أدوار أربعة يلعبها برّي تقِيه العقوبات الأميركيّة!

محمد حمية

يتنقل رئيس المجلس النيابي نبيه بري بين العواصم العربية والخليجية والاسلامية مدافعاً عن الحقوق الوطنية اللبنانية ومناصراً قضايا الأمة. فمن مواقفه القومية المتقدمة في مؤتمر البرلمانيين العرب الى زيارته الأخيرة الى طهران منذ أشهر مروراً بزيارته البالغة الأهمية الى بغداد وأخيراً ليس آخراً مشاركته الفعالة في مؤتمر برلمانات العالم المنعقد حالياً في قطر.

يلعب رئيس حركة أمل أربعة أدوار هامة وأساسية على المستويين المحلي والخارجي تُثير الغضب الأميركي وتقِيه في الوقت نفسه أي استهداف مباشر له أو لبيئته الشعبية، فما هي هذه الأدوار وكيف ذلك؟

يؤدي رئيس البرلمان اللبناني دوراً داخلياً متعدد الأوجه والأشكال، ويعود هذا الدور الى عقود خلت، فهو أحد الأركان الأساسيين لضمان الاستقرار الداخلي ويرسم مع رئيس الجمهورية الدبلوماسية الرئاسية الوطنية لمواجهة الأخطار الخارجية المتمثلة بالاعتداء الإسرائيلي على لبنان وسرقة ثروته النفطية في المياه الإقليمية وتحديد إطار المفاوضات مع المسؤولين الأميركيين والأمميين الى جانب استراتيجية الدفاع عن لبنان واستكمال تحرير أراضيه المحتلة فضلاً عن دوره الواضح في محاربة الفساد وعملية النهوض بالدولة التي تتحقق من خلال إلغاء الطائفية السياسية وقانون عادل للانتخابات.

كما يحظى بري باحترام كبير على المستوى العربي، من سورية الى الخليج انطلاقاً من دوره الوطني وتحالفاته مع جميع القوى السياسية دونما استثناء ومع حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية ما يجعله مُمسكاً بعصا اللعبة السياسية الداخلية من وسطها الى جانب استشراسه في الدفاع عن الحقوق العربية وفي طليعتها القضية الفلسطينية.

فما صحة الحديث عن عقوبات أميركية ستطال حركة أمل؟

ومع نفي سفير لبنان في واشنطن هذه المعلومات، أكد بري بحسب ما نقلت عنه مصادره لـ»البناء» أن «هذا مجرد تهويل لا أكثر ولا أقلّ»، مشيراً الى أن «موقفنا واضح من القضايا الداخلية والخارجية وليست بجديدة وقد أبلغناها الى وزير خارجية أميركا خلال زيارته الأخيرة الى لبنان ولغيره من المسؤولين، ولن نساوم على هذه المواقف لا سيما في الحقوق السيادية اللبنانية وفي قضية فلسطين». وأشارت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» الى أن «بعض الجهات تحاول إشاعة مناخات مرتبطة بتوجهات الإدارة الأميركية تجاه لبنان»، ولم تستبعد وقوف اللوبي الصهيوني وراءها. رغم أن المصادر اعتبرت أن لا شيء يمنع هذه الادارة في ظل وجود الرئيس دونالد ترامب من فرض عقوبات ولا شيء يبررها في الوقت عينه». وأشارت مصادر مطلعة على ملف العقوبات الأميركية لـ»البناء» الى أن «لا قرار نهائي بشأن العقوبات على حلفاء حزب الله وتحديداً حركة أمل وما تصريح وزير الخارجية الاميركي إلا مؤشر على أن لا قرار جدي بذلك، علماً ان الكونغرس الاميركي هو من يضع مسودة القرار لأي عقوبات مالية ولا مؤشر على هذا الامر».

إلا أن السؤال الذي يُطرح لماذا تُلوّح الولايات المتحدة الآن بعقوبات على بري إن صحّت الاشاعات، فيما لم يتغير الموقف والدور الذي يؤديه منذ تبؤئه قيادة المقاومة في الثمانينيات؟ فما الذي تغيّر؟

لا يمكن تفسير الحنق الأميركي المستجدّ ومن خلفه الاسرائيلي على «أبو مصطفى» إلا لدوره الدبلوماسي المتميز في المؤتمرات العربية الأخيرة وحركته الإقليمية الحالية المكثفة وطروحاته الفاعلة في القمم، لا سيما على مستوى معارضته الشرسة لصفقة القرن ودوره المحوري في صناعة دبلوماسية المواجهة لهذا المشروع الذي يصفّي القضية الفلسطينية، وبالتالي يُنهي ما تبقى من مقاومة عربية وأمل باستعادة الحقوق المسلوبة. فقد بري استطاع عبر جولاته العربية والاسلامية بحسب المطلعين، اقناع جزء كبير من العرب بأن حزب الله ليس تنظيماً ارهابياً، ومن جهة ثانية دفع بعض الدول العربية لإعادة النظر بالتطبيع مع «إسرائيل»، بل ولم يكتفِ بري بهذه المهمات بل أبدى استعداده للدخول بوساطة بين الخليجيين والجمهورية الإسلامية في إيران ما أدى الى انزعاج أميركي كبير تظهّر بالتلويح بوضع أمل على لائحة الإرهاب لاستهداف الدور الوطني لبري وبالتالي الإقليمي.

وأبرز دليل على محورية الدور العربي لبري هو الاستقبال اللافت الذي حظي به من مختلف القيادات والطوائف والكتل السياسية العراقية ورصيده الكبير لدى المرجعية الدينية في النجف.

وانطلاقاً من علاقته المميزة مع الثنائية السورية العراقية المستجدة والمتجددة، يقوم بري بدور لتعزيز هذه العلاقة بين الدولتين من جهة، وعلى خط العلاقة العراقية السورية اللبنانية من جهة ثانية.

واستناداً الى مروحة الأدوار هذه، يضطلع بري بدور رابع لا يقلّ أهمية عن الأدوار الثلاثة يتمثل بإبداء استعداده أمام الإيرانيين والخليجيين لوساطة بينهما لا سيما وأنه زار إيران منذ حوالي الشهرين، ما يؤكد أن بري واحد من أهم القيادات السياسية في لبنان ودوره يتجاوز الحدود الداخلية، فلذلك تتجه أميركا الى تحجيم هذا الدور ما يساهم برأيها في «فرفطة» الخيوط الذي ينسجها بري في الإقليم.

فهل تنجح واشنطن في ذلك؟

تبدو المهمة الأميركية شبه مستحيلة، إذ لا يمكن حصار بري داخلياً نظراً لدوره الوطني وعلاقاته العميقة مع معظم القوى السياسية من مختلف الاتجاهات ما يجعله حاجة وطنية كبرى لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة السياسية، وبالتالي فرض عقوبات على أمل وبيئتها الشعبية والمالية في لبنان والخارج سيؤدي الى انهيار المعادلة السياسية في لبنان فلا سياسة ولا حكومة بلا بري.

فهل تذهب اميركا الى المسّ بالاستقرار الداخلي في لبنان؟ لقد حاول رئيس الدبلوماسية الأميركية ذلك خلال زيارته الأخيرة الى بيروت لكنه عاد خالي الوفاض مع تأثره الكبير بمواقف وشروح المسؤولين اللبنانيين لجهة حزب الله والاعتداءات الإسرائيلية وملف النفط وأزمة النزوح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى