دريد لحام لـ «البناء»: أنا مغروس في سورية كشجر الزيتون… «والأشجار لا تهاجر» سورية أمة تامة وجوهر الانتماء هو في نقاء وصدق العقيدة القومية… وسعاده
حاورته ـ عبير حمدان
يصعب اختصار مسيرة الفنان دريد لحام بسطور قليلة كمقدّمة للقاء خاص معه على إيقاع الموقف والمبدأ والعقيدة، هو الذي يختزن الكثير من حكايا النضال، ومن قال إنّ النضال يرتبط بالبندقية وحسب… الكلمة نضال والفنّ نضال والفكر النهضوي الحرّ نضال.
ولحام الذي يعتبر أنّ سورية هي الأمّ بمجرد أن أبصر نور تاريخها وعبق ياسمينها بعيداً عن رحم أمه يؤكد أنه مغروس في ثراها كشجر الزيتون، جازماً وبشكل قاطع أنها بخير، لأنّ الثقافة المتعمّدة بدماء «النسور» التي روت الأرض المقدسة وأزهرت شقائق نعمان عطّرت فضاء الأجيال بعبق الكرامة، هذه الثقافة هي ضالّته التي جعلته مقتنعاً بشكل حاسم أنّ الحياة وقفة عزّ.
نبدأ من الردّ على إعلان ترامب حول الجولان، ونسأل الفنان لحام عن أهمية هذا الموقف في ظلّ الآراء المتباينة بين محورين، فيقول: «الردّ الذي اعتمدته لن يغيّر شيئاً على الإطلاق، ولكنه تعبير عن موقف، بحيث أقول لهذا الأحمق المقيم في البيت الأبيض إنه لا يحق له أن يهدي ما لا يملكه أصلاً لأناس لا يستحقونه، وكان من الممكن أن أقول هذا الكلام ببساطة ولكني فضلت أن أعبّر عنه على هذا النحو الذي رأيتموه، والناس أحبّت هذا الأسلوب وتمّ تداوله، حتى أنهم أصبحوا يهدون قطع الأرض وفق رؤيتهم، وممكن أن يكون إهدائي القادم هو كشمير إلا أني محتار لمن أهديها ولم أحدّد بعد بين الهند وباكستان ولم أقرّر بعد. مع العلم أنّ إهداء كاليفورنيا فيه شيء من القانون».
ويفسّر قانونية الأمر بالقول: «كاليفورنيا تعود في الأصل إلى المكسيك واشتراها الأميركيون بمئة ألف دولار في حينه، ويمكن للمكسيك الآن أن تعيد لهم مبلغ المئة ألف دولار وتستردّ كاليفورنيا، ولكن «صديقي» ترامب لا يعرف أنّ الجولان سوري، لا بل هو يعرف، ولعلّ أصدق تعبير يصف أميركا قاله الإمام الخميني حين قال عنها «الشيطان الأكبر» وفعلاً هي الشيطان الأكبر وأينما وجدت رائحة بنزين ونفط تكون أميركا موجودة. لذا أصبح من اللازم على الدول التي تملك حدّاً أدنى من الأخلاق، أيّ تلك التي لا تستعمر ولا تتدخل في شؤون الآخرين، أن تعمل على تأسيس رابطة دولية ما، أو رابطة أخلاقية ما، وتقف في وجه هذا الصلف الأميركي، ولا يوجد غير هذا الحلّ».
لكن أين يمكن إيجاد هذه الرابطة في ظلّ الحروب المشتعلة في الميادين كافة والتفكك قائم، يجيب لحام: «للأسف التفكك واقع والمشكلة أنّ هذا العصر هو عصر المادة التي باتت قادرة على تغيير المواقف من اليمين إلى اليسار، وهناك كثيرون يبيعون المبادئ أمام إغراء الدولار، دون أن يفكروا ولو للحظة وكما قلت في «شقائق النعمان» أنّ الأكفان ليس لها جيوب».
أما عن مدى تأثير السياسة على الفن، يقول لحام: «كما قلت لك الاختراق يحصل عبر المادة حتى على الصعيد الفني، وأعطيك مثالاً على بعض الأحزاب حيث يمكن للمال أن يخترق أيّ حزب وقد يختار البعض الانتقال من حزب إلى آخر حسب الثمن المدفوع، باستثناء الحزب السوري القومي الاجتماعي لأنه حزب مبادئ وحزب موقف ووقفة عز ولم أسمع يوماً أنّ أيّ قومي بدّل قناعاته وانتقل إلى ضفة ثانية أو حزب آخر لأنه يعرف منذ لحظة إنتمائه أنه انتمى ليعطي، وهذا العطاء قد يصل إلى الدم، لأنّ الدماء التي تجري في عروقنا وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها، وكلّ من ينتمي بناء على هذه العقلية والقناعة محال أن يتغيّر».
أين يكمن السرّ في جوهر هذا الانتماء، يقول لحام: «السر في نقاء العقيدة والصدق، ونقاء العقيدة هو حين نقول إنّ السوريين أمة تامة وننظر حولنا فنرى فعلاً أنها أمة تامة، وأنطون سعاده هو الذي نبّهنا إلى ذلك، وإلى وحدة عناصرنا كأمة، مع أنّ اللغة ليست المكوّن الوحيد للعناصر التامة إنما هي عنصر واحد، العادات والتقاليد وطبيعة الأكل واللباس كلها تشبه بعضها إذاً هي أمة تامة».
ونسأل لحام عن الشام والنصر، فيقول: «الشام بخير ونحن صامدون وسنبقى، قد يكون من المبكر الحديث عن النصر ولكن الأهمّ كما أقول دائماً أننا أشجار زيتون مزروعة في رحم أمنا سورية لن نتخلى عن جذورنا لأنّ الشجرة التي تتخلى عن جذورها يصيبها اليباس ونحن لن نقبل باليباس».
وفي ما يتصل بالأعمال الدرامية التي تحدثت عن الأزمة وتناولت في جزء منها التسميات الطائفية التي لم تكن يوماً مادة متداولة في سورية، ومدى سلبية الإشارة إلى الانقسام ولو في إطار درامي، يجزم لحام: «ذكر الانقسام في بعض الأعمال الدرامية ليس بالأمر الجيد على الإطلاق، لا أحد أتى إلى هذه الدنيا وقرأ الإنجيل ليصبح مسيحياً أو قرأ القرآن ليصبح مسلماً، جميعنا جئنا من رحم أمهاتنا يحمل طائفته ومذهبه بإرادة إلهية، وأيّ تدخل فيها هو عبارة عن كفر بإرادة الله، لذلك إنّ هؤلاء التكفيريين من داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة يكفرون بإرادة الله حين يذبحون أناس من مذهب آخر، ما يحصل أنّ أميركا وغيرها من دول الاستعمار يخترعون لنا التهم وللأسف جزء كبير يصدقها، فحين يُقال إننا إرهابيون نبدأ تلقائياً بالدفاع والتبرير مع العلم أنّ ردّ التهمة لا يكون على هذا النحو بل الأجدى أن نردّ التهمة لمن يرمينا بها ونقول له أنت الإرهابي، وهذا ما فعلته حين توجهت إلى هذا الإرهابي ترامب بإعلان على غرار إعلانه».
ولكن بماذا وبمن يثق دريد لحام يقول: «أثق بأحلامي، وحلمي الأول والأخير هو سورية أنطون سعادة».
من هنا نسأله إذا كان الحلم سيطأ أرض فلسطين قريباً، ليجيب: «يجوز أن لا يحقق جيلنا هذا الحلم، ولكن حتماً سيأتي جيل ويحقق هذا الحلم، لأنّ منطق التاريخ يقول ذلك، وحين تنظرين إلى ثورة أطفال الحجارة في الثمانينات، هؤلاء الأطفال الذين حملوا الحجر وقاوموا الدبابة «الإسرائيلية» وهم ليسوا من جيل النكبة ولم يحضروا فيها بل هم الجيل الخامس بعد النكبة ولكنهم حملوا حجارتهم، إنها الثقافة في أبهى صورتها، حين تغني فيروز «راجعون» و «الغضب الساطع آت» ويكتب الشعراء عن فلسطين فإنّ هذا كله يصبح خميرة الذاكرة وينبت جيلاً قادراً على تحقيق الحلم بالتحرير والنصر».
لكن من المسؤول عن جيل آخر يحكمه الاستهلاك، يجيب لحام: «سأخبرك أمراً، لا يمكن أن نتصوّر وجود جيل نقي بالكامل ولكن يبقى الأمل بالجزء النقي دون أن نلقي المسؤولية على أحد».
أما ماذا يقول لحام للفنانين الذين تركوا سورية في أزمتها: «ربما الأفضل أنهم تركوها، ومن لم يحمل وطنه في داخله لا يمكنك أن تزرعي فيه هذا الشعور بالانتماء، لعلّ الدولارات أغرتهم، وحين يقرّرون العودة فأهلا بهم».
ويختم لحام: «أعود وأكرّر أنّ سورية بخير والفن فيها بخير، والدليل في ما تشهدونه من إنتاج سينمائي ومن جملته «دمشق حلب» وفي دار الأوبرا في دمشق كلّ يوم يقدّمون حفلة، ورغم انقطاع الكهرباء ورغم أننا نبحث جاهدين على قناني الغاز إلا أننا صامدون، وكما تقول الأدبية السورية غادة السمان لا تحاول أن تأخذ شجرتك معك إلى الغربة لتحظى بظلها لأنّ الأشجار لا تهاجر، ونحن أشجار لا تهاجر».
تصوير: جهاد وهبي