وزير المال يُحيل الموازنة لتتمّ المناقشات في الحكومة وليس خارجها الضغط لمقايضة الفوائد على المصارف بسندات خزينة يؤجّل التوافق
كتب المحرّر السياسي
الحدث الأميركي الطازج الذي كان مقدّراً له أن يعيش لشهور في الواجهة يتراجع بسرعة، بعدما بدا محدود الأثر في درجة التجاوب. فالدول المحورية في شراء النفط والغاز من إيران سارعت لإعلان عدم التقيّد بالطلبات الأميركية رغم التهديد بالعقوبات بعد إلغاء الاستثناءات. وكان لافتاً موقف تركيا والعراق وباكستان، ومعهما الهند والصين، بمثل ما كان لافتاً ما نشرته التايمز البريطانية عن مخاطر حرب اقتصادية آسيوية أميركية إذا أصرّت واشنطن على العقوبات ولم تغضّ النظر عن الخروق الكبيرة التي ستصيب قرارات حظر شراء النفط الإيراني. فقد نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية تقريراً حول العقوبات الأميركية على إيران بعنوان «منع ترامب صادرات النفط الإيرانية قد يؤدي لانتقام آسيوي»، أشارت فيه إلى أن «قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنهاء الاستثناءات التي كانت بلاده قد وافقت عليها لبعض الدول لشراء النفط الإيراني تهدّد برد فعل انتقامي وحروب اقتصادية مع الدول الصاعدة في آسيا مثل الصين و الهند وهما تعتمدان بشكل كبير على النفط الإيراني القريب وزهيد الثمن».
وأوضحت التايمز أن «واشنطن منحت الاستثناء العام الماضي لدول عدة منها الهند والصين وتركيا و كوريا الجنوبية و اليابان و إيطاليا و اليونان و تايوان وخلال هذا العام قلصت الدول الثلاث الأخيرة وارداتها النفطية من إيران، بينما تشتري الدول الخمس الباقية ملايين البراميل من النفط يومياً من إيران»، مشيرةً إلى أن « إيران كانت تصدر خلال العام المنصرم مليوني برميل من النفط يومياً منها نحو 650 ألف برميل للصين، و500 ألف برميل للهند، و300 ألف برميل لكوريا الجنوبية، و165 ألف برميل لتركيا. وهو الأمر الذي يبرر الغضب الصيني من فرض عقوبات أميركية على صادرات النفط الإيراني.
لبنانياً، يتواصل السجال حول مشروع الموازنة بعد الكلام العلني لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالدعوة لمناقشة الموازنة في مجلس الوزراء، وتجاوب وزير المال علي حسن خليل مع طلب رئيس الجمهورية، وقد كان وزير المال قد أجّل إرسال مشروع الموازنة كما أعدّته وزارة المال بانتظار التعديلات التي سيتم إدخالها بنتيجة المشاورات التي كان يديرها رئيس الحكومة سعد الحريري والتي شهدت جولة أولى ولم تكتمل نتائجها بعد. وقالت مصادر متابعة إن كلام رئيس الجمهورية الموجه عملياً لكل من رئيس الحكومة ووزير المال كمسؤولين عن وضع الموازنة على طاولة مجلس الوزراء صار رسمياً موجهاً لرئيس الحكومة وحده، باعتباره لم يقم بعد بتحويل المشروع إلى الحكومة وتوزيعه على الوزراء لبدء مناقشته رسمياً.
المصادر المتابعة تعتقد من خلال جولات المناقشات السابقة أن الكثير من البنود وصلت إلى حيث يمكن للتوافق أن يتحقق، سواء في ما يخصّ رسم خط أحمر حول ذوي الدخل المحدود بعدم المساس بروابتهم وتعويضاتهم أو عدم فرض ضرائب تطالهم، أو ما يخصّ وقف زواريب ومزاريب الهدر والفوضى والعبث والتسيب، لكن النقطة العالقة لا تزال تتصل بكيفية التعامل مع المصارف التي تتطلع لربط مساهمتها بسندات خزينة بفائدة متدنية تقارب 1 ، بإعفائها من الضريبة على أرباحها، خصوصاً التي تتصل بسندات الخزينة وفيما قالت المصادر إنه من الصعب توقع تمرير طلب المصارف يواصل رئيس الحكومة السعي لتسويق موقف المصارف من خارج اللقاءات الحكومية الرسمية لمناقشة الموازنة أملاً بتحقيق تقدم يربط به إحالة الموازنة إلى مجلس الوزراء.
مجلس وزراء بلا موازنة!
على وقع السجال الرئاسي على خط بعبدا بيت الوسط الذي طبع عطلة عيد الفصح حول مشروع موازنة 2019، ينعقد مجلس الوزراء اليوم في بعبدا بجدول أعمال عادي لا يتضمّن الموازنة، علماً أن رئيس الجمهورية ميشال عون كان قد دعا المعنيين الى الإسراع في عرضها على المجلس لمناقشتها وإقرارها.
ما يُدلّل بحسب مصادر وزارية على أن لا اتفاق نهائي على بنود الموازنة بصيغتها النهائية كما أرسلها وزير المال علي حسن خليل الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ يومين، ولا زالت تحتاج الى معاينة سياسية قبل طرحها على المجلس، علماً أن معلومات أشارت الى إمكانية طرحها من خارج جدول الأعمال كملحق، بيد أن رئيس الحكومة سعد الحريري يتريث بانتظار أجوبة نهائية من القوى السياسية حول ثلاثة نقاط: أماكن ونسب التخفيضات من رواتب وأجور وتعويضات وتقديمات موظفي القطاع العام ونسبة التخفيضات التي ستتحمّلها الأسلاك العسكرية في ظل رفض وزير الدفاع الياس بو صعب المسّ بها قبيل البدء بالتخفيض من مواقع أخرى لا سيما مكامن الهدر والفساد، أما النقطة الثالثة فهي حجم مشاركة قطاع المصارف ومصرف لبنان في خفض كلفة الدين العام.
ووفق مصادر «البناء» فإن اللجنة الخاصة التي شكلها حزب الله برئاسة الوزير محمد فنيش لدراسة الموازنة باتت جاهزة لعرض اقتراحاتها ومقاربتها للمشروع انطلاقاً من الثابتتين اللتين ذكرهما السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير أي عدم المس برواتب الموظفين المتدنية ورفض فرض ضرائب جديدة على الطبقات الشعبية الفقيرة، على أن يقدّم الحزب رؤيته عند طرح المشروع في مجلس الوزراء أو في أي اجتماع تمهيدي قبل الجلسة».
وبحسب معلومات «البناء» أيضاً فإن «المعلومات المسربة حول ورقة أعدّها رئيس الحكومة تتضمن سلسلة إجراءات تقشفية تطال شرائح الموظفين ذوي الدخل المحدود وضرائب على الطبقات الشعبية هي دقيقة، وكان هناك توجه حكومي في هذا الاتجاه، إلا أن ردة فعل الشارع العنيفة أجبرت فريق الحريري على التراجع»، لكن وزير المال عاد وطمأن أمس، إلى أن «مشروع الموازنة الذي رفعه لا يتضمّن بنوداً تمسّ بالرواتب ولا زيادات على البنزين»، مشيراً الى أن «لن يتم فرض الضرائب على الطبقات المتوسطة والفقيرة».
ولفتت مصادر نيابية لـ»البناء» الى «إجماع سياسي على عدم المسّ بالرواتب المتدنيّة والمتوسطة واقتصار التخفيضات على أجزاء من متممات الرواتب والتقديمات والإنفاق غير المجدي والعشوائي في ادارات ومؤسسات الدولة وتخفيض نسبة من الرواتب العالية لبعض الموظفين»، نافية أي توجّه لفرض سلة ضرائب جديدة كما يُقال وشككت المصادر بإمكانية إنجاز الموازنة في مجلسي الوزراء والنواب قبل 31 أيار المقبل، مشيرة الى «أنها تحتاج الى اسبوعين كحد أدنى في الحكومة ثم أسبوعين آخرين أو ثلاثة في لجنة المال والموازنة قبيل إحالتها الى الهيئة العامة لمناقشتها واقرارها»، موضحة أن «المجلس سيناقش قانون الموازنة وقانون قطع الحساب ايضاً، إذ إن الموازنة لن تمرّ بلا قطع الحساب، لضرورة انتظام المالية العامة».
وتشير المصادر الى شروط يضعها الرئيس سعد الحريري باسم القطاع المصرفي والشركات الكبرى بأنه مقابل مساهمة قطاع المصارف بنسبة معينة في تخفيض العجز يجب تضمين الموازنة إجراءات تقشفية في الرواتب والأجور والتقديمات الاجتماعية والصحية والمدرسية وغيرها، إلا أن المصادر شددت على ضرورة تحمّل المصارف نسبة كبيرة من سد العجز نظراً للارباح الكبيرة التي حققتها خلال أكثر من عشرين سنة عبر الهندسات المالية لمصرف لبنان فضلاً عن موازنات تضمنت إعفاءات لها من الضرائب والغرامات المالية».
ممانعة قطاع المصارف للتوجّه الحكومي الجديد بإشراكه جدياً بخفض الإنفاق، كانت محل نقاش أمس في السراي بين الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
في المقابل تنفي مصادر سياسية في تيار المستقبل أي توجّه للرئيس الحريري بالمسّ برواتب الموظفين لا سيما المتدنية والمتوسطة أو أن يكون تراجع تحت ضغط الشارع، مؤكدة أن «الأمر لم يكن وارداً على الإطلاق»، مشيرة لـ»البناء» الى أن «كل الإشاعات مجرد إثارة إعلامية ومزايدات»، معتبرة أن «لا تباين بين عون والحريري في العناوين العريضة للموازنة»، موضحة أن «المساس برواتب القطاع العام المتدنية أو المتوسطة سيؤدي الى مفعول اقتصادي سلبي»، موضحة أن «رؤية الحريري تنطلق من ثابتتين: تخفيض الإنفاق من قمة الهرم في الرواتب ويتدرج نحو الأدنى، وفي المواضيع الأكثر جدوى كالكهرباء مليارا دولار سنوياً، وتخفيض الرواتب المرتفعة ووقف ازدواجية الرواتب وبدلات السفر والنقل وأثاث الإدارات والمؤسسات وايجارات المباني، إضافة تعزيز الانفاق الاستثماري عبر الحصول على ملياري دولار من مؤتمر سيدر، بمشاريع في الطاقة والمواصلات والنفايات اضافة الى مشاريع مناطقية، وبالتالي تحقيق توازن عبر تخفيض الإنفاق العام غير المجدي وتعزيز الإنفاق الاستثماري».
وشدّدت المصادر على أن «الحريري لن يدخل بسجال مع الرئيس عون ولن يتسبب بأزمة معه انطلاقاً من العلاقة الشخصية المميّزة التي تجمعهما فضلاً عن أن التجارب السابقة أثبتت أن أي توتر في العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة سيؤدي الى تعطيل الدولة والمؤسسات الدستورية، وبالتالي إفشال الحكومة ورئيسها والعهد، لذلك هناك علاقة تكاملية يجب أن تستمر لإنقاذ البلد من أزماته الخطيرة».
بري: المجلس سيواجه
وعشية جلسة مجلس الوزراء، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقاء الأربعاء النيابي أن لا استهداف في الموازنة على الإطلاق للفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود والفئات المتوسطة، مشيراً الى أن كل ما يًقال أو ينشر في هذا الصدد يندرج في إطار التأويلات. وقال: إن المجلس النيابي خلال مناقشة الموازنة سيتصدّى لمثل هذه الطروحات والإجراءات، مع التأكيد مرة أخرى أن هذا الأمر غير مطروح. وشدد على ضرورة أن يساهم الجميع في إنقاذ البلد من الوضع الاقتصادي الصعب، مؤكداً أهمية تخفيض العجز لتجاوز هذا الوضع المتأزم. ونقل النواب عنه قوله إنه كان ينوي الدعوة الى جلسة استجواب في الثلاثين من الشهر الحالي، لكنه عدل عن ذلك لعدم وجود سوى استجواب واحد».
بوصعب على الحدود
في سياق آخر، جال وزير الدفاع الياس بو صعب، يرافقه قائد الجيش العماد جوزيف عون على الحدود الجنوبية، أكد خلالها بوصعب «اننا لن نتنازل عن أي شبر من أرضنا وسنتمسك بحقوقنا بكافة السبل من خلال التنسيق مع اليونيفيل والمجتمع الدولي».
وقال بعد اجتماع في مكتب قائد اليونيفيل ستيفانو دل كول في الناقورة «نتوجّه للمعنيين في الداخل والخارج للتعويل على الجيش»، مشيراً الى ان «العمليات في هذه المنطقة تنفذ بتنسيق عال جداً بين الجيش واليونيفيل، وليس من السهل على اللبنانيين أن يروا عسكرياً غير لبناني يدخل بين القرى، والأمور تعالج من خلال التنسيق بين الجيش وقوات اليونيفيل». وأوضح ان «لدى الجيش 5000 عنصر في هذه المنطقة، ولكن الحاجة هي لـ10000 عنصر والتعويل على الجيش هو الأساس».
ورداً على سؤال عن سلاح «حزب الله»، قال وزير الدفاع: «لا أحد يطمح للقيام بمهمة نيابة عن الجيش وهو ما أقرّ به الأمين العام للحزب السيد نصرالله، وهذا يحتاج إلى استراتيجية دفاعية تبحث حين تذهب الأخطار الإسرائيلية».
إلا أن تصريحات بو صعب أثارت غضب القوات اللبنانية الذي سارع نوابها الى التصويب على وزير الدفاع، واعتبار كلامه خروجً عن سياسة النأي بالنفس في البيان الوزاري، علماً أن النأي بالنفس لا يشمل العدو الإسرائيلي. وهذا أمر متعارف عليه.
الهجوم القواتي المنسق استدعى رداً من بوصعب الذي أوضح أن «نواب القوات يُكتَب لهم الرد دون ان يعرفوا مضمونه، وقد وصلني بيان على الواتساب يراد نشره مقابل أموال في أحد المواقع»، أضاف: «إذا هدفهم جرّي إلى مكان أن أقول إني لستُ متمسكاً بالمقاومة ضد العدو الاسرائيلي هذا ليس من مصلحة لبنان، وهناك توافق على هذا الموضوع من كل اللبنانيين، وليس الإسرائيلي يحدد موقعه».
… وعند حردان في راشيا الفخار
وكانت للوزير بو صعب محطة أساسية ضمن جولته الجنوبية، حيث زار رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان في منزله في راشيا الفخار، وكان في استقباله إلى جانب حردان راعي أبرشية مرجعيون للروم الأرثوذكس المطران الياس كفوري، قائمقام حاصبيا أحمد كريدي وقائمقام مرجعيون وسام حايك وفاعليات دينية وحشد من الأهالي.
وشكر النائب حردان للوزير بو صعب زيارته إلى الجنوب، الذي واجه الكثير من المعاناة أثناء الاحتلال الإسرائيلي قبل عام 2000 ، داعياً إلى الوقوف دائماً إلى جانب الجيش .
وأكد بو صعب من جانبه أنّ الجنوب صمد في وجه الاحتلال، وسيقف إلى جانب الجيش وتسليحه لمواجهة أيّ عدوان على لبنان وحدوده .
وقدّم حردان درعاً إلى بو صعب عربون شكر ومحبة. تنشر البناء غداً تفاصيل زيارة الوزير بو صعب للنائب حردان الذي ألقى كلمة موسعة في اللقاء الحاشد في منزله في راشيا الفخار .
السفير السوري في بعبدا
على خط أزمة النازحين السوريين، استقبل رئيس الجمهورية سفير سورية في لبنان علي عبد الكريم علي وأجرى معه جولة أفق تناولت التطورات في المنطقة عموماً وفي سورية خصوصاً، في ضوء المستجدات الأخيرة. وتطرّق البحث الى اوضاع النازحين.
الى ذلك وبعد إعلانها عن تقديم مكافآت مالية تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تفيد هدف تجفيف مصادر تمويل حزب الله، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس، عن فرض عقوبات على شخصين و3 كيانات تابعة للحزب، بحسب زعمها.