديداً لأمنها القومي لا يمكن أن تتساهل فيه.. ذلك أنّ نشوء كونفدرالية كردية على الحدود مع تركيا، بدعم أميركي، سوف يؤدّي إلى تحفيز أكراد تركيا على ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة التركية لإقامة حكم ذاتي في جنوب شرق تركيا، حيث يبلغ عدد الأكراد في هذه المنطقة نحو 16 مليون نسمة.. وهو ما ترفضه أنقرة وتعتبره تهديداً لوحدة تركيا..
ثانياً: احتضان الولايات المتحدة الأميركية الداعية التركي عبدالله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وجماعته، بتحريض أميركي، وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بحكم الرئيس رجب أردوغان، وقام بها جنرالات في الجيش عام 2016، ورفض واشنطن طلب أنقرة تسليمها غولن..
لهذا لا يمكن الفصل بين قرار أنقرة عقد صفقة شراء «أس 400» من روسيا، وبين رفض واشنطن التخلي عن دعم قوات الحماية الكردية في شمال شرق سورية، ومواصلة احتضان وحماية عبدالله غولن.. ويبدو من الواضح أنّ هذا الخلاف مستمرّ وليس هناك بالأفق حلّ له بسبب إصرار واشنطن على عدم الاستجابة للمطالب التركية.. من هنا فإنّ الرئيس أردوغان لا يريد التخلي عن صفقة شراء «أس 400»، أو مواصلة تعزيز علاقاته الاقتصادية مع روسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتعاون معهما بموجب اتفاق أستانة بما خصّ إنهاء وجود الإرهابيين في محافظة إدلب، المحاذية للحدود مع تركيا.. فهو يرى في هذه العلاقات سلاح ضغط على واشنطن كي تستجيب لمطالبه المذكورة آنفاً…
انطلاقاً من ذلك تستمرّ أنقرة بالإصرار على إتمام شراء صفقة «أس 400»، وهو ما أكد عليه بالأمس الرئيس أردوغان، ووزير خارجيته مولود جاوويش أوغلو.. فقد قال أردوغان، إنّ بلاده تواصل سداد المدفوعات بموجب اتفاقها مع روسيا لشراء أنظمة الدفاع الصاروخي «أس 400» وإنّ واشنطن لم تقدّم الشروط ذاتها عندما عرضت بيع باتريوت .
وقال أردوغان في تصريح صحافي أمس الجمعة، في اسطنبول، في معرض إجابته عن سؤال عما إذا كان سيناقش صفقة «أس 400» خلال زيارته المزمعة إلى موسكو الأسبوع المقبل، إنّ «أس 400» ستشغل حيّزاً هاماً في محادثاتنا، وإنّ حجج الولايات المتحدة خاطئة للغاية، لقد أنهينا صفقة «أس 400» ونواصل سداد المستحقات .
اما أوغلو، فقد أكد انّ موقف الولايات المتحدة الأميركية المتمثل في تحديد الجهة، التي يمكن أن نشتري منها أسلحة، لا يتوافق مع روح التحالف القائم بيننا، وأعرب عن رفض بلاده إملاءات الولايات المتحدة الأميركية، بخصوص شراء أنقرة منظومة «أس 400» الروسية.. هذه المواقف التركية أثارت قلق واشنطن ودفعت نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى اعتبار أنّ مضيّ تركيا في صفقة «أس 400» حتى بعد أن وفرت لها الولايات المتحدة صواريخ باتريوت «أمراً مقلقاً للغاية».. غير أنّ إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أنّ «الولايات المتحدة تواصل مناقشاتها مع تركيا بشأن خططها لشراء نظام دفاع صاروخي من روسيا، واثق بقدرة الدولتين الحليفتين بحلف شمال الأطلسي على إيجاد حلّ للمشكلة، وانّ تركيا تجازف بالتعرّض للطرد من برنامج «أف 35» المشترك إذا أكملت الصفقة مع روسيا»، طرح الأسئلة وفتح الآفاق على احتمالين:
احتمال إيجاد حلّ يحول دون تدهور العلاقات الأميركية التركية، يقود إلى تلبية واشنطن بعض طلبات أنقرة وتحديداً لناحية الموقف من قوات الحماية الكردية، وتزويدها بنظام باتريوت بشروط أفضل لتركيا، مقابل تخلي الأخيرة عن صفقة «أس 400»، غير أنّ مثل هذا الاحتمال نسبته ليست كبيرة لأنّ واشنطن ليس من السهل عليها الآن التخلي عن قوات الحماية الكردية، فمثل هذا التخلي سيفقد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورقة أساسية تستخدمها للإبقاء على تدخلها في سورية وممارسة الضغط على الدولة الوطنية السورية لتقدّم تنازلات تستجيب للشروط الأميركية للحلّ السياسي في سورية..
أما الاحتمال الثاني، فيكمن في رفض واشنطن الاستجابة لأيّ من المطالب التركية، ما يجعل من الصعب على أردوغان التراجع عن إتمام الصفقة مع روسية، لسببين، الأول، لأنه يريد إثبات قدرته على رفض وعدم الخضوع للإملاءات الأميركية، والظهور بأنه غير تابع للولايات المتحدة، ويحافظ على استقلال الدولة التركية، وذلك بهدف تعويم شعبيته المتراجعة بعد هزيمة حزبه القاسية في الانتخابات البلدية في معاقله الأساسية.. وأما السبب الثاني فهو الإبقاء على ورقة علاقته مع روسيا كسلاح للضغط على واشنطن لتحقيق مطالبه، بتخليها عن مواصلة دعم قوات الحماية الكردية في شمال سورية، وتسليم الداعية التركي عبدالله غولن.. أما بخصوص علاقة تركيا بحلف شمال الأطلسي فإنّ التقديرات والمعطيات تؤشر إلى أنها لن تتأثر كثيراً إذا ما أتمّت أنقرة صفقة شراء «أس 400» من روسيا، وهذا ما لفت اليه معهد كارنيغي الذي لا يعتقد أنّ «منظمة حلف شمال الأطلسي» ستشكل بالضرورة جبهة موحدة رداً على شراء تركيا لمنظومة «أس 400» والسبب برأيه، أنّ عدداً من الدول الأعضاء في حلف «الناتو»، مثل المجر هنغاريا ، موالية لروسيا. أضف إليها إيطاليا التي تقودها حكومة شعبوية تميل إلى روسيا. والأكثر من ذلك، أنّ الأسرة الأوروبية الأوسع نطاقاً ضمن حلف «الناتو» ليست متحالفة تماماً مع الولايات المتحدة في الوقت الراهن، بسبب التفاعل والتداخل بين سياسة واشنطن والديناميكيات عبر المحيط الأطلسي. وبالتالي لا أتوقع أن تدعم كافة الدول الأوروبية الأعضاء في حلف «الناتو»… ومع ذلك، فإنّ إقدام أنقرة على شراء منظومة «أس 400» من المرجح أن يتسبّب بتدمير العلاقات الثنائية الأميركية – التركية. فحسب معهد كارنيغي، من شبه المؤكد أن تفرض واشنطن عقوبات على أنقرة في حال مضت تركيا قدُماً في تنفيذ قرارها. وفي هذا الصدد، يُعتقد أنّ البيت الأبيض استخلص عبرة من مقتل جمال خاشقجي. فـ بما أنّ إدارة ترامب أخرجت إلى حدّ ما ولي العهد محمد بن سلمان من المأزق، فقد اتخذ الكونغرس الأميركي خطوات قوّضت فعلياً أساس العلاقة الأميركية – السعودية. ولمنع تكرار أرجحية مماثلة، سوف يتعرّض البيت الأبيض لضغوط شديدة لفرض عقوبات صارمة على أنقرة. علاوةً على ذلك، قد يفرض الكونغرس عقوباته الخاصة على تركيا…
في كلّ الأحوال فإنّ الفشل التركي الأميركي في سورية ارتدّ سلباً على العلاقات بين واشنطن وأنقرة، وتسبّب بأزمة في العلاقات الثنائية نتيجة تبدّل الأولويات لكلّ منهما.. وهذا يصبّ في مصلحة سورية وحلفائها.. ويخدم الاستراتيجية الروسية الإيرانية السورية…