حاصبيا: لم تمدّ يد الاستعطاء لأحد ولم يقو العدوّ على تدجينها

سعيد معلاوي

ترابط حاصبيا عند المثلث اللبناني السوري الفلسطيني، يرمقها جبل الشيخ من عليائه، وتحتضنها كروم الزيتون وأحراج الصنوبر وبساتين التفاح على امتداد حوض الحاصباني، وهي تنام في أحضان الطبيعة الخضراء على صوت انسياب نهر الحاصباني باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة جنوباً، هذه البلدة التي ظلمها التاريخ في كثير من المراحل وأنصفتها الجغرافيا.

فهي والبلدات التابعة لها إدارياً وصولاً حتى مزارع شبعا المحتلة وفيها من الخيرات ما يكفيها، لم تمدّ يوماً يد الاستعطاء لأحد، حتى قال فيها في يوم من الأيام ابن طرابلس قائم مقام حاصبيا رياض القاوقجي «إنّ منطقة حاصبيا هي المنطقة الوحيدة في لبنان التي لديها الاكتفاء الذاتي حتى لو أقفلت كلّ الطرقات باتجاهها فإنّ ذلك لن يغيّر في هذه المعادلة».

ولم تسلم حاصبيا من حقد المحتلّ حيث تعرّضت قبل فترة الاجتياح «الإسرائيلي» للمنطقة في العام 1982 للقصف البري والجوّي المعادي بشكل شبه يومي وعلى مدى سنوات طوال، وسقط من أهلها خلال تلك الفترة 123 شهيداً ومئات الجرحى والعديد من الإعاقات، وكانت الغارة الجوية «الإسرائيلية» الأولى على المناطق الآهلة فيها في أول أيام فصل الصيف من العام 1972 فأمطرتها الطائرات الحربية بعشرات من صواريخ الجو أرض الثقيلة التي تبلغ زنة كلّ واحد منها 250 كلغ، بما في ذلك الشارع الرئيسي والساحات العامة والمنازل المسكونة، مما أدّى إلى سقوط أكثر من 75 شهيداً وجريحاً من جراء تلك الغارة، فكانت مجزرة لم يشهدها لبنان من قبل، وإبان فترة الاحتلال المباشر لها على مدى ثمانية عشر عاماً حاول هذا العدو تدجينها إلا أنها رفضت وبشراسة كلّ تلك الضغوطات وأبقت على كلّ المؤسّسات الرسمية فيها، ورفض مشايخها الانصياع لرغبة «الإسرائيلي» فكانت تقيم الاحتفالات الوطنية رغماً عن أنفه، وفي العام 2000 انقشعت تلك الغيمة السوداء عنها لتعود الى حضن الدولة اللبنانية محتفية بالنصر كما كلّ قرى الجنوب.

في حاصبيا ست كنائس ثلاث منها للروم الأرثوذكس وواحدة للموارنة وواحدة للكاثوليك وواحدة للبروتستانت، وهناك جامع الى جانب السراي الشهابية، وفي إحدى التلال المطلة على البلدة يتربع مقام خلوات البياضة منذ أربعمئة سنة تحضنه وتحوطه أشجار الزيتون المعمّرة وأشجار السنديان العتيقة وفيه المرجعية الأعلى لأبناء طائفة الموحدين الدروز في العالم، يهتمّ بها الأتقياء من رجال الدين ويسوسونها لتبقى محجّة للمؤمنين من أية بلاد أتوا.

أما السراي الشهابية التي تحمل إرثاً عظيماً فيعود تاريخها إلى أكثر من 150 عاماً، ولا زالت مأهولة من بعض الأمراء الشهابيين، دون أن ننسى الأمير خالد شهاب الذي تولى رئاسة مجلس الوزراء في حقبة قديمة من الزمن، كما تولى نجيب بك الأميوني مهام وزارة التربية في العام 1926.

تولى رئاسة بلدية حاصبيا بهجت بك شمس بشكل متواصل على مدى 56 عاماً، دون أن ننسى شخصيات بارزة أخرى مثل المحامي نسيب أفندي غبريل الذي دخل الى الندوة النيابية في الأربعينات من القرن الماضي، وولده الأكبر المحامي اسكندر غبريل الذي تولى رئاسة محافظة الشمال، والدكتور أسعد قطيط الذي تولى رئاسة مركز الطيران المدني في العالم ولفترة طويلة.

هكذا يمكن لنا أن نختصر تاريخ حاصبيا التي تنتظر من الدولة الالتفات إليها بكلّ مؤسساتها وتذكرها بأنّ هناك مبنى صالحاً للاستعمال وهو السراي الحكومية، الذي يحتاج إلى بعض التصليحات والذي يستوعب كلّ المؤسسات الرسمية وال نسانية في البلدة والموزعة على 23 مبنى مستأجراً منذ أكثر من ربع قرن من الزمن.

لعلّ ما تقدّم يُعتبر دعوة لفرصة متاحة ومناسبة مع عصر النفقات وحصرها ومحاربة الفساد ووضع النقاط على الحروف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى