الفنانة الشابة عدرا قنديل: أكسر الحواجز مع هذه المواد التجريديّة وأعطيها حياةً لصنع تصاميم تلائمنا… وأسعى إلى التجذّر في الماضي لأرسم المستقبل

رنا صادق

مشوار الحياة متشعّبٌ، أيام من النجاحات والإخفاقات، مزيج من المثابرة والصبر، وأهم من كلّ ذلك الإصرار، الإصرار على المتابعة، الإصرار على الهدف، الإصرار على تحقيق الذات وإثباتها، في أي مجال كان، خصيصاً في مجال الابتكارات والتطورات لمواكبة سرعة العصر الذي ازدادت فيه احتياجات الإنسان الإنسانية وامتلاك الفرص… هذه الفرص، تبدأ بالإيمان بالقدرات الذاتية أولاً، ثانية بتنمية هذه القدرات وتحفيزها، وأخيراً قولبتها حسب تغيّر الظروف الطارئة والمستجدّة، فالسقوط ليس ضعفاً ما إنّ تحوّل إلى محفّزٍ جديد للاستمرار، كما تفعل الفنانة الشابة عدرا قنديل، التي صمّمت على ابتكار وخلق خطّ جديد من أنواع الفنون، لتسير في طريق وعر وصعب مليء بالتجدّد والابتكارات. فهي تصمّم، تبتكر جوهر الفكرة، وتنفّذها بشفافية وانسيابية حرّة.

الابتكارات الشابة منها تترجم عدرا أعمالها، تحكي فيها الجيل الجديد، المفعمة بالحياة، المؤمنة بالعقيدة، الباقية على الماضي، والمتجذّرة من طيف الأجداد بإبداع الحداثة القريبة للواقع. نحن الشباب قادرون أن نقدّم ما نؤمن به، بمفهوم الحداثة أو من دونها، لكنني نحكي واقعنا مجتمعنا بلغتنا الخاصة التي تناسب عصرنا.. فالنجاح لا يقتصر على الفنّ الكلاسيكي فقط إنما نجاح الفنّ الحقيقي هو الذي يحكي عصره. بقدرة منفردة تمكنّت عدرا من الدخول في عالم التكنولوجيا بزاوية إبداعية لا تشبه أحداً سواها أكانت من حيث اختيار وانتقاء الموضوع أو من حيت الاستخدام والترجمة، فترجمتها للماضي باستخدام عينها البصرية وخلفيّتها التي اكتسبتها من محيطها، وتواجدها في مدينة برشلونة مكّنها بالبدء بمشوارها الفنّي الذي يتفاقم يوماً بعد يوم. فكل يوم هو تجربة، يمكنها الاستعانة بها بعد حين.

من هنا، لاحقت هذا الدرب ولم تتمرّد على ما جاء من قناعتها في إبرازه بحلّة الفنّ الحديث والغوص في مدارك الأمور، لتنتج عملاً فنياً إبداعياً، يراه كلّ منّا من رؤيته الحياتية ومفاهيمه الخاصة، فهي تعطيه الحرية في الاختيار والتأمّل، لكنها في النهاية تصبّ في خانة الغاية الفنّية المنوطة من العمل.

«البناء» التقت الفنانة الشابة عدرا قنديل وتعرّفت على إمكانيات العمل الفنّي الحديث وصعوباته، والرسالة الهادفة من أعمالها ومشاريعها المستقبلية.

هي التي تربّت في شوارع بيروت المدينة، واكتسبت روحيّتها، شغفها وصمودها، تابعت دراستها في برشلونة وتخصّصت بالتصميم والإعلان، وحازت على ماجستير في البحث والتصميم. لم يكن لدى عدرا أي رسم أو تخطيط مسبق حول ما ستقوم به، فكانت تجلس أمام الكمبيوتر لساعات وتعمل حتى تنتج قطعاً فنّية رقمية. وتحوز هذه الأعمال والصور الفنّية على إعجاب المقرّبين منها كالعائلة والأصدقاء، على اعتبار هذه القطع مليئة بالطاقة.

في عام 2017 بدأت عدرا بنشر أعمالها على صفحتها الخاصة على الانستغرام. عملت جاهدة على تطبيق الفوتشوب، ومزجت بين الصور القديمة والحديثة مضيفةً على كل قطعة شيئاً من ذاتيتها، خيالها، أو ذكرياتها. عمدت على عرض قطعها على الانستغرام وبدأت تلاقي إعجاب المتابعين، واكتسبت في تلك الفترة من عملها الفنّي على مزج القطع ودراستها.

شاركت عدرا في مشروع فنّي في نيويورك بعنوان «Paper Garden»، كما قدّمت أعمالها على «CUB Gallery» في بدارو وعرضت لوحاتها هناك حتى اليوم، واللافت أن هذا المعرض يسمح بمشاركة الفنانين اللبنانيين ما شجّعها على المشاركة.

الإخفاق… خطّ الابتكار

لا تعتقد أن الإخفاق فشل، بل تراه أنه محفّز لتطوير عملها وجعله أكثر نضجاً للنجاح، تكره الرفض، لكنها لا تأخذه على محمل شخصي، وتسعى من خلاله على زيادة إنتاجيتها وابتكاراتها لتزيد من ثمار العمل حتى يلاقي أرضية شعبية واسعة.

شاركت عدرا في معرض «Retrieving Beirut» بمجموعة من القطع الفنية التي تحكي عن المدن اللبنانية المنسيّة والمجموعة بعنوان «twilight city»، التي تجمع المناظر اللبنانية التي عايشت آلام الفقر، الانتحار، الحرب وغيرها وما زالت صامدة رغم جراحها، حافظت على معناها رغم معاناتها، كما ما زالت تمتلك رونقاً خلاّباً، كما أنّها تركت بصمة في ذكريات اللبنانيين. هذه الأماكن المعمارية هي: برج المرّ، بناية الشمس ـ الروشة، المنارة القديمة، هوليدي القديم.

ترى عدرا نفسها ما بين التصميم والفنّ، تمزج بين الاثنين وتضع معهما كل طاقتها وإحساسها، ليصل عبر عملها ولا غرض منه سوى ترجمة أحاسيسها وأفكارها.

ليست لديها طقوس خاصة للعمل، بل يمكنها أن تقوم بملصق لا يأخذ وقتاً أو العكس، فهذه الطريقة تعتمد على مفهوم العمل كبنية وفكرة خام، ثم يخضع للتجريب للتأكّد من أن هذه التراكيب والملصقات تتناسب مع بعضها البعض. حيث تقول عدرا: ثمة بعض الأفكار التي أشعر بها بقلبي لا تحتاج وقتاً، تكون مرسومة في مخيلتي أطبّقها وتنجح.

وتقول: الفنّ لترى ما تريد أن تراه. فلكلّ شخص رؤية وبعد نظر ومخيّلة، ونحن الأشخاص مختلفون بأنماطنا، سلوكيّاتنا حتى آرائنا، لذا فإن كان للأشخاص تفسير مغاير لما أٌقصده لا يزعجني الأمر، بل أرى أن صوراً تحمل معاني كثيرة في جعبتها، وكلّ يرى من زاويته… فلم لا؟

«Twilight City»

تقيم عدرا في كافيه « the sageparlour» في مار مخائيل معرضاً عن المدن، حيث بالمشاركة مع الرسّام طوني معلوف بعرض لوحاتهما. احتوى المعرض على صور مدن، امتزجت فيها وحدة الألوان في الرسوم رغم الاختلاف في الرؤية التطبيقية لكل فنان، لكن ما جمع بين الأعمال هي استخدام لوحة الألوان.

غلب اللونان الأزرق والأرجواني على قطع عدرا الفنّية في المعرض، حيث استخدمت ذاكرة المدينة، بيروت، وأكثر الأماكن فيها التي عايشت الأسى والحروب والاضطهادات وما زالت صامدة مكانها. قصدت بها عملية الإنعاش لهذه الأماكن، لإعادتها إلى الذكراة بطريقة خلّابة جديدة دون الإنقاص من أهميتها. استمر تحضير المعرض شهرين.

وتقول: جمعت هذه اللوحات فكرة رئيسية وهي وجود القمر وشخصين على الدوام، لأني أريد دائماً العنصر البشري على صور المدن لإنعاش ذاكرة الأفراد بها، وأهمية الوجود الإنساني حول هذه الأمكنة، ولأصل هذه الأعمال في ما بينهما.

يستمرّ المعرض حتى الأول من أيار المقبل.

رمزيّة… والأنا

من خلاصة المواد التجريدية الباردة عملت على كسر هذه النمطية واستطاعت أن تدخل أناها بطيف الرمزيّة ومفاهيمها الخاصة، حتى أعطت حياةً لهذه المواد والصور من خلال ظلال الألوان وتدرّجاتها، من خلال استخدامها القمر، الأشخاص، وطابع الملصقات الالكترونية بشكل عام اندمجت في خدمة الفكرة العامة لها، حيث تقول: حاولت كسر الحاجز بين الناس والمواد الخام التجريدية لصنع فنّ وتصميم ملائمين للحالة والمزاج، مواكبة للحاضر منبثقة من طيف الماضي. ورسالتي من أعمالي هي عدم نسيان الماضي بل الاحتفاظ بماضينا من أجل المستقبل، فالماضي يحدّد مَن نحن، فأعمالي هي نتاج من ذكرياتي وحزني، فالفنّ والتصميم يشفيانني.

Dear Nostalgia

اختارت لماركتها الخاصة اسم «Dear Nostalgia» كأنها بأعمالها تكتب رسالة، موجّهة فيها إلى الماضي. تأخذ من الماضي الأليم ذكرياته وتنسجها في حقل جديد ورؤية حديثة لتتشكّل في أذهان الناس ذكريات جميلة عن هذه الأماكن التي عانت في مرحلة سابقة.

الأمر لم يكن سهلاً، بحسب عدرا، لكنه لم يكن مستحيلاً، لأن أصعب اختبار للإنسان هو تخطّي الحزن والظروف وجعلها تجربة للتعلّم منها وإكمال الطريق.

تجدر الإشارة، أنه تمكن متابعة أعمال عدرا قنديل الفنّية عبر الحساب التالي على الانستغرام: Dear.nostalgia.

هذه الملصقات الإعلانية تصلح لجميع المكاتب، والمنازل العصرية، وتلائم حتى المطاعم، والفنادق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى