آليات أميركية جديدة لتأهيل السيسي وتهميش أردوغان؟
د. وفيق ابراهيم
مشروع القرار الأميركي بوضع جماعات الأخوان المسلمين على لوائح الإرهاب الأميركية، معناه الوحيد منعهم من السيطرة على السلطات السياسية في العالم الإسلامي وصولاً إلى حظرهم الكامل من العمل السياسي في المؤسسات الرسمية والحزبية.
بالقراءة الدقيقة فإنّ لهذا المشروع أبعاداً واسعة جداً، لكن رمياته المباشرة تضرب حماس في فلسطين المحتلة بما هي فرع للأخوان المسلمين وتصيب طموحات حزب العدالة والتنمية الذي يقوده رئيس تركيا رجب طيب أردوغان وبالتهمة نفسها. فهناك مدى إسلامي يلعب حزب أردوغان فيه دور الرابط بين الأخوان في مصر وليبيا وتونس والمغرب والسودان وسورية والعراق واليمن حزب الإصلاح من دون نسيان تشابكاته في آسيا الوسطى.
في المقابل فإنّ حظر الأخوان يُلغي مصدر الخطر الأساسي الذي يحول دون استقرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في السلطة حتى العام 2030 كما تخطط الإدارة الأميركية وذلك بتعديلات واستفتاءات أمّنت له التغطية الدستورية.
إلا أنّ للأميركيين طموحاً بأن يكون السيسي زعيم مشروعهم المقبل في مدى عربي واسع يشمل جيوشاً مهيأة للإمساك بأربع سلطات سياسية متجاورة في مصر والسودان وليبيا والجزائر على أن تجذب الى إطارها الدول المذعورة من الأخوان في الإمارات والسعودية وتونس والبحرين والكويت وقد يمتدّ لاحقاً الى آسيا الوسطى.
لذلك يقدّم التحليل العميق تساؤلات مقلقة عن مدى ارتباط هذا المشروع الأميركي بإثارة تناقضات عميقة داخل المجتمعات في الدول الإسلامية بين فئات مؤيدة وأخرى مناهضة له، مع إمكانية اندلاع حروب داخلية عنيفة من أكثر من بقعة، الى جانب عقوبات أميركية محتملة أصبحت جزءاً من وسائل تفجير الدول، وتشكل عوائق تحول دون ممارسة المستهدفين من الأميركيين للأدوار السياسية الرسمية – ألا يؤدّي هذا الامر إلى دفع الأخوان للعودة الى العمل السري بما يعنيه من رفض مسلح للقرارات الأميركية غير الأممية؟
أما المستوى الثاني لما يُريدهُ مشروع حظر الأخوان فيتعلق بإزاحة الشرعية عن القوى الفلسطينية الرافضة «لصفقة القرن» وتمتين المؤيدة لها.
وهذا يستهدف صراحة منظمة حماس التي تدافع عن قطاع غزة، وترفض مشروع الإنهاء الأميركي للقضية الفلسطينية، فتتكشف على الفور موافقة أميركية مسبقة على أدوار السلطة الفلسطينية لصاحبها أبي مازن محمود عباس مقابل استعدادها للإعلان عن نزع الشرعية الجهادية التاريخية الفلسطينية عن حماس، فتصبح بذلك شكلاً من العصابات المسلحة، وبما أن حماس والجهاد ومنظمات فلسطينية اخرى موجودة أيضاً في الضفة الغربية المحتلة، فإن مشروع خطر «الأخوان» قد يصبّ في إطار صراعات داخلية عنيفة بين السلطة الفلسطينية والمنظمات الرافضة لصفقة القرن فيصبح بالإمكان تدمير قضية فلسطين بدءاً من تحويل الخلافات السياسية بين مكوناتها مشروع حرب داخلية خطيرة لا تستفيد منها إلا «صفقة القرن».
لجهة أردوغان فإنّ الخطر الأميركي على الأخوان يصيب مقتلاً في طموحاته الداخلية والإقليمية.
فكيف يستطيع حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان الاستمرار في أداء دور الحزب الحاكم في تركيا وهو المحسوب على الأخوان المسلمين ويعمل على إلحاقهم بكونفدرالية أخوان تسعى للسيطرة على دول المنطقة لتحقيق اتحاد أخواني بمدى واسع جداً.
إن حشر أردوغان هنا لا يصيبه إذاً في تركيا فقط، ويحشره امام ثلاثة خيارات: رفض القرار الأميركي والاستمرار بأداء الدور القائد الى جانب حصار يتقاطع وامتناع الدول المؤيدة للأميركيين في التعامل السياسي والاقتصادي مع تركيا، الاحتمال الثاني ان يعلن انّ حزب العدالة والتنمية ليس من الأخوان المسلمين بل من المتحالفين معهم، فيستطيع بذلك الادعاء بالوقف العلني فقط لهذه العلاقة، ولكن هذا الحل له مترتباته على طموحات أردوغان لأن مجرد استسلامه للخطر الأميركي يعني تدمير علاقاته بالأخوان المسلمين في العالم العربي بأسره والإذعان للتدمير الأميركي لطموحاته في سورية والعراق وليبيا وقبرص التي يحتل ثلثها منذ أكثر من اربعة عقود وبذلك تعود تركيا ذليلة مكسورة الخاطر في «حلف اطلسي» أصبح بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عاطلاً عن العمل.
يتبقى الخيار الأردوغاني الثالث وهو الأكثر خطورة، وهنا بإمكان تركيا تطوير تفاهمات استانا مع روسيا وإيران الى ما يشبه حلفاً سياسياً عميقاً يحول التجاور الجغرافي لهذه الدول الثلاث التي تشكل 360 مليون نسمة، معقلاً أساسياً لردع الغطرسة الأميركية المتأججة، وذلك ابتداء من مساحة هذه الدول الثلاث التي تزيد عن 18 مليون كيلومتر مربع وتحتوي على معظم ثروات الأرض من نفط وغاز وموقع استراتيجي، فهل يفعلها أردوغان مع بلدين هما إيران وروسيا أصابتهما العقوبات الأميركية بأضرار كبيرة بدوريهما ولا تزال.
المرجّح أن يجمع أردوغان بين الخيارين الأخيرين، فيعلن أنّ حزبه العدالة والتنمية ذو ميول إسلامية فقط لكنه ليس فريقاً مباشراً من جماعات الأخوان، على أن يوطد علاقاته بروسيا وإيران وبشكل أعمق اقتصادياً وسياسياً.
فهل يستفيد الأميركيون من مشروع حظر الأخوان؟
قد يشكلون حلفاً بين السيسي والسودان والسعودية والإمارات من دون إمكان ضمّ الجزائر وليبيا واليمن بسبب الأوضاع المتفجرة فيها، ولن يكون ممكناً إعادة السعودية الى سابق دورها في سورية والعراق وبسبب الرقص التركي المطلق المتكئ على الروس والإيرانيين كما أنّ منظمة حماس تجاهد وسط رفض من السلطة الفلسطينية ومصر ولم تستأذنهما يوماً في التعامل مع الأوضاع المصرية بمفردها فكيف بمحاولة إدارة دول في ليبيا والسودان؟
إنّ أهمية مشروع القرار الأميركي لا تشير إلا الى نتائج هزيلة، والدليل أنها استهدفت الاسلام السياسي بجناحيه السني والشيعي، ولم تستبق إلا فريقين هزيلين: السيسي ومعه الإسلام الملجوم في الأزهر والوهابية السعودية المستمرة بقوة النفط وموسم الحج والحرمين الشريفين للزوم الاستغلال الأميركي.