ما يُرسم للجزائر محطة أخيرة في حرب لن تنتهي
سعد الله الخليل
إلى أين تسير الجزائر بعد بوتفليقة؟ سؤال طرحته صحيفة النيويورك تايمز في معرض تغطيتها للتطورات المتسارعة في الجزائر، والتي تكشف بجزء منها طبيعة الدور الأميركي في ما يُرسم للجزائر بشكل خاص، ولطبيعة الصراع في المنطقة بشكل عام. فلا تخرج تطورات الجزائر بطبيعة الحال مما ترسمه واشنطن بمشروع تفتيت الجمهوريّات خاصة تلك التي تقف في وجه السيطرة الأميركية.
ما قالته الصحيفة بأنّ «استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تنهي أطول رئاسة في شمال أفريقيا، لكنها تترك البلاد أمام مأزق سياسي، حيث يطالب الشارع الجزائري بتغيير ثوري»، يأتي في سياق ما طرحته الشعارات في الشارع الجزائري بأنّ الخطوة لم تعُد كافية، وبالرغم من أنّ الجيش الجزائري اتخذ الخطوة الأقوى في الحدّ من تدهور الأوضاع في البلاد، إلا أنّ المتظاهرين في مدينة وهران ثاني أكبر مدن الجزائر، حملوا لافتات كتبوا عليها «المادة 102 هي نصف الإجابة… على العصابة أن ترحل بأكملها». وانتشرت شعارات على مواقع التواصل الاجتماعي منها «ارحل يعني ارحل» و»اطردوهم جميعاً»، في إشارة واضحة للرغبة في تصفية الدولة الجزائرية، والتحوّل إلى نموذج مشابه للنموذج الليبي أو اليمني أو السوري، عبر زعزعة استقرار الجزائر خاصة بعد ظهور جماعة الإخوان المسلمين في ساحات التظاهر، في إشارات لحضورها الدائم في كلّ المشاريع في الساحة العربية. وبطبيعة الحال فإنّ هذه المطالب تتماشى مع ما تطالب به الصحيفة الأميركية «بتغيير جذري في طبيعة الحكم وتحذّر من أن تسلك التطورات مسار جيران الجزائر من مصر إلى السودان ودول الخليج بإجهاض ثورة الشارع». إذاً، «واشنطن بوست» تطالب بالمزيد للذهاب بالجزائر إلى ما تصبو إليه واشنطن في أحد أكبر البلدان المنتجة للنفط في العالم، والتي أنتجت ما يزيد عن مليون برميل من النفط الخام يومياً في عام 2018، ويذهب 60 في المئة من النفط الجزائري إلى أوروبا، وخاصة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
إذاً، هو السعي للسيطرة على مصدر مهمّ للطاقة في اليد الأميركية، على غرار ما جرى في ليبيا التي تستعر فيها المعارك للسيطرة على العاصمة بعد ثماني سنوات من مشروع نشر «الديمقراطية الأميركية»، ولتنال من دولة وقفت ضدّ المشاريع الأميركية في المنطقة وقالت لا في زمن انغمست الدولة الكبرى في حروبها ضدّ محور، من كراكاس إلى موسكو مروراً بطهران وبغداد ودمشق والجزائر، ومشروع لن ينتهي عند حدود واضحة المعالم، حيث تبدأ المعارك بالحراك فالحرب السياسية والعسكرية وأخيراً الاقتصادية لإنهاك البلدان المعادية لواشنطن، وما تشهده روسيا وإيران وفنزويلا وسورية من تبعات العقوبات الاقتصادية من استنزاف اقتصادي سوى أوجه تلك الحرب.
إذا كان الأميركي واضحاً في مراميه وحروبه، فهل يكفي تجاوز دول المقاومة الحروب العسكرية لإعلان النصر وكسر المشروع الأميركي؟! وهل المضيّ في السياسات التقشفيّة لسنوات ثمار نصر عسكري؟! وأيّ نصر يكتب بتدفيع المواطن المغلوب على أمره فاتورة بقائه صامداً على أرضه، بعد أن قدّم الغالي والنفيس من دمه وأجساد أبنائه في معركة اختار البقاء فيها مرفوع الرأس، ليجد نفسه عاجزاً عن توفير لقمة معيشته في ظلّ سياسات ضاغطة تحت شعارات العقوبات والأزمة؟!
من البديهي أن تفرض الحروب الكونية سياسات اقتصادية تقشفية وإجراءات صارمة تعود بالنفع المرحلي لجهة توفير الإمكانيات للمعركة الرئيسية، وعدم تشتيت الإمكانيات في مجالات بعيدة عن الهدف الرئيس، إلا أنّ المضيّ في تلك السياسات واعتبارها قاعدة لا استثناء تقلب الموازين وتغيّر في المعادلات. فتحقيق الهدف الرئيسي لا يستقيم ما لم تمتن دعامات استمراريته بالقواعد الصحيحة. وهو ما يتطلّب خطة مواجهة حقيقية تخلق تكاملاً اقتصادياً ينعكس على أرض الواقع رفاهاً اقتصادياً وانتعاشاً في الأسواق، بدءاً من سعر الصرف وصولاً إلى توفر السلع الأساسية في الأسواق مروراً بنشاط استثماري يرفع معدلات التنمية، ويحقق هوامش نمو تنعكس على معيشة الفئات الفقيرة التي أنهكتها الحرب وباتت على شفير الانهيار.
ما تشهده أغلب دول المواجهة من سياسات ترشيد الإنفاق التي طالت القطاعات الرئيسية كحوامل الطاقة من بنزين ومازوت وكهرباء، والإعلام أحد أهمّ أركان المعركة والتعليم الركيزة الأساس في بناء الأجيال، لا يرتقي لمستوى النصر العسكري وغياب التنسيق بين دول المحور اقتصادياً لمستويات التنسيق العسكري، يترك الحلول في أطر ترشيد الإنفاق والتضييق على فرص العمل وأصحاب الكفاءات، دونما خلق فرص تعاون اقتصادي خلاق وهو ما يُفرغ الانتصار العسكري من قيمه الحقيقية رويداً رويداً.
لا تُقطف ثمار النصر العسكري ولا تزهر تضحيات أبناء الأرض الطاهرة، ولا يكتمل تحالف محور المقاومة دونما إنجازات اقتصادية، تحفظ كرامة مَنْ صبر وبذل الغالي والثمين فداء وطنه. فمشاريع الحروب على المقاومين لم ولن تنتهي ويخطئ من ينتظر الخلاص.