ترامب… الوجه الحقيقي لأميركا دون أقنعة
سعد الله الخليل
في الشكل تبدو قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسلوكياته مثيرة للجدل في الأوساط السياسية حول العالم وفي الداخل الأميركي، وغريبة في الكثير منها عن السلوك السياسي الأميركي خلال العقود المنصرمة، أما في جوهرها فليست إلا استمراراً للسياسات الأميركية ولا أقلّ ضرراً عما فعله من سبقه في سدة الرئاسة.
ترامب الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأميركية، والذي قاربت فترته الرئاسية الأولى من الانتصاف، يقارب السياسة والمصالح الأميركية من منطلق الربح والخسارة، انطلاقاً من خلفيته التجارية كرجل أعمال وملياردير أميركي يعمل في سوق العقارات الأميركية، وبالتالي ينظر إلى السياسة كاستثمار لِجني الأرباح متسلحاً بقرار دولة كبرى يتطلب من العدو قبل الصديق التأني وإعادة الحسابات في حال قرّر رفضه، واقتصاد قوي قادر على ليّ ذراع من يخالف توجهات سيد البيت الأبيض، وممسكاً بحصالة يجمع فيها عائدات قراراته المالية سواء لخزينة بلاده أو لخزائنه الخاصة.
على أكثر من جبهة يقارع الرئيس الأميركي خصومه في الساحة الدولية من بوابة التلويح بشنّ حروب يدرك جيداً أنه غير قادر على الدخول في أتونها، مقسّماً معاركه على طابقين الأول باتجاه الدول الكبرى روسيا، والتي تجلت بفرض العقوبات على موسكو واختلاق ملف سكريبال وانسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى المبرمة مع موسكو، وإعلان الحرب التجارية مع الصين من بوابة فرض الرسوم الجمركية بقيمة 50 مليار دولار طالت 1300 منتج صيني بنسبة بلغت 25 ، وفي هذه المعارك رسائل استعراض قوة تستهدف الحلفاء والخصوم، في الطابق الثاني من المعركة والتي تعدّ أكثر جدوى من الناحيتين السياسية والاقتصادية، مع الحفاظ على قدر لا بأس به من هامش العلاقة مع روسيا والصين وهو ما أعلنه ترامب صراحة بأنه لا يريد أن يسمّي روسيا عدواً بل يرغب بعلاقات جيدة معها ومع الصين، ففضل المضيّ قدماً في استنزاف السعودية عبر إجبار الملك سلمان على دفع 450 مليار دولار مقابل حماية واشنطن للمملكة ليقول ذلك جهاراً أمام تجمع لمؤيديه، من بوابة استعداء إيران والحرب في اليمن، وهو بذلك لا يخرج عن سلوك من سبقه من الرؤساء الأميركيين بابتزاز المملكة مالياً لقاء حماية العرش، مع فارق وحيد بأنّ ترامب واضح ويقول في العلن ما يدور في الكواليس دون اللجوء لأساليب الدبلوماسية في التغطية على صفقاته، لإدراكه أنه يتعاطى مع أدوات لا ترتقي لمصاف الدول، لذلك يصرّ على تقاضي ثمن كلّ موقف سياسي، ولعلّ آخرها السعي لإدراج جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية في خطوة تبدو لتكريس سلطة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن ورائه السعودية التي تسعى لضرب أكثر من عصفور بحجر فهي تضمن دوراً متقدّماً في مصر بعد هزائم اليمن والعراق، حيث بدا واضحاً مقدار التغلغل السعودي في مصر، وتحرج إيران التي تتخذ من الجماعة موقفاً مسانداً بالرغم من الخلاف مع جناح التنظيم في فلسطين حماس حول الملف السوري، والدور الذي لعبته بدعم الجماعات الإرهابية المسلحة في مواجهة الجيش السوي، وهو خلاف تجاوزته القيادتان السورية والإيرانية بعد خروج قيادات الحركة من دمشق، والتعاطي مع من انخرط من عناصرها في حمل السلاح كأيّ مسلح بوجه السلطات السورية، كما أنها تستكمل خطة الإجهاز على قطر المساندة للحركة، وأخيراً تسدّد ضربة في حربها المفتوحة مع أنقرة، وأمام أهداف كهذه ما المانع بأن يعلن ترامب الجماعة إرهابية رغم معارضة مراكز بحث وشخصيات أميركية للخطوة، على اعتبار أنّ الحركة لم تضرّ بالأمن الوطني الأميركي ولم تستهدف مصالح أميركية، لكن ترامب أراد تحقيق أهداف سياسية بتوجيه رسائل قوية للإسلام الراديكالي حول العالم، وللعرب بشكل خاص على اعتبار إمكانية إلصاق تهمة الانتماء للجماعة لأيّ مسلم أو عربي، وهو ما عبّرت عنه صحيفة «واشنطن بوست» بأنّ القرار يجعل كلّ المسلمين كبش فداء نتيجة لذلك ويمكن أن يلحق الضرر بملايين المسلمين، إضافة للدوافع المالية وما هو مستحق للدفع خلال الأشهر المقبلة، مع إعلان واشنطن لما تصفه صفقة القرن وعرابها صهر الرئيس الأميركي ومستشاره جاريد كوشنر والتي تتضمّن حوافز مادية وترميم الاقتصاد الفلسطيني بحاجة لأموال لن تخرج من الخزانة الأميركية بل من جيوب الشيوخ والأمراء في الرياض، كما أعلن ترامب أمام مؤيديه في ولاية ويسكنسن الأميركية، وبالرغم م ما كشفت عنه صحيفة «معاريف» العبرية من شكوك البيت الأبيض تمويل السعودية للخطة إلا أنها في النهاية ستخضع للخطة كونها البقرة الأميركية الحلوب كما وصفتها الصحيفة، ومموّلاً أساسياً لخطة سلام يدور حولها خلاف إقليمي كبير وفلسطيني أكبر وأقلّ ما يمكن القول عنها إنها صياغة أميركية لخطة استسلام فلسطيني للعدو «الإسرائيلي» بتمويل عربي.
لم يخرج ترامب عن سياسات من سبقه بالتعاطي مع المنطقة من وجهة نظر «إسرائيلية»، وتنفيذ مشاريعه بأموال خليجية، ربما يخرج عن سياق من سبقه بصراحته غير المعهودة وتسمية الأمور بمسمّياتها الحقيقية، وهو ما لا يرضي غرور قسم كبير من العرب يحب العيش في الوهم وما زالوا يصرّون على إمكانية الشراكة مع الأميركي الذي ينظر للآخرين كأدوات لكلّ منها سعرها يجب وضعه في خزائنه، ليأتي ترامب ويكشف القناع وليظهر الوجه الأميركي على حقيقته.