ماذا ينقصنا؟

شارلي شابلن يصنّف اليوم كأهم ممثل في تاريخ السينما، رغم أنّه لم يكن يتكلم، يبدو أنّ الناس يؤمنون أنّ الأفعال أبلغ من الأقوال، ولكنّهم يتجاهلون ذلك فيتكلمون أكثر ممّا يفعلون.

في مرّة من المرات، شُوهد فيلسوف كبير القَدْر والمقام في عيون طُلّابه وهو يَكنس الأرض، فإذا بمُرِيدي الفيلسوف الشيخ يستغربون ويُسجِّلون بردود أفعالهم أكثر من علامة تعجُّب واستفهام!؟

صمت الشيخ الوقور صمت الحكمة، ثم قال بصوت خافت ليصل أكثر فأكثر إلى قلوبهم وعقولهم: إذا كان هذا العمل لا يشرِّفُني فأنا أشرِّفُه.

درس بليغ يلقنه لنا هذا الرجل المتواضع، رجل رغم سعة علمه ووفرة زادِه في رحلته الفلسفيّة، فإن المعرفة علّمته الأخلاق، علّمته أن يضع الأخلاق في مقدمة الأولويات.

كلّ بناء نبنيه لا بدّ أن يرفعه الأخلاق، وبدون ركائز الأخلاق سيسقط البناء وينهار حين أخلاقنا تنهار. ما كان العلم يوماً سلاحاً لنتطاول به على الآخرين، ونرشقهم بحجارة الرذيلة والفجور في العداوة والكراهيّة والسخرية بلا سبب. حين يغيب الوعي وتتقلص مساحة التربيّة وتضمر عضلات الحب سنقوم بتصرفات غير محمودة، فالجهل عبودية والمعرفة حكمة.

طبعاً، بعد هذا الشرح سندرك أن شيئاً ما ينقصنا. وبما أنّه ينقصنا شيء ما، فإنّه لا فائدة تُرجى، كما أنّ الفوضى ستسمر في البلد.

الخلافات تشتدّ هنا لا بسبب فهم أنّ شيئاً ما ينقصنا، بل بسبب الفهم المختلف لما ينقصنا بالذات. بيد أننا الآن، ونحن متفقون في الرأي، بأنّ شيئاً ما ينقصنا، فإنه سيكون من السهل علينا تحديد ما ينقصنا بالذات. وهذا يترك لدينا إحساساً عميقاً بالرضى. كم هو رائع الإحساس بالوحدة والتضامن، خاصة عندما يكون الجميع متفقين، بأنّ شيئاً ما ينقصنا.

أنت الذي تطحنك رحى النسيان ما جدوى أن تكون شقيق الإنسان!

أنت المحكوم عليك بالإعدام جلداً بسياط اللارحمة واللاعودة واللابقاء واللانجاة واللاحياة، هل لك أن تستعيد مفاتيح المدخل إلى الحياة!

أن تلتمس شيئاً من التعاطف والتقبّل معناه أن تنصف حقك الطبيعي في الحياة، كما يشاء لك جلادك، وكما يشاء صُنّاع قطار الموت على امتداد سكة الحياة.

نعم شيء ما ينقصنا على مدى تاريخنا كلّه.

ثمّة مَن يسأل: ما الذي ينقصنا بالذات؟

وهنا باستطاعتنا أن نجيب بكلّ جرأة، أننا عندما نكون قادرين على حلّ هذه المسألة، أي أن نجيب على السؤال الآنف الذكر، فإن كلّ قضايانا الأخرى ستُحلّ. ما أوجعها طيور الروح المحلّقة بعيداً عن ملذاتها في غير السماوات الآيلة لإمطار!!

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى