الأسباب الأميركية للحرب على لبنان تزداد؟
د. وفيق إبراهيم
هذا الاحتمال ليس تهويلاً لأنه يستند إلى حاجات أميركية وإسرائيلية طارئة لا يمكن «تدبّرها» الا بالمزيد من التصعيد.
رأسُ هذه الحاجات هو وصول الحصار الأميركي المفروض على إيران الى أوج «مرحلة ما قبل الصدام العسكري» مباشرة، واتجاهه في شهر أيار المقبل لمزيد من التحرّشات العسكرية في مياه الخليج التي لن يُحمد عقباها.
هناك حاجات أخرى شديدة الحساسية منها ما يتعلق برغبة الرئيس الأميركي ترامب التجديد لنفسه لولاية جديدة، وهذا يتطلب منه الانخراط الإضافي في تأييد «إسرائيل» بمنحها مزارع شبعا وكفرشوبا اللبنانية والقسم اللبناني من قرية الغجر، مع تبني محاولاتها للسطو على آبار مشتركة من النفط والغاز عند الحدود والبحرية والبرية المشتركة بين فلسطين المحتلة ولبنان.
ما يثير البيت الأبيض هنا ليست فقط هذا الخلاف على الآبار بل ولادة محاولات لبنانية لتأسيس حلف لموارد الطاقة مع قبرص واليونان بالتعاون مع سورية لتأسيس مواقع إنتاج ومدّ أنابيب لنقل النفط والغاز من لبنان وقبرص وسورية عبر اليونان باتجاهات أوروبية مختلفة، وهذا يزعج الأميركيين والأتراك و»الإسرائيليين».
نعم، يزعجهم لخروجه عن تغطيتهم وبروز دور روسي في الخلفية المباشرة بدليل أنّ شركة روسية نفطية تشارك مع شركتين إيطالية وفرنسية في التنقيب في بعض المواقع البحرية اللبنانية ولأنه يستبعد أيضاً «إسرائيل» من هذه الشراكة المتوسطية بعد رفض لبناني لأيّ عمل إنتاجي مشترك معها مباشرة، أو بالواسطة، كما أعلن الرئيس ميشال عون.
أما تركيا التي تسيطر عسكرياً على ثلث قبرص فتعتبر أنّ حقول النفط فيها هي للقبارصة الأتراك، يتبقى الوضع اللبناني الداخلي، وهو عامل متفجّر بذل وزير الخارجية الأميركي بومبيو في زيارته الأخيرة للبنان، جهوداً كبيرة لبناء حلف من قوى داخلية لبنانية تتولى مجابهة حزب الله بدعم أميركي مفتوح، ففهم الكثيرون هذا التحريض وكأنه دعوة إلى وقف صعود حزب الله في الدولة وذلك عبر تفجير حرب أهلية داخلية ضدّه.
كما حاول بومبيو دفع الدولة اللبنانية إلى عدم التعاون مع حزب الله على أساس أنه حزب إرهابي متجاهلاً أنه جزء من المؤسسات الدستوريّة اللبنانيّة في مجلس النواب والحكومة ويحوز على ثقة غالبية اللبنانيين بناء على دوره التحريري.
إنّ ما أصاب الأميركيّين بقلق هو رفض الدولة المطالب الأميركية بخصوص حزب الله وتلكؤ القوى اللبنانية بالاستجابة للتحريض الأميركي بذريعة العجز وعدم القدرة على مثل هذه الأدوار.
فهل يكتفي الأميركيون بهذا المشهد «النفطي» الخارج عن سيطرتهم والسياسي الذي يبدو حزب الله فريقاً أساسياً فيه؟ فهذا لا يمنح ترامب دور «منقذ إسرائيل» كما يقدّمه لوسائل الإعلام، خصوصاً أنه يقول إنّ نجاح اليمين الإسرائيلي في الانتخابات الأخيرة والعودة المرتقبة لنتنياهو الى رئاسة الحكومة، هما دافعاه إلى اعترافه بإسرائيلية القدس المحتلة والجولان السوري المحتلّ، لذلك من المعتقد أنّ شهر أيار المقبل هو موعد تشكل الظروف المتكاملة لاندلاع حرب على لبنان قد لا تنحصر في إطاره وتمتدّ إلى سورية وإيران.
لماذا؟
لن يتأخّر ترامب في إعلان «إسرائيلية» مزارع شبعا وكفرشوبا والغجر مع تأييده للترسيم الاسرائيلي للحدود مع لبنان في البرّ والبحر، هذا بمواكبة إصدار قرارات أميركية جديدة بمقاطعة المؤسسات السياسية والدستورية والاقتصادية التي يشارك فيها حزب الله في لبنان. فهذا وحده كافٍ لعرقلة علاقة الدولة بالخارج السياسي والاقتصادي بما يؤدّي الى انهيار اقتصادي كامل، وشلل المؤسسات السياسية، واهتزاز التضامن السياسي والاجتماعي الداخليين.
وقد يكون هذا السيناريو مناسباً لهجوم «إسرائيلي» خاطف على حزب الله بمواكبة حرب أميركية على إيران تتبلور ملامحها في الأفق القريب، كما تروّج وسائل الإعلام الخليجية و»الإسرائيلية» ومكاتب دراسات بعض الأميركيين من أصول لبنانية منحازين لـ»إسرائيل» منذ عقود عدة.
إذا كانت هذه العوامل مشجّعة على حرب أميركية «إسرائيلية» على لبنان ترتدي طابعاً سياسياً واقتصادياً قد يغطي حرباً عسكرية مرتقبة، فكيف يعمل الطرف الآخر؟
يجتاز حزب الله أفضل المراحل، ففي سورية نجح في دحر الإرهاب داعماً الدولة السورية مشكلاً من لبنان قوة أساسية لردع أيّ عدوان «إسرائيلي» إلى جانب الجيش اللبناني وهو دور سبق وألحق هزيمتين متتاليتين بـ»إسرائيل».
سياسياً يشكّل حزب الله قوة أساسية في لبنان بدأت تشارك في التفاعلات السياسية الداخلية من باب الالتزام بقضايا الناس وبأساليب شفافة لم يسبقه إليها أحد من القوى الداخلية، بمراقبته للإنفاق وتصدّيه للفساد.
عسكرياً ازداد الحزب قوة على مستويي الخبرة المحترفة في القتال والتجهيز بالتقاطع مع بنية عسكرية تعمل في إطار الجهاد من أجل مشروع وطني. وهذا يعني أنّ لـ «إسرائيل» القدرة على شنّ حرب لكن السؤال هنا يتعلق بمدى قدرتها على كسبها، أو الخروج منها سليمة، هذا مع الإقرار بأنّ «إسرائيل» قوة أساسية في الشرق الأوسط، بينما يتمتع حزب الله بقدرات في «حروب الغوار» تلغي الإمكانات الكلاسيكية للجيوش الكبيرة.
فهل يدفع الأميركيون المنطقة الى حرب؟
مهاجمتهم لإيران في الخليج من شأنها دفع كامل المنطقة الى حروب بالجملة، وليس مستغرباً على رئيس متهوّر مثل ترامب أن يضع إمكانات بلاده الداخلية والخارجية كافة من أجل إقناع اليهود الأميركيين بانتخابه في 2020 ووضع إمكاناتهم الإعلامية والمصرفية في خدمة مشروعه الخاص، وهذا يحتاج الى حرب في «الشرق الأوسط» يغطيها الأميركيون.