إقرار خطة الكهرباء نيابياً… يفتح باب بند الرواتب والتعويضات في الموازنة الحريري «لعم»… وباسيل «لا إله»… وخليل «ليس مشروعنا»… والشارع جاهز
كتب المحرّر السياسي
تناغم الموقف بين وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي تحدث عن سورية من موسكو ووزير خارجية إيران الذي تحدث عن سورية من أنقرة، عشية اللقاء الثلاثي الروسي الإيراني التركي ضمن مسار أستانة، لجهة سقوط مهل الانتظار لحسم الوضع العسكري مع جبهة النصرة في إدلب، وربط السير باللجنة الدستورية بها، وكذلك لجهة اعتبار الحل الأمثل لمتطلبات الأمن التي تثيرها تركيا عبر الحدود، بنشر الجيش السوري بتوافق رعاة أستانة حتى الحدود التركية، ووضع الجماعات الكردية المسلحة، ومن ورائها واشنطن، امام خيار التصادم مع الجيش السوري أو الدخول في تفاوض الجماعات الكردية مع دمشق على قبول الانخراط في الحل السياسي وضمان انتشار بالتراضي لوحدات الجيش السوري.
لبنانياً تصدرت السياسات المالية وكيفية مواجهة مخاطر تفاقم العجز في موازنة الدولة الاهتمام، حيث شكل إقرار متطلبات السير بخطة الكهرباء قانونياً، في مجلس النواب، الخطوة الأولى نحو وضع الخطة قيد التنفيذ، وبدا من مقترحات القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، بربط السير بالخطة بتشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، والتي سقطت لدى التصويت عليها، أن المواجهة لم تنته، وان الخلفية السياسية لا تزال تتحكم بالمواقف، وأن تسجيل النقاط السياسية لا يزال يتقدم على البحث الجدي بالحلول المالية.
جبهة موازية للدفاع عن المصارف والشركات الكبرى، توزع فيها طرفا المعارضة لخطة الكهرباء، حيث تقف القوات في خندق المصارف ويقف الاشتراكي في الضفة المقابلة، ليحل تيار المستقبل محله في تشكيل درع الحماية للمصارف مع القوات، بينما تختار القوات ضفة شعبوية في مقاربة ملف تعويضات القطاع العام الذي فتح على مصراعية مع الكلام الذي قيل بالأمس من رئيس الحكومة سعد الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل، ووزير المالية علي حسن خليل، حيث تبدو القوات أقرب للاشتراكي مجدداً، ويبدو التيار الوطني الحر أقرب للمستقبل عملياً، رغم ما قرأته مصادر سياسية من تراجع خطوة إلى الوراء في كلام رئيس الحكومة، وخطوتين إلى الوراء في كلام باسيل، وقد كان لكل منهما كلام وإيحاءات وتسريبات عنوانها، على الموظفين تقبل مبضع الجراحة يعبث في مداخيلهم مهما كانت ضئيلة، لأن البديل هو انهيار سعر الصرف، وخسارة كل شيء.
مصادر سياسية متابعة حذرت من كثرة الحديث عن التلويح بسعر الصرف، لأن سقوط هذا السقف سيعني سقوط النظام بكل مؤسساته التي لم تقدم لقاء أخذها للبلد نحو حافة الهاوية إلا حماية سعر الصرف، الذي باسمه تم تكبير الدين ورفع الفوائد وزيادة العجز، وعلى خلفيته تمت المحاصصات، وبسقوطه سيخسر الناس مؤقتاً ريثما يعيدون بناء هياكل الدولة، لكن كل السياسيين والحكام، سيسقطون، ولن ينجو من بينهم أي حاكم سياسي أو اقتصادي أو مالي، بل سيحاكمون بتهمة ما جنت أيديهم على البلاد والعباد.
المصادر نصحت المسؤولين في الدولة بسحب سعر الصرف من التداول، والتحدث بلغة تتحدث عن كيفية معالجة نتائج سياسة تذرعت بحماية سعر الصرف، سيعني ثبوت فشلها، عندما يقال أن سعر الصرف سينهار، أن النظام السياسي الذي أدعى أنها وصفة لا تسقط، هو من يجب أن يسقط وينهار.
في مقاربة ملف الرواتب والتعويضات، بعدما أطلق الشارع رسائله التحذيرية، وصفت المصادر كلام الرئيس الحريري بالـ «لعم»، حيث كان واضحاً انه يتفادى تقديم تعهد واضح بعدم المساس برواتب محدودي الدخل، رغم تبدل اللهجة إلى المزيد من تفهم خطورة الاقتراب، وصفت المصادر كلام الوزير باسيل، عن رفض الاجتزاء وتوصيفه للتعامل مع كلامه عن المساس بالرواتب أنه مثل أخذ «لا إله « من جملة «لا إله إلا الله» أي نصف الكلام ليعطي عكس المعنى، تبريراً لتريث يحتاجه باسيل بعد وضوح خطورة الكلام، بينما اكتفى وزير المال بالقول، رغم نسبة البعض للمقترح الخاص بتخفيض الرواتب لمشروع الموازنة المقدمة من وزارة المال، أن الكلام المتداول لا صلة له بمشروعه للموازنة.
الحريري: تخفيض الرواتب وإما الكارثة!
إذا كانت خطة الكهرباء «نجم» ساحة النجمة في الجلسة التشريعية التي عقدها المجلس النيابي أمس، فإن مشروع الموازنة خطف الأضواء داخل قاعة البرلمان وخارجها بالتزامن مع حراك شعبي في الشارع مرشح لأن يكبر ويمتد في الأيام المقبلة ككرة الثلج وسط المعلومات المتداولة عن تخفيضات ستطال رواتب ومعاشات تقاعد الموظفين مدنيين وعسكريين في مشروع الموازنة.
ضغط الشارع، دفع المعنيين لإطلاق تصريحات من مجلس النواب لطمأنة الموظفين وامتصاص الغضب الشعبي، فقد أكد وزير المال علي حسن خليل أن «مشروع الموازنة لا يتضمن ما يحكى عن تخفيضات على الرواتب»، متمنياً على المواطنين ان «يحكموا على هذا الامر عند اصدار الموازنة». ولفت الى أن «موضوع الموازنة يُناقش بشكل كامل ولم يتم اقراره او التوافق على أي أمر بعد»، معلنا أنه «ليس صحيحاً انني وافقت على تخفيض الرواتب 15 في المئة». وشدد على أن «تخفيض الرواتب ليس جزءاً من مشروع الموازنة المقدم من قبلي»، جازماً أن «مشروع الموازنة لم يبتّ اي امر على الاطلاق في ما خص تخفيض المعاشات، والمحضر المسرّب عن اللقاء عند رئيس الحكومة ليس جزءاً من مشروع الموازنة».
أما رئيس الحكومة سعد الحريري فلفت الى أن «الذين توجهوا الى الشارع فذلك نتيجة الشائعات»، لافتاً الى أن لا أحد يملك جواباً حول ماهية هذه القرارات ولن تصيب الفقراء». لكن الحريري وضع الموظفين والمواطنين والبلد أمام خيارين أحلاهما مرُ، إما أن يدفع الموظفون التضحيات من جيوبهم ولقمة عيشهم وإما الذهاب الى كارثة، ما وضعته مصادر نيابية في إطار الضغط والتهديد لتمرير التخفيضات التي يسوق لها فريق الحريري. وأشار الحريري الى أن «في حال لم نتخذ قرارات تقشفية حقيقية فقد نصل إلى كارثة حقيقية خلال سنة. وقال: «من واجبي كرئيس حكومة ان أكون صادقاً مع الناس وان أشرح لهم الوضع الحقيقي الذي نحن فيه، فإذا لم نتخذ إجراءات تقشفية حقيقية ونقوم بخطوات أساسية سنصل الى مكان لا تحمد عقباه». وقال إن « المصارف عليها مسؤولية ومستعدة أن تتحمل وتساهم بكل هذه الخطة، ولكن يجب أن نرى إصلاحاً حقيقياً». وأوضح أن «الخطة التي نتبعها متوازية مع مشروع الموازنة ونحتاج لأكبر توافق ونحتاج الى حوار حقيقي مع كل اللبنانيين». وكانت لافتة مخاطبة الحريري العسكريين بالقول: «العسكري مستعد للتضحية بدمه من اجل بلده واذا كان انقاذ البلد يحتاج الى تضحية فلن يقصّر»، ما اعتبر تلميحاً غير مباشر بأن الاجراءات التقشفية ستطال العسكريين!
بدوره أكد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على ما قاله في صيدا، لكنه اعتبر أن «بعض الاعلام والسياسيين اجتزأ ما قلته في موضوع رواتب القطاع العام وهو يشمل خمسة امور: حجم الدولة الذي يشكل جزءاً يسيراً من الموضوع وخدمة الدين والتهرب الضريبي والجمركي والكهرباء والضرائب التي يمكن ان تستوفي من اصحاب الجيوب الكبيرة».
ووفق مصادر وزارة المال فإن «الاتجاه الى تعزيز ايرادات الدولة بالتوازي مع تخفيض النفقات للوصول الى التخفيض المطلوب للعجز في الموازنة، وتكشف المصادر عن فرض ضرائب ورسوم جديدة على قطاعات للمرة الاولى، كالأملاك المبنية والبحرية والكسارات والمرامل، فهناك 300 مرملة وكسارة معفاة من كل أنواع الضرائب، أما شركتا الاتصالات ألفا وأم تي سي تحققان مئة مليون دولار أرباح سنوية مع رواتب مرتفعة لموظفيها وتوظيف عشوائي. وتشير المصادر الى خلل في الميزان التجاري 17 ملياراً، حيث وصل حجم الاستيراد الى 19 مليار دولار مقابل مليارين صادرات، الأمر الذي انعكس خللاً في ميزان المدفوعات».
وتلفت المصادر لـ»البناء» الى أن «لبنان يدفع اليوم ثمن السياسات النقدية على مر العقود الماضية، فمصرف لبنان يعمل اقتصادا ونقدا ومالا، أما النتيجة فهي الغرق في حلقة من الديون تحت عنوان الحفاظ على النقد وما يتطلبه من هندسات مالية استفاد منها قطاع المصارف مقابل سحب السيولة من السوق وبالتالي تجميد النشاط الاقتصادي وتراجع النمو، فباتت الدولة تخدم الحفاظ على احتياط الدولار».
كما تشير الى أن «العجز بالموازنة وصل الى 11 الف مليار ليرة، بإنفاق 27 الف مليار وايرادات 16 الف مليار». وتوضح أن «تغطية عجز الكهرباء قيمته 2764 مليار سيجري تخفيضه الى 2500 مليار العام الحالي بموجب خطة الكهرباء الجديدة عبر تخفيض الهدر التقني والفني وتعزيز الجباية»، وتكشف المصادر أن «الموازنة الحالية ستكون شفافة وعادلة وواضحة ولن تطال الرواتب المنخفضة وستصيب الضرائب قطاعات جديدة وبالتالي لا مبرر للقلق»، وتتحدّث عن «أن جميع الموازنات السابقة مجزأة ومضخمة ولا تعكس حقيقة الوضع، فهناك الكثير من الحسابات المالية من قروض وموازنات كمجلس الانماء والاعمار والصندوق البلدي المستقل لم تُدرج فيها». كما تؤكد أن «الاجراءات الجديدة في الموازنة ستواكَب بحملة واسعة لمكافحة الفساد والتهرب الضريبي».
وفي سياق ذلك، ادعى وزير المالية لدى النيابة العامة التمييزية على كل من تثبت مشاركته بمخالفة القانون والمسلكية الوظيفة من موظفين وأفراد في جمارك مرفأ بيروت، للتحقيق واتخاذ كافة التدابير اللازمة وفق ما نص القانون، ويأتي هذا الكتاب بعدما كان خليل كلف ادارة الجمارك اعداد تقرير سريع بشأن ما ورد في احدى الحلقات التلفزيونية بتاريخ 15/4/2019.
الاعتراض على بنود الموازنة لم ينحصر بالموظفين فحسب بل يطال قطاع المصارف والشركات أيضاً، ما ينذر بتجدد النزاع بين وزارة المال وقطاع المصارف الذي يرفض تحميله مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية وتدفيعه أعباء ضرائبية اضافية، وتشير مصادر نيابية ومصرفية من أكثر من كتلة نيابية لـ»البناء» الى أن «قطاع المصارف هو أبرز القطاعات المحركة للاقتصاد، فهو يدين الدولة والمصرف المركزي ويموّل مشاريع القطاع الخاص»، مستغربة «الحملة على الحاكم المركزي وعلى المصارف»، وشددت على اعادة النظر بالسياسات الاقتصادية والمالية وضرورة وضع خطط مستدامة لاعادة تصحيح الوضع الاقتصادي»، ورفضت «تغيير السياسة النقدية قبل اصلاح الوضع الاقتصادي والمالي منعاً لاي انهيار للعملة الوطنية في ظل الظروف الحالية».
المجلس أقرّ خطة الكهرباء
وكما كان متفقاً بين القوى السياسية فإن الجلسة العامة اقتصرت على اقرار خطة الكهرباء. وهذا ما حصل رغم محاولة حزب القوات اللبنانية إدخال بعض التعديلات على الخطة لجهة تعيين الهيئة الناظمة لمدة لا تتعدى ستة أشهر، غير أن الاقتراح القواتي سقط، فأقرت الخطة كما هي من دون اي تعديل، ليرفقها الرئيس بري بتوصية سيبعث بها الى الحكومة لضرورة أن تلتزم تعيين الهيئة الناظمة من الآن حتى ستة أشهر كحد أقصى وليس ثلاث سنوات كما ورد في الخطة.
وجرى الاتفاق بطريقة غير مباشرة، بحسب ما علمت «البناء» على إسقاط صفة العجلة على المشاريع والاقتراحات الأخرى وإحالتها على اللجان النيابية بما فيها قانون سرية المصارف والنفايات وتخفيض غرامات التحقق والغرامات المتوجبة على متأخرات رسوم البلدية، في حين سحب الرئيس الحريري الاقتراحين المتعلقين بالمنطقتين الاقتصاديتين بالبترون وصور، لدرسهما في مجلس الوزراء.
وقالت وزيرة الطَّاقة والمياه ندى البستاني: «بات لدينا اليوم قانونٌ يمكِّننا من تَنْفيذ خطَّة الكهرباء ، وهذا القانون تمَّت الموافقة عليه من لجنة الأَشغال والطَّاقة». وشكَرت لكلِّ السِّياسيِّين الإيجابيَّة الَّتي أَبْدوها في هذا الإِطار، وكشفت في تصريح بعد الجلسة، أَنَّ التَّوْصيات المَطْلوبة من قبَلِنا قد أُخِذ بها، ما يمكِّننا من البدء في التَّنفيذ».
وردًا على سؤال عن معايير الشَّفافيَّة، قالت: «إِنَّ التَّوْصية الَّتي طالبْنا بها هي الَّتي أُقرَّت، وقد طالبنا بتعديل القانون 462، ومن ثمَّ تعيين هيئةٍ ناظمةٍ، واليوم أُدرِجَ ما طالبنا به في التَّوصية وهذا إِنجازٌ كبيرٌ. وهذا ما باتَ في مجلس الوزراء ، كما وفي مجلس النوَّاب. وأَمامنا ثلاثة أَشْهر لدرسِ هذه التَّعْديلات».
إضراب عام
وعلى مقربة من ساحة النجمة، كانت ساحة رياض الصلح تشهد اعتصاماً بدعوة من هيئة التنسيق النقابية، ورابطة الأساتذة المتفرغين والمتعاقدين في الجامعة اللبنانية، رفضاً للمساس برواتب الموظفين والمعلمين والمتقاعدين وإعطاء أساتذة الجامعة اللبنانية ثلاث درجات استثنائية، شارك فيه الناجحون في مجلس الخدمة المدنية، وعضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم وعضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» بلال عبد الله ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.
ورفع المعتصمون لافتات عن رفض اقتطاع او اجتزاء الرواتب او منح التعليم والتعويضات وسائر الحقوق المكتسبة. ودعوا الى استعادة أموال الضرائب من جباية أموال التهرب الضريبي والمصارف والشركات الكبرى والأملاك البحرية والنهرية. وتوازياً، عمّت الإضرابات مختلف المناطق اللبنانية، وشملت الادارات الرسمية والثانويات والمدارس وغيرها من المرافق العامة التي أقفلت أبوابها احتجاجاً على ما يصدر من تصريحات وتلميحات حول المساس برواتب الموظفين وحقوقهم التقاعدية وتأميناتهم الاجتماعية. كما طال الإضراب كلاً من الوكالة الوطنية للإعلام والإذاعة اللبنانية.