العالم اليوم… انتهاك للحقوق وانحدار إلى الهاوية!
محمد ح. الحاج
مع التطور التقني والمعلوماتي المذهل في كلّ بقاع العالم تتجه القوى العظمى للتحلل من كلّ القيود والضوابط الأخلاقية والإنسانية رغم الحفاظ والتغني بشعاراتها ولكن، فارغة من المضمون، فلا حق الشعوب في الحياة وتقرير المصير، ولا حقها في الدواء والغذاء، ولا أيّ من الحقوق الإنسانية تلقى الاحترام والرعاية في معمعة الصراع على النفوذ والثروات، ولهذا يزداد سباق التسلح زخماً على طريق تحقيق المزيد من الوجود والسيطرة، وما عاد الأمر مخجلاً خصوصاً في نظر الإدارة العالمية الماسونية التي تسيطر على القوة الأميركية بشكل كلي وتستحضر الشخصيات والهياكل التي تنفذ مخططاتها الخارجية وقليلاً على الساحة الداخلية ذراً للرماد في العيون وحفاظاً على شكلية ما يسمّونه.. «ديمقراطية».
الانحدار والسقوط من عالم الأخلاق والإنسانية
قبل سبعة من العقود وبعد إشهار الولايات المتحدة الأميركية دعمها للعصابات الصهيونية وتزويدها بما تحتاجه من سلاح وذخائر يسّر لها احتلال الأرض وطرد السكان بعد ارتكاب مجازر مروّعة بحق الفلسطينيين، أعلن المفكر السياسي والفيلسوف مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده أنّ الولايات المتحدة سقطت من عالم الأخلاق والإنسانية، وكانت في أولى خطواتها على طريق دعم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني… ماذا لو كان سعاده حاضراً اليوم وما سيكون توصيفه لهذه القوة التي أمعنت في خرق كلّ المحرمات وارتكبت ما لا يُحصى من المجازر وانتشرت قواها العسكرية على مساحة الكرة الأرضية تقتل وتسرق وتنهب، وتعمل على خلق العملاء والأتباع والأدوات التي تخدم مصالحها وتنفذ مخططاتها كما يحصل في مشرقنا، ووسط مغربنا الأفريقي والكثير من دول العالم في كلّ القارات، خصوصاً من تعتبرها حديقة البيت الخلفية أو الأمامية. هل وصلت إلى القاع أم اقتربت منه؟
لم يعد ممكناً الحديث عن أزمة أو قضية تخصّ شعباً من شعوب الأرض مع استبعاد الأثر والتأثير الأميركي والأصابع المنغمسة بالدماء اللاعبة بصلب القضية وحوافها وهوامشها، والحديث هنا لا يشمل بالضرورة غالبية الشعب الأميركي، بل النظام الماسوني السري الحاكم الذي يعتبر نفسه «الأمين» على إقامة الحكومة العالمية باليد الماسونية، وما عاد هذا الأمر خافياً وقد سقطت السرية ليعلنها غلاة الأعضاء وأكبرهم سناً من آل روكفلر وروتشيلد وأتباعهم من باقي العائلات الكبيرة هناك «المتنوّرين»، والدليل ما أعلنه كيسنجر وهو صوتهم عن أمله في أن يشهد الانتصار ليتحقق حلمه الذي عاش من أجله وعمل له. هو أكد انتصار أميركا والكيان الصهيوني فقط لتقوم الحكومة العالمية وتفرض النظام الماسوني الجديد مع هزيمة روسيا والصين !
بعد أقلّ من خمس سنوات على تأسيس منظمة الأمم المتحدة جرى تجاوز ميثاقها والبدء بتهميشها كمنظمة ترعى السلام والأمن الدوليين حين اتفق الكبار على الاعتراف بقيام دولة على أرض ليست لها وطرد الشعب صاحب الأرض، فأصبح الكيان الصهيوني النموذج الأسوأ واللعنة التي رافقت ولطخت تاريخ هذه المنظمة لتصل في نهاية الأمر إلى مجرد ندوة تتبارى فيها القوى الكبرى مستعرضين عضلاتهم، ومن جهة أخرى يتفقون على اقتسام النفوذ في العالم ونهب ثرواته مع تجاوز لبعض الخطوط الحمر في ما بينهم وهي متفق عليها، ولكن لا خطوط حمر بالنسبة لباقي الشعوب، ليس مهماً حياة الآلاف ولا الملايين من الشعوب مقابل الحفاظ على حياة أفراد من جنود أو عملاء، وتبقى الأفضلية لحياة العنصر الماسوني اليهودي الأحق بالحماية والرعاية. أن تقوم المقاومة باستهداف الصهاينة تقوم القيامة ويشهر العالم أسلحته فتسقط السيوف والرماح، وأن يقوم هذا العدو المدجّج باستهداف أيّ كان بأفتك وأخطر الأسلحة مهما كان بعيداً عن حدوده فهو إنما يدافع عن نفسه والدفاع حق مشروع حسب ادّعاء عالم الاستكبار والاستعمار!
أهداف وغايات العدوان الداخلي والخارجي
لم يتوقف العدوان الصهيوني يوماً واحداً على كيانات الجوار من الدويلات السورية رغم الهدنة والاتفاقات والفصل ووجود المراقبين إلخ… واستمرّ ذلك منذ قيام الكيان طوال الخمسينات، قبل حرب حزيران وبعدها وبعد حرب تشرين 1973، وفي كلّ الاعتداءات على لبنان والقوات السورية، وما كانت إيران ولا غيرها على الأرض السورية، وبعد 2011 تدخلت في الحرب على سورية، وبعد 2015 استمرّت بشنّ عدوانها المباشر بذريعة استهداف القوات الإيرانية غير الموجودة ذريعة كاذبة الذين سقطوا نتيجة كلّ عدوان هم جنود ومدنيون سوريون، وطال الخراب منشآت سورية، وفي كلّ مرة كان الردّ السوري محدوداً ومحكوماً بالظروف التي تفرض نفسها وضمن أولويات القيادة، وبعد أن سجلت الدولة السورية الكثير من خطوات الانتصار على المؤامرة استمرّت الولايات المتحدة الأميركية والكيان التابع لها بدعم العصابات وآخر إنجازاتهم تزويد عصابات إدلب بصواريخ ذات مدى أبعد ليستخدموها ضمن توجيهات مشغليهم، فشلوا، فأصابوا المساكن الآمنة والمشافي، وبما أنّ الهدف لم يتحقق قامت القوات الصهيونية بالعمل أصالة فاستهدفت المدارس العسكرية وسقط عدد من التلاميذ والطلاب جرحى رغم اعتراض صواريخ طائراتهم وإسقاط أغلبها ووصول بعض منها إلى محيط وأجواء المدارس، وهنا لا وجود لأيّ من قوات غريبة لا روسية ولا إيرانية ولا قوى داعمة رديفة من حزب الله أو غيره، ولتسقط الذريعة الصهيونية ويكشف زيفها وحقيقة أنّ الهدف هو سورية ومنشآتها وبنيتها، ولأنّ عواطف المدنيين في محيط الاعتداء من الأهالي تدخل مرحلة الفوران العاطفي ومؤثرات جرح الكرامة.. ترتفع الأصوات مطالبة بردّ مماثل أو أشدّ، ويبقى للقيادة القرار العاقل والحكيم الذي نجهله ويجهله العامة.
لا يمكن لأحد القول إنّ العدو الصهيوني تجرّد من الأخلاق، هو بالأساس لم يقم على الأخلاق ولا الحق ولا الإنسانية، إنه بشكل دائم يستهدف العقول ومراكز البحث والصناعات والتطوير لضمان انفراده بنوعية الأسلحة والقوة غير المتوازنة، ليس هو فقط بل تساعده الدول الأخرى، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا هم أيضاً استهدفوا مراكز البحوث ليس لأنها تنتج أسلحة ممنوعة أو محرمة أو كيميائية بل لأنه قرار ثابت بمنع حصول أيّ تقدّم في دول العالم غير الخاضعة وهذه يحدّدها المحفل الأعظم، وحتى لو استخدمت هذه الدول الأسلحة المحرمة دولياً ومنها المقذوفات والصواريخ ذات التركيب من اليورانيوم المنضّب أو الفوسفور الأبيض فإنه لا يمكننا الردّ ليس بسبب التقيّد بالقوانين الدولية التي داستها دول الاستكبار، بل لأننا لا نملك مثل هذه الأسلحة وأنّ أحداً من الدول المنتجة لن تبيعها لنا، بل هي تبيعنا الأجيال المنسقة من السلاح، تبيعنا من أسلحة الجيل الثالث أو الرابع عندما تضع في الخدمة سلاحها الخاص من الجيلين الخامس والسادس وهكذا… ونعود إلى منطق العقل: من السخرية أن تشنّ الحرب وأنت بحاجة لمن يزوّدك بالذخيرة.. الأرجح أنه سيمتنع لأسبابه عن تقديمها لك في اللحظة الحرجة أو يحدث اعتراضها من قبل العدو، فتكون الهزيمة.
ربما نجح الغرب والكيان الصهيوني في تحقيق نسبة ما من النجاح في عدوانهم، لكن هذا لا بدّ يدفع بنا للبحث عن وسيلة لردع العدوان ومنعه واستمرار العمل في البحث العلمي لاستكمال الوصول إلى غايتنا في تحقيق الاكتفاء الذاتي.
في الختام لا بدّ من التذكير بالقول وقد يكون من المأثور: الويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع.