«الفن والابداع… الدور في النهضة» معرض لشباب قومي واعد… توثيق تاريخ وحضارة الأمة ورموزها باللون والحرف وعين الكاميرا زهير فياض: هدفنا الإضاءة على دور الفن وإيصال رسالة حضارية تؤكد على ما يكتنزه مجتمعنا من طاقات إبداعية
عبير حمدان
يلعب الفن دوراً مؤثراً في المجتمع كونه يعبّرعن طبيعته ورؤية أبنائه لمفهوم النهضة الفعلية في ظلّ العوامل الاستهلاكية التي تجتاح خصوصيته وتفرغه من مضمونه الهادف.
يخطئ من يظنّ أنّ الفنّ ينفصل عن القضايا الوطنية والقومية حيث أنّ صنّاع السينما الهوليوودية على سبيل المثال لا الحصر يمرّرون أفكاراً تخدم مصالح رأس المال الذي يروّج لسلطة قاتلة واستعمارية ومحتلة بأسلوب ناعم، وبالتالي يصبح سلاح الإنتاجات الضخمة أكثر فتكاً من الصواريخ الذكية، وهذا الواقع ينسحب على الصورة واللوحة والدراما أيضاً.
تختصر الصورة المأخوذة بحرفية التاريخ والحضارة، ويمكن أن تجسّد ريشة الفنان معاناة أمة وتطرح قضاياها المحقة وحين يقدّم هذا الجيل تاريخه وحضارته وقضاياه للمتلقي في إطار راقٍ يبقى الأمل مساحة حاضرة وفاعلة ومبشرة بالخير والجمال.
هذا الأمل جمع عدداً لا يُستهان به من المهتمّين في دار الندوة بدعوة من «دار فكر للأبحاث والنشر»، وبالتعاون مع عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، لحضور معرض رسوم ولوحات وصور فوتوغرافية لشباب قومي واعد تحت عنوان «الفن والإبداع… الدور في النهضة».
افتتح المعرض رئيس الحزب حنا الناشف ومعه عميد الثقافة والفنون الجميلة د. زهير فياض وناموس المجلس الأعلى في الحزب توفيق مهنا بحضور عدد من أعضاء مجلس العمد والمجلس الأعلى والمسؤولين.
تنوّعت الأعمال المعروضة حيث ضمّت صوراً فوتوغرافية ورسوماً ولوحات تشكيلية بتقنيات مختلفة وكان لكلّ من المشاركين رؤيته الفنية الخاصة.
كما تمّ عرض فيلم فيديو تحدّث فيه الفنانون دريد لحام ونضال الأشقر ونعمة بدوي والمخرجة روضة قاسم عن أهمية الفنّ ودوره في حياة الأمم والشعوب وتضمّن مشاهد من أفلام سينمائية عربية وعالمية.
فياض: الفنّ يساهم في النهضة والتنوير
وأكد عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي د. زهير فياض أنّ المعرض هو مقدّمة لسلسلة نشاطات ثقافية وإبداعية يتمّ التحضير لها في سبيل النهضة ودورها التنويري في حركة المجتمع، وقال لـ»البناء»: «هذا المعرض هو مبادرة مشتركة قامت بها عمدة الثقافة والفنون الجميلة بالتعاون مع دار فكر للابحاث والنشر وكوكبة من شباب واعد لديه مواهب مميّزة في عدة مجالات فنية من الرسم الى اللوحات الفنية الى الصور الفوتوغرافية، وتخلل المعرض عرض فيلم قصير من إنتاج ربى حداد ونوال الهاشم».
أضاف: «هدف المعرض هو من ناحية إبراز هذه الأعمال وتشجيع هؤلاء الشباب على تنمية المواهب والقدرات الفنية…
والهدف الثاني الإضاءة على دور الفنّ بكلّ مدارسه وأشكاله في نهضة المجتمع والتعبير عن قضاياه الوطنية والقومية والاجتماعية وإيصال رسالة حضارية تؤكد على ما يكتنزه مجتمعنا من طاقات وإمكانات فنية وإبداعية تشكل مخزوناً حضارياً علينا المحافظة عليه وتنميته… هذا المعرض هو مقدّمة لسلسلة أنشطة ثقافية وفنية إبداعية نقوم بالتحضير لها لنعيد للنهضة ألقها الثقافي ودورها التنويري في حركة المجتمع».
الناطور: الفن يعني كلّ المجتمع
من جهتها رأت مينار الناطور دار فكر أنّ هذا الجيل يجب أن يتعرّف على ثقافته وحضارته من خلال الفن، وتقول: «بالنسبة لنا هناك دوماً مساحة ضوء نعمل من خلالها على أن يعرف هذا الجيل قيمة ثقافته وحضارته في مواجهة الكثير من الأفكار الهدامة وحتى ولو من خلال الفن، وبما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي هي الطاغية في هذا الزمن ذي الوقع السريع يمكنهم أن يستغلوها بشكل إيجابي بترويج أفكارهم الفنية سواء كانت بالرسم أو التصوير أو الأفلام التوثيقية القصيرة بما يخدم قضايانا المحقة، ومن هنا نجهد في دار فكر للمحافظة على ثقافتنا من خلال أنشطة ثقافية من هذا النوع».
وتضيف الناطور: «نحن في دار فكر للأبحاث والنشر نعتبر أنّ الفنّ يجب أن يعني كلّ المجتمع دون استثناء، وليس حكراً على فئة معينة أو عقيدة معينة، خاصة الفنّ الملتزم الذي لديه هوية».
وختمت الناطور «الأعمال المشاركة تمّ اختيارها على أساس مقاييس واضحة بحيث تشبه ثقافتنا وحضارتنا وأمتنا وبيئتنا وهويتنا، ونأمل أن يكون هذا المعرض محطة سنوية ليبقى الأمل موجود بهؤلاء الشباب الواعد ولنقول لهم بأننا مستمرون في بناء النهضة معهم».
الحرّاش: الشهداء هم المثال والقدوة
بدأت آسيا الحرّاش رسم الوجوه بالخط العربي كهواية لكن لوحاتها تركت الأثر الإيجابي لدى المتلقي، وقالت: «أول وجه رسمته هو الزعيم أنطون سعاده، ولم أكن أمتلك التقنية الكافية، ولكن النتيجة أتت مذهلة ولذلك قرّرت المتابعة، في المعرض اليوم رأيت أن أشارك بوجوه الشهداء بالدرجة الاولى لأنهم المثال والقدوة لنا وهم الرموز لمسيرة نضال طويلة ومستمرة، كما أني رسمت فنانين كبار وأدباء».
وعن فن الخط العربي أوضحت: «الخط العربي فيه الكثير من الجمالية التي تجذب العين، ولكلّ شخصية خصوصيتها، صورة الزعيم من أقواله، وفيروز رسمتها بكلمات أغنياتها، والشهداء على سبيل المثال عمر أبو ليلى رسمته بكلمات أغنية «وحدهن» والشهيد أدونيس بكلمات له.
ما أقدّمه هو نوع مختلف والناس تحبه وفي نفس الوقت يتضمن رسالة هادفة وواضحة».
حداد: الفنّ يخاطب العقل
تعتبر ربى حداد أنّ الوعي هو العنصر الأساس في بناء المجتمع وهي التي تجول البلاد بعدستها لتحفظ الأماكن والوجوه ضمن إطار، ومن جهة ثانية تشير إلى أنّ الفنّ يجب أن يحاكي العقل، وقالت: «الفيلم الذي تمّ عرضه أردنا من خلاله مخاطبة العقل بمنأى عن العاطفة من خلال بعض المشاهد السينمائية للتأكيد على أنّ السيناريو العاطفي لن يحقق الغاية المرجوة بل يجب أن يكون هناك أفعال تتخطى الكلام وهذا ما يجب أن يقدّمه العمل الفني للمتلقي كي ترسخ الفكرة في اللاوعي وكي لا تبقى مجرد عبارات تحاكي المشاعر ويتمّ نسيانها مع نهاية العرض، ونحن قادرون على المواجهة فنياً ولو بإمكانيات بسيطة، ذلك لأنّ الفكرة هي الأساس.
بالنسبة لي مشروعي هو أنّ اجول في كلّ الأمة لتصوير كلّ ما يعبّر عنها، وبرأيي أنّ الحجر هو الأساس، وحين أصوّر الناس اتقصّد أن تكون اللقطة عفوية، مع الإشارة إلى أني اتنقل في بلادنا بسيارتي لأني لا أعترف بالحدود ولو كانت مفروضة علينا سياسياً، وفي ذلك فعل مقاوم ولو بإطار فني».
هاشم: العين توثق قيمة اللحظة
أما نوال هاشم فترى «أنّ التصوير الفوتوغرافي شعور ينتقل منها إلى الآخرين، وبرأيي الصورة مادة فيها الكثير من الجمال، وأنا أركز على التفاصيل الصغيرة، كما أنّ جمالية الطبيعة تعني لي الكثير، وفي النهاية الصورة تعكس إحساس من يلتقطها وكلّ مصوّر لديه نظرة وهذه النظرة هي التي تعيش وتترسخ في الذاكرة».
وفي ما يتصل بقدرة الحركة الثقافية والفنية على جذب الجيل الشاب قالت هاشم: «للأسف قلة من جيلنا تهتمّ بهذا النوع من المعارض، هناك أزمة فعلية بسبب الواقع الاستهلاكي المتحكم بمجتمعنا ومنطق استسهال الأمور فعلى سبيل المثال اليوم نرى أنّ أيّ أحد التقط صورة بهاتفه الجوال يطلق على نفسه صفة «مصوّر فوتوغرافي» ولو لم يمتلك التقنية والعين التي توثق اللحظة في قيمتها الفنية والمعنوية، لذا علينا مواجهته بكلّ ما لدينا من حرفية وإبداع لنحفّز جيلنا على التفاعل مع الفن والثقافة ضمن الإطار السليم».
سنبلة: أهمية الحفاظ على التراث
من جهتها شاركت زينب سنبلة بأنماط فنية مختلفة، وبدا لافتاً استعمالها للعملة المعدنية القديمة، وعن أعمالها قالت: «إنها المرة الأولى التي أشارك في معرض فني وأراها تجربة جميلة، وقد تقصّدت التنويع في أعمالي وكما ترين هناك لوحات بالفحم والرصاص وتقنية الأكريليك، وأما في ما يتصل باستعمالي للعملة المعدنية فذلك كي أحافظ على جزء من تراثنا وأجعل منه تحفة فنية، وقد بدأت الفكرة بالأسلاك المعدنية على شكل شجرة، ثم رأيت أن منحها هيئة الأنثى التي تحمل الحياة يجعل قيمتها أقوى».
شذبك: الصمود بوسائل بدائية
وتحدث غازي شذبك عن أعماله المشاركة، والتي هي نتاج تجربة طويلة، فقال: «بعد تجربة ليست بقليلة تناهز 25 سنة في الرسم والتأليف في الفنون التشكيلية وقد جرّبت جميع أساليب المدارس الفنية اخترت لهذا المعرض 12 لوحة منهم 4 لوحات زيتية تعبيرية تمثل انتفاضة فلسطين وصمود هؤلاء الأبطال بوسائل بدائية كالنقيفة والمقليعة مع وجع وثورة الأمهات وأربع لوحات أخرى بمادة الأكريليك تمثل مناظر طبيعية خضراء من الأشجار والأنهر. أما اللوحات الأربع الباقية فهي أعمال تجريبية بتقنية جديدة خاصة لم يستعملها أحد من قبل وهي كناية عن مزج عدة تقنيات في لوحة واحدة».
شيا: التعبير الفني دون قيود
من ناحيتها اعتبرت جنان شيا أنّ ما تقدّمه فنياً هو ذاتها وبصمتها، الفن عالم عبادة، له طقوسه ونذوره آمنت به واعتنقته، لا مكان محدّد له ولا زمان، استهواني بكلّ فئاته، وإستحوذني بكلّ تشعّباته، فأبحرت بين حناياه بشغف لأتلقى العلوم والثقافة. ما مللت ولا اكتفيت إنما بهرت بكثرة زخمه وكان لي شرف العمل على تنفيذ تصاميم حديثة لمجموعة من الأبراج platinum tower, four seasons hotel, water front city… ولكن إرضاء لطموحي أسّست شركتي الخاصة «combine by designer» لأحقق ذاتي في أعمال النحت والرسم والهندسة المعمارية والداخلية لتصبح حرية التعبير الفني دون قيود».
أضافت: «أعطيت عملي المتواضع من وجداني ورؤياي الخاصة، فليس للفنّ حدود. مزجت ما بين الفنّ القديم العريق بتراثه مع الفنّ الحديث بتقنياته وإبتكاراته لأنتج مزيجاً زاخراً بالجمال والسحر. هذه أنا وهذه بصمتي».
مما تقدّم يظهر أنه حين يطرح الجيل الشاب تطلعاته ضمن قالب فني بمضمون واعٍ يمكن الجزم بأنّ الأمة التي تنبت الإبداع من رحم المشاكل قادرة على التصدي والصمود للنهوض، ويبقى الفنّ مرآة تعكس قيمة المجتمع الثقافية والفكرية وخصوصية هويته القومية.