سلّة إجراءات المصارف والبنك المركزي والاتصالات مقابل السلّة العسكرية عون وبري وحزب الله وجنبلاط متفقون… والحريري وسلامة والقوات يدرسون

كتب المحرّر السياسيّ

بدأت التداعيات المتوقعة على القرار الأميركي المزدوج، بإلغاء الاستثناءات من العقوبات على شراء النفط والغاز من إيران من جهة، وتكليف السعودية ودولة الإمارات بمهمة توريد النقص الناجم عن العقوبات إلى السوق العالمية من جهة مقابلة، فأعلنت إيران على لسان وزارة الدفاع وقادة الحرس الثوري والبحرية الإيرانية عزمها على استخدام مقدراتها في إغلاق مضيق هرمز في المواجهة الدائرة مع واشنطن، خصوصاً بعدما دخلت السعودية والإمارات كشريكين مباشرين في الحصار النفطي على إيران، ما وصفته مصادر إيرانية اقتصادية بالسبب الكافي لفرض عقوبات على شحن النفط السعودي والإماراتي عبر الخليج والمرور من مضيق هرمز، باعتبار قرارات منع بيع النفط الإيراني قرارات حرب، والشراكة فيها شراكة في عمل عدواني بينما توقعت مصادر متابعة في الخليج أن تقدم إيران في مرحلة أولى على حصر المنع بالشحنات الإضافية للحصص المقررة في أوبك لكل من السعودية والإمارات، باعتبار الإضافة هي العمل العدواني، خصوصاً إذا وجدت إيران أن نسبة التجاوب مع القرارات الأميركية محدودة، كما ظهر من مواقف روسيا والصين وتركيا وباكستان والعراق.

التصعيد في منطقة الخليج يبدو متوقعاً، كما تقول مصادر متابعة، فطهران حتى لو لم تنجح واشنطن بفرض الحصار عليها، معنية بتظهير قدراتها والردّ على الإجراءات الأميركية الجديدة لدفع المتردّدين في الساحة الدولية إلى القيام بحسابات دقيقة قبل بلورة مواقفهم النهائية كحال الدول الأوروبية، التي تعتقد المصادر المتابعة أنها في حال ترقب، وستسارع لطمأنة إيران إلى عدم تأثر مبيعاتها النفطية عندما تجد أن سوق الطاقة في العالم مهدّدة بالانفجار، من بوابة إغلاق جزئي أو كلي لمضيق هرمز، في ظل محدودية القدرة الأميركية على الدخول في تصعيد ميداني سيتكفل بخلق حرب أسعار تحقق لإيران ما تريده من إغلاق هرمز، وهو القول إن منعها من بيع نفطها سيشعل أزمة عالمية اقتصادية. لبنانياً، مع التأجيل الواضح في إدراج الموازنة على جدول أعمال مجلس الوزراء، يتبلور الانقسام السياسي حول الأرقام ومصادر الأموال التي سيتم حشدها لتحقيق تخفيض معقول في العجز، يلبي المطلوب داخلياً وخارجياً، فيبدو من جهة أن رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير المال علي حسن خليل من ورائه في ضفة الدعوة لشمول كل مكامن التضخم في الإنفاق أو الشح في الواردات بالإجراءات، وفي مجال الإنفاق ترد الكثير من إجراءات وقف الفوضى والعبث والتسيّب المالي، لكن يبدو ضرورياً وفقاً لما تقوله مصادر مطلعة على موقف الرئيس بري والوزير خليل، الدخول على موازنات الوزارات المعنية بالملف الأمني وخصوصاً وزارتي الدفاع والداخلية لترشيق الإنفاق وإلغاء بعض الفوائض التي يمكن الاستغناء عنها سواء في التعويضات أو في النفقات، وفي مجال الواردات يبدو ضرورياً بالمقابل الدخول على ملفات أرباح مصرف لبنان ومالية أوجيرو ومشاركات المصارف وكبريات الشركات في سلة ضريبية منصفة للمشاركة في توفير حاجات الدولة، وفيما يقف رئيس الحكومة سعد الحريري إلى جانب مطالبة بري وخليل بالدخول إلى ملف المؤسسات الأمنية والعسكرية، يرفض الحريري تحميل مصرف لبنان والمصارف المطالبات التي يحملها بري وخليل ويدعو إلى خفضها ويسانده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأركان القطاع المصرفي والقوات اللبنانية، وفيما يقف حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي في موقف قريب من موقف بري، يقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الدفاع الياس بوصعب وقائد الجيش العماد جوزف عون، في ضفة ربط أي إجراءات تتصل بإنفاق وتعويضات المؤسسات الأمنية وخصوصاً الجيش اللبناني، بالسير أولاً بالإجراءات التي تطال المصارف ومصرف لبنان والشركات الكبرى وعدداً من مؤسسات الدولة كحال شركات الخلوي ومؤسسة أوجيرو وشركة طيران الشرق الأوسط، والحصيلة هي أن تقابل السلتين يصبح ممراً إجبارياً للسير بالموازنة وتحقيق أهدافها، وهو ما يدرسه الحريري وفريقه خلال المهلة التي تتخذ عنوان التأجيل.

يعقد مجلس الوزراء جلسة غداً الخميس في بعبدا بجدول أعمال عادي حتى الآن، على جدول أعماله 38 بنداً، إضافة إلى بنود طارئة لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها وقد تضاف إليه الموازنة في ملحق.

وعشية جلسة مجلس الوزراء العادية، برز أمس، رفع وزير المال علي حسن خليل الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، الصيغة الجديدة المعدّلة لمشروع الموازنة مع الإجراءات التخفيضية والتقرير التفصيلي لأهداف المشروع وفرضياته، بالتوازي مع إلغاء رئيس الحكومة سعد الحريري الاجتماع المالي الذي كان من المقرر أن يرأسه مساء امس في بيت الوسط، مع ممثلي المكونات السياسية الوزارية الاساسية، لمناقشة الموازنة وإجراءاتها التقشفية.

والمفارقة فإن الحكومة التي تواصل ليل نهار الحديث عن ضرورة إجراء سياسات تقشفية وضبط الهدر لتخفيض العجز، فإنها تتجه يوم الخميس إلى درس مشروع مرسوم يرمي إلى رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور في مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك وإعطاء زيادة غلاء معيشة بصفته بنداً وضع على طاولة مجلس الوزراء تحت الرقم البند 23 فضلاً عن البند 24 الذي يحمل عنوان مشروع يرمي إلى تعديل برتبة وراتب وظيفة معلومات في ملاك إدارة الإحصاء المركزي، والبند 34 المتعلق بتعيين أستاذ مساعد في ملاك الجامعة اللبنانية. والبند 38 المتصل بطلبات المشاركة في اجتماعات ومؤتمرات خارج لبنان.

وفي هذا السياق، استغربت مصادر مطلعة عبر لـ«البناء» كيف يمكن لمن يريد وقف التوظيف أن يضع بنداً يتصل بتعيين أستاذ مساعد على جدول الأعمال؟ وكيف بحكومة أعلن رئيسها مراراً أن مخصصات سفر الوزراء والرؤساء سوف تخفض، ليضع مشروعاً يتصل بالسفر على جدول الأعمال؟ لافتة في السياق إلى علامات استفهام كثيرة تطرح حول النفقات والمبالغ الضخمة التي تصرف على رحلات تضم الوزراء والنواب.

وليس بعيداً، توقفت المصادر عند مشروع رفع الحد الأدنى للأجور في مصلحة سكة الحديد، وشددت المصادر على أن الأمور تدعو للسخرية، قائلة كيف يمكن لحكومة تتجه لتخفيض معاشات التقاعد والأجور، أن تضع مشروعاً كهذا على جدول الأعمال في حين يفترض أن ينص المشروع على توزيع موظفي سكك الحديد على دوائر الدولة لا سيما أن لا أعمال يقومون بها؟

وأشارت مصادر وزارية لـ«البناء» إلى ان الاتصالات نشطت في الساعات الماضية ولا تزال متواصلة بهدف تحقيق التفاهم حول الموازنة، مشيرة الى أن الأمور ليست واضحة بعد لجهة وضع الموازنة على طاولة مجلس الوزراء الخميس بإضافتها في ملحق، لافتة الى ان حزب الله لم ينته بعد من دراسة الموازنة وهو سيقدم موقفه اليوم الأربعاء، معتبرة أن الامور قد تذهب وفق سيناريو يقوم على أن يتناول مجلس الوزراء الموازنة بشكل عام، ليتم في نهاية جلسة الخميس توزيعها على الوزراء، وبعد ذلك تشكيل لجنة لدراستها ليلي ذلك إقرارها من مجلس الوزراء وإحالتها الى مجلس النواب. ومع ذلك، اشارت المصادر الى تعدد الرؤى من الإجراءات التي سترافق الموازنة، فبينما يؤكد الرئيس ميشال عون ان الإجراءات التقشفية لن تطال أصحاب الدخل المحدود، وكذلك حزب الله، رأت المصادر أن الرئيس سعد الحريري في المقابل يدفع الى تخفيض الأجور ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية، بالتوازي مع دفاعه عن المصارف وسياساتها عطفاً على اتخاذ قرارات من شأنها أن تعفيها من موجب تسديد الضريبة على ربح الفوائد، لفتت المصادر في هذا السياق، الى احتمال أن يلتقي الرئيس عون والرئيس الحريري في الساعات المقبلة لبلورة الأمور.

الى ذلك أمل الحريري في وضع الموازنة خلال الأيام المقبلة على طاولة الحكومة، ولديّ الثقة ان الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري حريصان على التقشف ومحاربة الهدر. وأكد خلال افتتاح المؤتمر المصرفي العربي لعام 2019 أن ما يهمّه هو أن يتمّ الإصلاح لأن لبنان لا يمكن ان يكمل بقوانين قديمة، لافتاً إلى ان «المصارف التي حمت لبنان لم تقصر، إنما المشكلة هي ان الدولة لم تقم بالإصلاحات التي كان يجب أن تقوم بها، ففي باريس 2، قامت المصارف بواجبها بإعطاء لبنان المبلغ المطلوب، والدولة أخذت هذه الأموال وصرفتها دون أن تقوم بإصلاحات».

وناقش الحريري في السراي ملف الموازنة والتخفيضات التي ستطال الجيش والقوى الأمنية في إطار التدابير التقشفية مع وزير الدفاع الياس بوصعب والمدير العام لقوى الامن الداخلي عماد عثمان. وفي السياق عقد بوصعب مؤتمراً صحافياً في وزارة الدفاع أكد خلاله ان هناك محاولة لتظهير أن المشكلة الاقتصادية هي من مسؤولية الجيش اللبناني، لكن السياسات الاقتصادية السابقة هي التي أوصلتنا إلى هنا وليست موازنة وزارة الدفاع»، وشدد على «ان موازنة الجيش محقة وهي تقوم على أساس المهام التي أوكلت للجيش على الحدود وفي الداخل». اضاف: «هناك تضحيات من الجيش بالروح، وفي بعض الأماكن تضحيات مادية، ستظهر عند طرح الموازنة بشكل كامل»، مضيفاً «حين نرى أنه يمكن تخفيف مهام الجيش، فهنا يمكن إعادة النظر بالتدبير «رقم 3» وبالأعداد». مؤكداً ان «الجيش ملتزم بالسير بموازنة فيها تقشف كما هو مطلوب في الحكومة وربما نصل الى الرقم الذي نطمح إليه من دون المس بأساس الراتب». وقال: «لن يكون هناك تطويع في الكلية الحربية هذا العام».

وفي السياق، شددت مصادر عسكرية متقاعدة لـ«البناء» على ان العسكريين المتقاعدين لن يقفوا مكتوفي الأيدي امام اي اجراءات تعسفية قد تطالهم، لا سيما أن هناك ابواباً كثيرة تفوح منها روائح الفساد يمكن سدّها وإقفالها فصلاً عن التهرب الضريبي والأملاك البحرية تغضّ الحكومة المعنية بمكوناتها النظر عنها لغاية في المصالح السياسية نفسها، معتبرة أن العسكريين لن يكونوا مكسر عصا للطبقة الحاكمة. ولفتت المصادر الى ان المعنيين السياسيين يدركون جيداً أن هناك حقوقاً للجيش ممنوع المس بها، معتبرة اصلاً أن معاشات المتقاعدين لا تساهم بها الدولة على الاطلاق، فهي عبارة عن المحسومات التقاعدية التي توضع في الخزينة انطلاقاً مما نص عليه القانون 1929.

اقتصادياً أيضاً، كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المواطنين حول سلامة الاقتصاد عن ان «القطاع المصرفي لديه الرسملة المطلوبة حسب المعايير الدولية وملاءة بحدود 16 في المئة وهو رقم مرتفع جداً قياسياً عالمياً». وأكد سلامة «أن 35 بالمئة من الدين اللبناني موجود في مصرف لبنان». وأشار الى أن «المعطيات الموجودة في لبنان لا تؤشر الى الإفلاس»، قائلاً «هذا ممكن ان اؤكده إن كان من ناحية موجودات مصرف لبنان أو من ناحية موجودات القطاع المصرفي».

وعلى خط الملف النفطي، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، قائد قوات اليونيفيل في الجنوب الجنرال ستيفانو ديل كول، وأكد الرئيس بري استعداد لبنان لتثبيت الحدود البحرية اللبنانية والمنطقة الاقتصادية الخاصة عبر الآلية التي اعتمدت في ترسيم الخط الأزرق بإشراف الأمم المتحدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى