«سعودة» إيران مصيرية للجيوبوليتيك الأميركي
د. وفيق إبراهيم
العقوبات الأميركية الجديدة بمنع إيران من بيع ثروتها المعدنية والتعدينية تكشف انّ العقوبات الأميركية التي بدأ سريانها منذ أسبوع فقط على أساس حرمان إيران من بيع نفطها، فشلت وبالولادة.
وإلا فما الفائدة من عقوبات جديدة إذا كانت سابقاتها على درجة من الفاعلية وتؤدّي أغراضها؟
أم أنّ هناك أهدافاً كامنة لا يعلن عنها الأميركيون لكنهم يعملون من أجلها.
يبدو أنّ تصاعد العقوبات الأميركية تدريجياً من دون مسببات إيرانية مقابلة يكشف عن خطة أميركية متدحرجة ترمي الى استعادة إيران الى محور الجيوبوليتيك الأميركي في الشرق الاوسط.
بما يعني أن المسألة ليست مجرد مشروع لتغيير سلوكها او السيطرة على مواردها الاقتصادية او للقضاء على تحالفاتها في آسيا الوسطى والمنطقة العربية.
إنها كل هذه العناصر السياسية والاقتصادية مع إضافة خطة لتحويل إيران اداة طيعة» تعمل من أجل اتساع رقعة الجيوبوليتيك الأميركي في الجزء المرتبط بها في العالم الإسلامي.
هناك هدف آخر لا يقل أساسية وربما يدعم أكثر هيمنة الأميركيين في صراعهم على أُحادية الدور العالمي مع روسيا والصين.
مسألة إيران اذاً هي في الدور الذي تستطيع ان تؤديه في حركة تمدد الجيوبوليتيك الأميركي، الذي يعني اليوم انتشار 750 قاعدة عسكرية جوية وبحرية وبرية في أكثر من 130 بلداً تمارس أدواراً سياسية في حماية الأنظمة السياسية للبلدان المتمركزة وسياسات جيوبوليتيكية عبر الإمساك بحركة النقل والانتقال ونشر النفوذ الأميركي على مستوى العالم، فيما تتولى الأقمار الاصطناعية السيطرة من خلال السماء.
كيف يريد الأميركيون الدور الإيراني؟
المنطلق يبدأ بالنسبة إليهم من إسقاط نظام الجهورية الاسلامية في إيران واعادتها الى عصر الشاهنشاهية القديمة التي تعاود الإمساك بالبلاد عبر بعدين: الفارسي والإسلامي – الشيعي.
بذلك تُمسك الشركات الأميركية بكل ثروات إيران من الغاز والنفط والمعادن المختلفة، وتتحول سوقاً لاستهلاك البضائع الأميركية، ما يؤدي الى تراجع انطلاقة الصناعات الإيرانية، فتصبح مواقع لإعادة تجميع ما يريده الاقتصاد الأميركي اي انتاج سلع أميركية بإيدٍ عاملة إيرانية رخيصة وفي سوق استهلاكية تابعة لها.
هذا المستوى الاقتصادي هام جداً الى درجة استراتيجية رفيعة، لأنه يؤدي الى منع إيران من التحول دولة صناعية وفتح اسواقها للاقتصاد الأميركي عبر السيطرة على الامكانات الاقتصادية الإيرانية، خصوصاً من الغاز التي تشكل إيران ثاني أكبر منتج عالمي له. وهي ايضاً الرابعة على لائحة اهم منتجي النفط العالميين ولديها موارد معدنية ويورانيوم.
لذلك تستوفي إيران اقتصادياً ما يبحث عنه الأميركيون، لكن هذا جانب من الاهتمامات بموازاة موقعها الذي يستطيع ضبط الخليج من جهة ويناصب روسيا العداء من جهة بحر قزوين مخففاً من خروج تركيا نسبياً عن طاعة الأميركيين ممهداً للبيت الأبيض وضع يده بشكل كامل على العراق ومتعاوناً مع السعودية في إطار سياسات إسلاموية واحدة تعمل في خدمة الجيوبوليتيك الأميركي. الامر الذي تنتجُ عنه غايات سريعة عدة: تمرير صفقة القرن بسرعة ومن دون كبير عناء، وجعل الشرق الاوسط بكامله ومعه العالم الاسلامي مدى للهيمنة الأميركية تجول فيه وتصول كيفما تريد وتمنع كل المنافسين.
ان المشروع الأميركي بالسيطرة على إيران عبر تغيير نظامها السياسي يعطي الأُحادية الأميركية فرصة كبيرة لوضع يدها على العالم لنصف قرن جديد على الاقل، ويُسهمُ بتراجع الادوار الصينية والروسية وحتى الأوروبية.
لجهة الصين فإن حركتها في العالم الاسلامي تصبح ضعيفة في حال توحّد الجهدين السعودي والإيراني فتصبح الحماية الأميركية والتعاون الإيراني السعودي والمنافسة المرتقبة مع الأوروبيين، من العوامل الاساسية لتراجع الاقتصاد الصيني.
ما يسمح للأميركيين بالتغلغل في الداخل الصيني عبر التباين بين التعددية العرقية اللغوية وبينها وبين الإيغور المسلمين فيها، هذا إضافة الى امكانية استغلال الفارق الشاسع بين نظام اقتصادي صيني هو الثاني في العالم وبين نظامه الاجتماعي الاقتصادي الذي لا يزال منتجاً لأكبر كمية من الفقراء في العالم.
أما على المستوى الروسي فإن خسارة إيران سياسياً تعني فوراً إقفال الطرق أمام موسكو من جهة بحر قزوين وعرقلتها في مشاريع خروجها الى النقاط المتوترة في العالم من بوابة طهران، كما جرى في أزمة سورية وغيرها.
يتبين بالنتيجة أن السيطرة السياسية على إيران لازمة طبيعية للاستحواذ على أهمياتها الاقتصادية والجيوبوليتيكية. وهذا يتطلب نظاماً شبيهاً بالنظام السعودي يعيش على الحماية الأميركية، مقابل وضع إمكاناته الاقتصادية في خدمتها.
وهذا غير ممكن إلا بإنتاج نظام ديكتاتوري وراثي يستملك بلاده بنظريات من القرون الوسطى تدّعي وصلاً بالدين وهو براء منها.
أما على المستوى الأوروبي، فإن الحاجة الى إيران لا تقل عن الحاجة الروسية والصينية، فأوروبا كانت تأخذ حصصها من الهيمنة الغربية على العالم في مرحلة الصراع الأميركي السوفياتي وذلك للحاجة إليها لوقف المد الشيوعي الصاعد آنذاك.
اما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي فلم يعد يعيرها الأميركيون الاهتمام الكافي وبدأوا بمنعها من اختراق الأسواق في العالم الإسلامي وأميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وحتى الأسواق الأميركية في مرحلة ترامب، ما يؤكد أن تفجير النظام السياسي في إيران لن يكون لمصلحة أوروبا تماماً كما أنه ليس في مصلحة الروس والصينيين أيضاً.
ضمن هذه الاعتبارات لن تنجح المحاولات الأميركية للسيطرة على النظام السياسي في إيران. وهناك أسباب أكثر اهمية من العناصر الخارجية وهي قوة الدولة الإيرانية والتفاف شعبها حولها مع امتلاكها جيشاً متمكناً بوسعه الدفاع عن جمهوريته الإسلامية وتحالفاتها الواسعة في كامل المنطقة.