هل شركة طيران الشرق الأوسط شركة خاصة أم عامة؟
عبد الحميد فاخوري
منذ وقت مضى جرى نقاش بين وزير محاربة الفساد نقولا تويني ورئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط السيد محمد الحوت حول توصيف الشركة، إذ شدّد الوزير على أنها شركة عامة يجب أن تخضع لمراقبة الدولة، بينما رفض السيد الحوت هذه المقولة باعتبار أنها شركة خاصة. انتهى النقاش بخروج الوزير من الحكومة الحالية وبإلغاء وزارة محاربة الفساد دون شرح أسباب هذا الإلغاء.
ومع أنه يبدو أنّ النقاش حول هذا الموضوع قد أُقفل على زغل، أيّ دون التوصل إلى نتيجة، فلقد ارتأيت أن أعيد إحياءه نظراً لأهميته. وأبدي رأيي الخاص بهذا الشأن على شكل أسئلة أوجهها إلى من يعنيهم الأمر، أيّ رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وحاكم مصرف لبنان الذي هو فعلياً يشرف على أعمال الشركة التي يرأسها السيد الحوت وكلاهما لهما في منصبيهما أكثر من عشرن عاماً.
السؤال الأول: إنّ مجالس إدارة طيران الشرق الأوسط كانت تحظى برضا ومشاركة الدولة عندما كانت تملك عبر شركة «أنترا» حوالي 28 من أسهم الشركة، أما بعد شراء مصرف لبنان لحصتَي شركتي «أنترا» و Air France عام 2006، فقد أصبح يملك أكثر من 99 من الأسهم. ولما كان مصرف لبنان جزءاً من الدولة فمن الطبيعي أن تقوم هذه الأخيرة بتعيين مجالس الإدارة منذ ذلك الحين.
السؤال هو هل إنّ شركة الميدل إيست شركة خاصة والدولة تملك عبر مصرف لبنان 99 من أسهمها وتقوم بتعيين المجلس الذي يدير أعمالها؟ وهل هنالك
من شركة خاصة أخرى تعيّن الدولة مجلس إدارتها بالكامل؟
السؤال الثاني: تأكيداً لما سبق ينص قانون الشركات المساهمة على أنه يتوجب على الشركة الخاصة أن تعقد سنوياً اجتماعاً للهيئة العامة للموافقة على الحسابات المالية للشركة ونسبة توزيع الأرباح على المساهمين وأن تنتخب مجلس إدارة جديداً كلّ ثلاث سنوات أو ستبقي الحالي.
في شهر تموز من عام 2017 دُعيَت الهيئة العامة لطيران الشرق الأوسط إلى الانعقاد بعد ست سنوات من التأخير، وعند بدء الاجتماع تخلّف مندوب مصرف لبنان عن الحضور مما أدّى إلى تأجيل الجلسة إلى وقت لاحق لم يحن حينه حتى الآن. ويُقال إنّ سبب التأخير هو خلاف حصل بين أركان الدولة على تشكيل مجلس إدارة جديد أو الإبقاء على المجلس الحالي، وكذلك المطالبة بتعيين مدير عام لطيران الشرق الأوسط من طائفة معينة له صلاحيات تنفيذية محدّدة. بناء على ما تقدّم
هل يمكن اعتبار الشركة شركة خاصة وهي لا تلتزم بقانون الشركات المساهمة بالنسبة لعقد جلسات الهيئة العامة والتي تتأجّل اجتماعاتها لخلافات بين أركان الدولة؟
السؤال الثالث: في عام 1963 كانت شركات الطيران ثلاث: طيران الشرق الأوسط، Air Liban و LIA. كانت نتيجة المنافسة بين الشركتين الأولى والثانية في صالح طيران الشرق الأوسط، ولما كانت شركة Air Liban تملكها شركة Air France فقد تمّ التوافق بين الرئيس ديغول والرئيس فؤاد شهاب على دمج الشركتين على أن تأخذ Air France حوالى ثلث أسهم شركة طيران الشرق الأوسط مقابل أن تمتلك هذه الأخيرة طائرات الكرافيل الفرنسية ويكون لـ Air France عضوان في مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط المكوّن من 12 عضواً. وتمّ التحاق جميع موظفي Air Liban للميدل إيست وأصبح اسم الشركة طيران الشرق الأوسط ــ الخطوط الجوية اللبنانية. أما في العام 1969 فقد شارفت الشركة الثالثة أيّ LIA على الإفلاس ومنعاً من حصول أزمة عمالية طلبت الدولة من طيران الشرق الأوسط أن تستوعب جميع موظفي LIA. مقابل ذلك طلبت شركة طيران الشرق الأوسط من الدولة تعويضاً عن الكلفة العالية التي سوف تتحمّلها، وذلك عبر الامتناع عن الموافقة على أيّ طلب لإنشاء شركة طيران جديدة لمنع تكرار ما حدث مع Air Liban و LIA. وافقت الدولة على طلب شركة طيران الشرق الأوسط لمدة 20 عاماً تنتهي في عام 1989. وفي عام 1992 تقدّم مجلس إدارتنا بطلب تمديد الفترة إلى 20 عاماً أُخر نظراً لأنّ ظروف الحرب الأهلية اللبنانية وما سبقها حالت دون أن تستفيد الشركة من موافقة الدولة الأولى، لأنه كان من الطبيعي خلال تلك الفترة أن لا يتقدّم أيّ مستثمر على إنشاء شركة طيران خاصة، أما بعد انتهاء الحرب فاحتمال كهذا كبير جداً. وافقت الدولة على التمديد حتى سنة 2012، ولا بدّ هنا من ذكر أنّ طيران الشرق الأوسط كانت تُعتبر الشركة الوطنية اللبنانية وعانت ما عانته خلال فترة الحرب من خسائر هائلة، إلا أنها صمدت وبقيت الصلة الوحيدة بين لبنان والعالم الخارجي وتكبّدت نتيجة لذلك خسائر هائلة. انتهت صلاحية التمديد في العام 2012 وكانت الشركة قد غيّرت من فلسفتها وأصبحت شركة تجارية محضة تبتغي كغيرها تحقيق الأرباح فقط، فجرى نقاش مستفيض حول ضرورة تمديد الاحتكار وتمّ التوافق على التمديد لمدة 10 سنوات.
أعتذر عن هذا الإطالة لأطرح السؤال التالي هل يمكن لشركة خاصة، أيّ شركة خاصة، تبتغي الربح فقط أن تُعطى هذا الاحتكار الذي أُعطي سابقاً لشركة وطنية؟
السؤال الرابع: ورد في تقرير مراقبي الحسابات بعنوان «إيضاحات حول البيانات المالية للسنة المنتهية 31/12/2004، تحت البند 21 ما يلي:
«في عام 2001 منح مصرف لبنان مساهم الشركة الرئيس شركة طيران الشرق الأوسط ش.م.ل. إعانة مالية من خلال إعادة شراء بفائدة منخفضة بنسة 1 وبدون حق الرجوع مع سندات خزينة لبنانية تحمل فائدة إسمية بنسبة 14 سنوياً وتستحق نصف سنوية وعلى مدى سنتين. لقد تمّ تمويل السندات هذه في الأصل من قرض تمويلي بقيمة 600 مليار ليرة لبنانية. ولقد تمّ استرداد القرض التمويلي هذا من عائدات الحسم الذي نتج عنها فائض بمبلغ 156 مليار ليرة لبنانية كي يستعمل تمويل كلفة إعادة هيكلية الشركة». وأذكر بالمناسبة إنّ ما سمّي بإعادة هيكلية الشركة هو بالفعل كلفه صرف حوالي 1700 موظف من الشركة باعتبارهم «فائضاً يجب التخلص منه».
بالإضافة إلى كون هذه «الإعانة» هي الهندسة المالية الأولى، على ما أعتقد في تاريخ لبنان، لا بدّ من توجيه السؤال التالي:
هل يمكن لأيّ شركة خاصة أن تستفيد من قرض بهذا الحجم وينتج لها سيولة وقيمة إضافية توازي 100 مليون دولار؟
السؤال الخامس والأخير: عقدت شركة طيران الشرق الأوسط اتفاقاً مع شركة رولز رويس الإنكليزية لشراء محركات منها. عند توقيع العقد ظهر رئيس شركة رولز رويس واقفاً خلف المسؤول الإنكليزي عن توقيع العقد، وظهر الرئيس الحريري واقفاً خلف رئيس شركة طيران الشرق الأوسط المسؤول عن توقيع العقد. السؤال هو:
هل ظهر رئيس مجلس الوزراء اللبناني خلف رئيس أية شركة خاصة وهي توقع عقداً مع شركة أجنبية في بلد أجنبي؟ مما يدل على رعاية الدولة ممثلة بشخص رئيس وزرائها للاتفاق المذكور وللشركة اللبنانية.
كاتب هذا المقال لا يأبه لجميع الشائعات المتكاثرة حول صفقات جرت وتجري و»تكريم» بعض المسؤولين والأصدقاء في رحلات مجانية إلى ما هنالك. المهمّ في الموضوع هو أنّ الإجابة على الأسئلة السابقة، تحدّد ما إذا أصبح من الضروري إجراء مراقبة من الدولة على شؤون وشجون هذه الشركة التي طالما رفعت اسم لبنان عالياً في الماضي، علماً بأنّ الشركة ما تزال اسمياً خاضعة لقانون الشركات المساهمة.
الرئيس الأسبق لطيران الشرق الأوسط