الفشل الأميركي: فنزويلا نموذجاً
ناصر قنديل
– كثيرون ينتظرون رؤية نتائج القرارات الأميركية الخاصة بالعقوبات على إيران، وكثيرون من الكثيرين يتوقعون فعالية هذه العقوبات، لأنهم لا يعتقدون أن أميركا تمزح ولا يتوقعون أن تخطئ. فتاريخ هذه الدولة العظمى خلال عقود مضت يقول إنها الدولة التي تعمل مؤسسات القرار فيها، خصوصاً عندما يتصل الأمر بالسياسات الخارجية، والمصالح العليا، بطريقة التحسب والاستباق وتعدد الفرضيات، وهي الدولة التي تملك من المقدرات والعقول والقدرة على تحليل الفرضيات، ما يتيح نسب خطأ شبه معدومة في مخططاتها ومخططاتها البديلة، وبدائل البدائل عند الضرورة. كما أنها الدولة التي تمسك بمفاصل حساسة وحاسمة في الحياة المالية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية على مساحة العالم.
– خسارة الحروب العسكرية ليست مقياساً كافياً برأي هؤلاء الكثيرين، للحكم على المقدرات والمخططات الأميركية، فلا فييتنام ولا العراق تكفيان للقول بالفشل أو التراجع الأميركيين، خصوصاً أن بمستطاع السياسات والخطط الأميركية البديلة احتواء الخسارة والفشل، ولذلك عند هؤلاء الكثيرين حروب الفوضى البناءة أو الحروب الناعمة أو حروب الوكالة هي علامات على تأكيد تواصل حبل القوة الأميركية، ولذلك صفقة القرن مقبلة، ولذلك الإعلانات الأميركية الداعمة لكيان الاحتلال في ما خصّ القدس والجولان ليست عبثاً، ولا هي مجرد حروب إعلامية بل تثبيت للكيان وتمهيد لحدوده التي سيضمنها سلام مقبل.
– قد يصعب إقناع هؤلاء الكثيرين بأن واشنطن تفقد سحرها، وأن حيوية القدرة الأميركية تتراجع، وأن العقول الأميركية لم تعد هي تلك التي كانت، وأن الروح قد أصيبت وتغيّرت أشياء كثيرة. فهؤلاء يرفضون التصديق أن أميركا بلغت الذروة في صعودها مع سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، وأن الإمبراطوريات العظمى وفقاً لخبرة التاريخ، عندما تصل إلى الذورة في قمة الصعود وتبدأ بالتراجع فإن لا قعر لهذا التراجع ولا قيامة من بعده، وأن الفشل الأميركي في العراق هو غير الفشل في فييتنام لهذا السبب، أي لأنه الفشل اللاحق لبلوغ الذورة في الصعود، كمثل الفشل الإسرائيلي في حرب العام 1973 لكون الفشل الأول بعد ذروة الصعود في حرب العام 1967، فلم يأت بعده صعود وتواصل مسلسل الفشل من لبنان إلى غزة وهو مستمر في سورية ولبنان وفلسطين.
– حاولت أميركا بعد فشل العراق ترميم الفشل، وكانت حرب لبنان في 2006 فتعمّق الفشل بالفشل، ومن ثم بحروب غزة فزاد الفشل على الفشل، وجاءت مرحلة الأخونة والعثمانية الجديدة بمسمّى الربيع العربي فتوج الفشل بالفشل العظيم، وهي الآن تحاول تغطية الفشل المتراكم بالتعزية التي يقدّمها لها نظام العقوبات، لكنه يفشل أيضاً. وها هي فنزويلا القريبة جداً، والمحاصرة جداً، والمتعبة جداً، تستطيع أن تصمد وأن تقف على قدميها، ويظهر الانقلاب الذي دبرته واشنطن مع إعلانه الأول هزيلاً، ثم مع نسخة المنشطات المدبّرة بطبعة عسكرية للانقلاب، فيحصد الفشل على الفشل، والسبب ليس لأن أميركا ضعيفة، بل لأنها فاقدة للروح، وعندما تهزم الأمم في روحها لا تستطيع صناعة الانتصار ولو امتلكت المقدرات، بينما عندما تقاتل الشعوب الضعيفة بروحها فتنتصر حتى لو لم تمتلك المقدرات.