صفقة القرن متعثرة عند البوابة السورية!
د. وفيق ابراهيم
مشهدان مترابطان يبدوان منفصلين، أحدهما يستعمل إمكاناته العالمية لتمرير صفقة القرن، فيما يجاهد الطرف الثاني السوري لحماية المشرق من بوابة الدفاع عن «قلبه» في الميدان السوري.
للتذكير فقط، فإن عبور صفقة القرن يحتاج إلى تأييد سورية وهذا مسلّمة أدّت الى استهداف أميركي إسرائيلي خليجي تركي إرهابي استعمل كامل إمكاناته لإسقاط دولتها بين 2011 2019 مواصلاً زج معادلات جديدة في حركة الصراع معها. فسورية تتعامل مع فلسطين على أنها جزء حيوي ومركزي من بلاد الشام تلتزم من أجلها بقاعدة الحرب على الكيان الإسرائيلي حتى استعادة كامل الارض السليبة. ألم يرفض السوريون عشرات العروض بإعادة كامل الجولان السوري المحتل بوساطات أميركية وروسية واوروبية وأخرى من صاحب معاهدة كامب دايفيد انور السادات الذي أخرج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي وهذا يعني ان سورية تشعر أن فلسطين جزء منها لا يمكن التنازل عنه حتى ولو كان هناك خلل في موازين القوى مع العدو.
لقد استجلب هذا المنطق إصراراً أميركياً على تطبيق صفقة القرن عبر تفتيت المنطقة، فكان الهجوم الدولي غير المسبوق على سورية، لإعادة تشكيل الشرق العربي على نحو جديد في جغرافيته السياسية على أن ينبثق منه حلف جديد بين كانتونات عربية ضعيفة و»إسرائيل» والخليج برعاية أميركية وبموجب صفقة قرن تنهي القضية الفلسطينية وسورية والعراق.
فبدا أن الأميركيين يترقبون الانهيار السوري لتطبيق صفقة القرن ولما انهزموا في معظم سورية وجدوا أنفسهم مضطرين للكشف عن مشروعهم من خلال حلف أميركي خليجي إسرائيلي مصري والأردن.
هذا الحلف يتجه لاستعمال كامل طاقاته على ثلاثة مستويات: مواصلة الحرب على سورية من خلال دعم هيئة تحرير الشام وتحالفاتها الإرهابيّة من خط إدلب وحتى أرياف حماة وحمص وحلب، بما يؤدي وبشكل غير مباشر إلى إسناد الاحتلال التركي لقسم من شمال سورية وغربها، بالإضافة الى الاحتلال الأميركي لقاعدة التنف ومخيم الركبان في الجنوب الحدودي الى جانب السيطرة الأميركية الأوروبية الكردية الإرهابية على شرق الفرات.
سياسياً يدعم هذا الحلف تأسيس دولة للأكراد في شرق الفرات.
أما الجانب الأخطر فيتعلق بتنظيم أعنف حصار اقتصادي على سورية يشمل منع التصدير إليها عبر قناة السويس والحدود اللبنانية والأردنية والعراقية.
هناك تفلت أردني من هذا الحصار لكن ليس لدى الاردن ما تحتاج اليه سورية. وكذلك فإن حركة نقل البضائع مع لبنان لا تزال ضمن السلع الخفيفة.
هناك اذاً صعوبات اقتصادية جسيمة تمرّ بها المناطق السورية وذلك لتصاعد حالة الحصار المفروضة عليها للأسباب التالية: العقوبات على إيران، ضآلة الموارد في الاردن، التأثير الأميركي السعودي على لبنان، هذا الى جانب الحرب الأميركية المسعورة لإقفال الحدود السورية العراقية ومنع البلدين من مواصلة عملية التنسيق الاستراتيجي بينهما.
فتبدو هذه الأساليب بديلاً من هزيمة المشروع الأميركي في سورية على المستوى العسكري.
بالتوازي يكشفُ الأميركيون تباعاً عن صفقة القرن التي تُلغي نهائياً القضية الفلسطينية عبر استتباع الضفة الغربية أمنياً لـ»إسرائيل» وضم المستوطنات اليهودية فيها الى الكيان الغاصب وتوطين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وقسم من سيناء مقابل دعم مالي يدفعه الخليجيون عبر الأميركيين الى الاردن والفلسطينيين ولبنان ومصر.
لذلك يجب الربط المباشر بين الاستهداف الدائم لسورية عسكرياً واقتصادياً وفي علاقاتها التنسيقية مع العراق بالمحاولات الأميركية لتمرير صفقة القرن. فهذه تفتح الطريق لهم للحلف الكبير بين الخليج و»إسرائيل» ومصر والأردن للامساك بكامل المنطقة العربية ومنع تفلت العالم الإسلامي في لعبة المنافسات مع روسيا والصين.
لكن ما ينقُص هذه الخطة الأميركية إنجاز أمرين هامين: إسقاط سورية والعثور على طرف فلسطيني متواطئ من بين القوى الاساسية ويقبل بصفقة العصر.
سورية تتجه دولتها الى مزيد من الانتصارات العسكرية في مختلف الميادين. يكفي أنها تقاتل قوى دولية واقليمية وارهاباً مسعوراً وتمكنت من تحجيمه الى أضيق مدى.
وصمدت اقتصادياً في أسوأ ضغط خارجي وداخلي وهي بصدد إعادة تأهيل آبار نفط وغاز في مناطق البادية ودير الزور بما ينهي المعاناة في مصادر الطاقة.
كما أنها تتوغل عميقاً في مسألة التنسيق مع العراق عبر فتح الحدود بين البلدين والتنسيق على مستويات ثلاثة: أمني واقتصادي وسياسي، فتنشأ معادلة جديدة تمارس تأثيراً إقليمياً كبيراً.
ألا يكشف هذا الصمود السوري عبثية المحاولات الأميركية لتمرير صفقة القرن من خلال تفجير سورية؟
فهل تجدُ واشنطن إذاً حاجتها عند الفلسطينيين؟
كل الاطراف الفلسطينية الأساسية في الضفة الغربية وغزة وبلدان اللجوء ترفض صفقة القرن الأميركية بشكل كامل، ولا تقبل حتى مناقشة تفاصيلها حتى ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المعروف بعلاقاته الأميركية الخليجية رفض الصفقة، على الرغم من عدم توجهه نحو وحدة فعلية بين الفلسطينيين ترفع من مستويات رفض الصفقة؟
فمن أي باب تريد واشنطن تمرير صفقة القرن في ضوء الانسداد السوري الفلسطيني الذي يمنع أي طرف عربي من القبول بها علناً؟
تريد واشنطن تطبيقها بالقوة الإسرائيلية، لكن هذه الطريقة لا تكفي لأن «إسرائيل» تحتل كامل فلسطين منذ 1948 ولا تزال المقاومة الفلسطينية تقاتل من أجل تحريرها، وتواصل سورية الدفاع عن المشرق بما فيه فلسطين بمجابهتها البطولية للحرب الكونية المندلعة على أراضيها.