الرئيس يعرف ما يريد ونجح ببناء شبكة أمان

البروفسور فريد البستاني

عندما قال رئيس الجمهورية بعد تشكيل حكومة ما بعد انتخابه إنّ حكومته وحكومة العهد الأولى ستكون بعد الانتخابات النيابية، تساءل كثيرون عن الفارق بين الحكومة التي تشكلت حينها والتي ستتشكل بعد الانتخابات النيابية، وعندما انتهت الانتخابات النيابية وبدأت مشاورات تشكيل الحكومة وصولاً لتشكيل الحكومة والسؤال قائم، لكن وقبل نهاية المئة يوم الأولى من عمر الحكومة الجديدة بدا أنّ ثمة خارطة طريق واضحة لدى رئيس الجمهورية تشقّ طريقها بسلاسة، رغم التجاذبات والتشنّجات التي لا تغادر حياتنا السياسية.

خلال سنتين من عمر العهد، لم يهدر رئيس الجمهورية وقته فصنع عبر الحركة الدولية والإقليمية التي قادها بنفسه وشاركه فيها وزير الخارجية جبران باسيل، معادلات حماية لخارطة الطريق الداخلية التي رسمها بعناية، ووفر لها شبكات الأمان الداخلي، بحيث نستطيع اليوم أن نتحدث رغم كلّ الغبار المنتشر في المنطقة والتساؤلات المرافقة حول السلم والحرب، أنّ لبنان يحظى بقدر عالٍ من الحماية لاستقراره نقلتها لنا مؤشرات مؤتمر سيدر وإصرار المانحين على السير بمقرّراته، والوفاء بالتزاماته، وهي بما فيها التزامات لبنان علامة على وجود شبكة حماية خارجية كافية لمنع السقوط والانهيار وزعزعة الاستقرار.

العالم ملتزم معنا بلا شروط نخشاها وكنا نخاف أن تحضر في طلبات الدول الغربية، خصوصاً في مناخ تصعيد العقوبات والحصار على حزب الله، وهذا الالتزام مشروط فقط بإيفائنا بتعهّدات أخذناها على أنفسنا لإصلاح ماليتنا العامة ووقف الهدر والفوضى فيها. وتأتي زيارات الوفود اللبنانية إلى واشنطن ومثلها زيارات الوفود الأميركية إلى لبنان تأكيداً على أن لا جديد مقلقاً في سياسة العقوبات، وعلى أن لا شروط تمسّ بالسيادة اللبنانية في ملفات الحدود أو ملفات الديون أو ملفات العقوبات.

شبكة الحماية الخارجية تظهّرت بوضوح أكبر في التبدلات النوعية في مواقف القوى الكبرى والأمم المتحدة في ملف النازحين وشروط العودة التي رسم رئيس الجمهورية استراتيجيته لتحريرها من كلّ شروط تهدف لتوطينهم أو للمساس بالسيادة اللبنانية، وخلافاً لكلّ التوقعات نجح رئيس الجمهورية ووزير الخارجية بتغيير الموقف الدولي، وبدأنا نلحظ مواقف تحرّر العودة من شرط الحلّ السياسي، وبدأت تتبلور ملامح خطة تفضل مستقبل النازحين في لبنان عن مستقبل النازحين بشكل عام وعن الحلّ السياسي الناجز في سورية الذي كان شرطاً مسبقاً ولم يعد.

في الداخل تبدو السنتان وما رافقهما من فوز بالحرب على الإرهاب، وإنجاز لقانون الانتخاب، فالانتخابات فتشكيل الحكومة، ونشاط مكثف دولياً وإقليمياً، ممرات إجبارية لتهيئة الوضع السياسي الداخلي لمعادلة العهد القائمة على مدّ اليد للتوافق لكن من موقع جعل التوافق حاجة متبادلة للجميع، فلا أحد يستطيع الاستغناء عن التوافق، ولا بدائل لأحد عن هذا التوافق، ومصير الجميع بات مرتبطاً بالجميع، فتقدّمت ثلاثية الأولويات، خطة الكهرباء، موازنة إصلاحية، خطة عودة النازحين.

ببساطة نسأل، أليس لافتاً كيف أقرّت خطة الكهرباء، وكيف تسير الخطى حثيثة نحو موازنة إصلاحية، وكيف تتقدّم خطة عودة النازحين؟

نجاح العهد خلال عمر هذه الحكومة بقيادة رئيس الجمهورية في تحقيق هذه الثلاثية، إصلاح مالي وحلّ المعضلة المزمنة للكهرباء وتأمين عودة النازحين، يكفي لتكون للعهد إنجازات تاريخية، ظهرت خلال سنوات ماضية كمعجزات يستحيل تحقيقها وتبدو الآن ممكنة التحقق، لنشهد أنّ الرئيس كان يعرف ما يريد ويملك خارطة طريق وشبكة أمان لبلوغ أهدافه.

نائب الشوف في مجلس النواب اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى