معركة تحرير إدلب والأرياف ونضوج الظروف لتنفيذ القرار
حسن حردان
بدأ الجيش السوري والقوات الحليفة له عملية عسكرية لتحرير محافظة إدلب وأرياف حماة واللاذقية وحلب المجاورة للمحافظة.. وكان واضحاً أنّ هذه العملية، التي بدأت بتحرير بعض بلدات ريف حماة الشمالي، لم يكن الخصوم يتوقعون القيام بها، ولا حتى المحللون والخبراء، لكون سورية وحلفاءها لم يكونوا يريدون الاصطدام مع تركيا ودفعها الى التراصف إلى جانب الموقف الأميركي، وانطلاقاً من وجود مصلحة في الاستفادة من الخلاف الأميركي التركي حول الموقف من دعم واشنطن للأحزاب الكردية في شرق الفرات… غير أنّ ما لم يدركه هؤلاء هو أنّ لا سورية ولا حلفاءها في وارد السماح باستمرار الأمر الواقع الإرهابي في هذه المناطق، وانّ إنهاء وجود الإرهابيين إنما كان ينتظر التوقيت ونضوج الظروف التي تساعد على تنفيذ القرار المتخذ أصلاً باستعادة كلّ الأراضي السورية التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية.. ومن الواضح أنّ هذه الظروف نضجت، وانّ العملية العسكرية بدأت وبغطاء من الطيران الحربي السوري والروسي الذي مهّد لها منذ أسابيع بقصف مركز لمواقع الإرهابيين… فما هي هذه الظروف التي نضجت وساعدت على اتخاذ قرار البدء بعملية تحرير محافظة إدلب وجوارها؟
في هذا السياق يمكن القول إنّ هناك عدة عوامل:
العامل الأول: تمادي الإرهابيين في اعتداءاتهم على مواقع الجيش السوري والمدن والبلدات الآمنة، مما أدّى إلى التسبّب بخسائر في وسط الجنود والمواطنين السوريين، وخلق حالة من انعدام الأمن والاستقرار، لم تعد تحتمل وباتت عاملاً يضغط على القيادة السورية لأجل وضع حدّ لحرب الاستنزاف التي يشنّها الإرهابيون…
العامل الثاني: إقدام الإرهابيين على قصف قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، بين الفينة والأخرى، مما شكل استفزازاً لروسيا ساعد على دعم قرار القيادة السورية بتنفيذ العملية العسكرية، خصوصاً أنّ تركيا لم تتمكّن من وقف اعتداءات الإرهابيين، بغضّ النظر عما إذا كان ذلك غضّ نظر من جانبها، أو فعلاً عدم قدرة، كما تدّعي..
العامل الثالث: إنّ تركيا لم تنجح في تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق أستانا، القاضية بإخلاء الإرهابيين والسلاح الثقيل من المنطقة المحاذية لمناطق تواجد الجيش السوري بعمق 15 إلى 20 كلم باتجاه الحدود مع تركيا، وقد جرى تمديد المهلة لتنفيذ ذلك أكثر من مرة، وتبيّن أنّ تركيا ليست في وارد استخدام القوة لتنفيذ التزامها، في حين أنّ جبهة النصرة، والجماعات التي تدور في فلكها، استفادت من هذه المماطلة التركية وقامت بطرد الجماعات المسلحة الأخرى وفرض سيطرتها على معظم محافظة إدلب، وما زاد من خطورة سيطرة النصرة إقدامها على إسقاط اتفاق خفض التصعيد وشنّ حرب استنزاف ضدّ الجيش السوري والمدنيين الآمنين في مناطق سيطرة الدولة السورية..
العامل الرابع: لم يعد هناك سبب سياسي يدفع سورية وحلفاءها إلى تحمّل هذا الواقع من الاستنزاف، بعد أن تراجعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تنفيذ قرارها بسحب كامل القوات الأميركية من سورية.. بل انّ جزءاً من القوات الأميركية جرى نقلها إلى مناطق قريبة من دير الزور والحدود مع العراق، لتوفير الدعم لفلول داعش، لإدارة حرب استنزاف ضدّ الجيشين السوري والعراقي، وعرقلة فتح الحدود بين العراق وسورية، وهو ما دفع الجيش السوري وقوات الحشد الشعبي العراقية إلى التنسيق عسكرياً، والقيام بعملية عسكرية وقائية أدّت إلى تطهير المناطق الحدودية من عناصر داعش.. وبالتالي فإنّ المراهنة على سحب القوات الأميركية والسعي إلى وضع قوات «قسد» الكردية أمام استحقاق حسم موقفها بالدخول في تسوية وضعها مع الدولة السورية، أو مواجهة هجوم تركي، لم تعد ممكنة مع بقاء جزء أساسي من القوات الأميركية، ومعها طبعاً قوات فرنسية وبريطانية تشارك في احتلال أجزاء من الأرض السورية بهدف توفير الدعم لقوات «قسد» وتشجيعها على عدم الدخول في تسوية مع الدولة السورية..
على أنّ بدء العملية العسكرية، بعد نضوج الظروف لتنفيذها، سيكون محكوماً ببعض الخصائص النابعة من واقع المنطقة المحاذية للحدود مع تركيا من ناحية، وعدم وجود مناطق سورية يذهب إليها الإرهابيون في حال وصلوا إلى مرحلة بات استمرارهم في القتال لا أفق له من ناحية ثانية..
1- من الواضح أنّ تركيا التي لم تعد قادرة على الاستمرار في المناورة مع روسيا، وستكون مجبرة على التسليم، كما هو واضح، بالأمر الواقع، انطلاقاً من ميزان القوى العسكري الذي يعمل لمصلحة الجيش السوري وحلفائه مدعوماً من روسيا.. وهذا ما تجسّد بسحب الجنود الأتراك من الحواجز التي كانوا يتواجدون فيها في المنطقة التي بدأت فيها العملية العسكرية.. وما يسري على المنطقة التي بدأت فيها العملية العسكرية، سوف يسحب نفسه في ما بعد على كامل المنطقة الشمالية الأقرب إلى الحدود مع تركيا، عندما يقترب الجيش السوري منها، حيث ليس من المستبعد أن تتمّ إعادة إحياء اتفاقية أضنة الأمنية بين دمشق وأنقرة، برعاية روسية، لتكون الإطار الذي يضمن أمن البلدين على جانبي الحدود..
2- انّ الجماعات الإرهابية المسلحة ستكون أمام ثلاثة خيارات:
الخيار الأول: دخول المسلحين، غير التابعين لداعش والنصرة، في المصالحة التي تعرضها الدولة السورية عليهم، على غرار ما جرى في مناطق سورية أخرى في محيط دمشق أو في الجنوب السوري..
الخيار الثاني: هروب المسلحين من النصرة وداعش إلى خارج سورية، وطبعاً فإنّ تركيا هي المكان الوحيد المتبقي أمامهم لأنّ الدولة السورية لن تفتح لهم باب الدخول في المصالحة باعتبارهم مصنّفين تنظيمات إرهابية، ولا توجد مناطق سورية خاضعة لهم يذهبون إليها…
الخيار الثالث: أن تسدّ تركيا الباب أمام دخول إرهابيّي النصرة وداعش إلى أراضيها، مما يجعلهم أمام خيار القتال حتى الموت أو الاستسلام للجيش السوري…
هذا هو المسار المتوقع لعملية تحرير إدلب والأرياف المجاورة لها.. عندما بدأ تنفيذ قرار تحريرها… لأنّ القرار باستعادتها إلى كنف الدولة الشرعية متخذ وكان ينتظر الظرف المناسب لتنفيذه.. على غرار ما حصل عندما بوشر تنفيذ القرار بتحرير الغوطة الشرقية وأحياء حلب الشرقية والجنوب السوري ودير الزور والبوكمال والميادين إلخ… لم تقف ايّ عقبة أمامه، ولم يكن أمام واشنطن سوى التخلي عن إرهابيّيها أو محاولة إطلاق التهديدات تارة أو التهويل تارة أخرى من تعرّض مناطق المسلحين للهجوم بالأسلحة الكيماوية لإعاقة العملية العسكرية وحماية المسلحين لمواصلة استخدامهم في إطالة أمد حرب الاستنزاف ضدّ الدولة السورية ومنع تعافيها من الحرب للبدء بورشة إعادة البناء…
كاتب واعلامي