بويتن وترامب: عندما ينضج التفاوض
ناصر قنديل
– الأكيد من النص المعلن في البيت الأبيض حول المحادثة الهاتفية المطوّلة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين حول نتائج تحقيقات المدعي العام الأميركي في الاتهامات الموجّهة للرئيس ترامب بالإفادة من تدخل روسي استخباري في الانتخابات، أن الرئيس ترامب كان يريد للتحقيقات أن تنتهي بتبرئته لتطلق يديه في الذهاب لأي تفاوض ممكن أو لازم مع موسكو، وأن بعض المواقف التصعيدية السابقة بوجه روسيا كان إثباتاً لهذه البراءة أكثر مما هو تعبير عن مقتضيات المصلحة السياسية الأميركية، وأنه وقد تخفف من أثقال الاتهامات فقد صار بمستطاعه استعادة الموضوعية التي يجب أن يتصرف من خلالها الرئيس الأميركي مع الرئيس الروسي.
– هذا التوقيت ليس أحادي الحضور في الحديث عن نضج التفاوض بين موسكو وواشنطن، فيما تتزاحم محطات التلاقي بين أركان إدارتي موسكو وواشنطن. فالمحادثة الهاتفية الاستثنائية في مدتها التي بلغت ساعة ونصفاً واتسمت بالتفاهم الكبير، كما قال الرئيس ترامب مغرداً، تلاها لقاء بين وزيري الخارجية الأميركي مايك بومبيو والروسي سيرغي لافروف على هامش اجتماعات مجلس القطب الشمالي امتد ساعة خرج بعدها الوزيران يتحدثان عن إيجابيات كثيرة وفرصاً كبيرة للتفاهم، تمهيداً للقاء سيجمعهما في سوتشي بعد أيام، وقد استبقه بومبيو بالإعلان عن وصوله إلى موسكو قبل يومين من موعد سوتشي للقاءات تمهيدية سيتوّجها ويتوّج زيارته بلقاء الرئيس بوتين، ليتم اللقاء التاريخي بين بوتين وترامب في اليابان على هامش قمة العشرين الشهر المقبل.
– في الطريق إلى لقاء الرئيسين بوتين وترامب، إعلان أميركي للمرة الأولى عن «تفهم العملية المحدودة لروسيا في إدلب»، وحديث علني لبومبيو عن ملفات للحوار تمتد من سورية إلى أوكرانيا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية. وبالتدقيق سيتبين أنه في كل منها حاولت واشنطن لسنوات التفرّد ووصلت لطريق مسدود، بدءاً من أوكرانيا التي فقدت رأس الرهان على استخدامها منصة تصعيد بوجه روسيا مع الفشل الانتخابي للرئيس السابق المدعوم من واشنطن كرأس حربة بوجه روسيا، وروسيا تدعو لتطبيق تفاهمات مينسك. وفي فنزويلا فشل مزدوج للانقلاب النيابي فالانقلاب العسكري، وروسيا حاضرة للتعاون التفاوضي. وفي سورية تحتاج واشنطن لتغطية قرار انسحابها بتسليم روسيا إدارة الملف وضمان مستقبل الأكراد من ضمن تفاهمها مع الدولة السورية وتركيا بعدما صار نصر الدولة السورية الشامل تحصيل حاصل ومسألة وقت. وفي كوريا الشمالية انتهى الرهان الأميركي على مفاوضات ثنائية من وراء ظهر روسيا إلى مهزلة، وتساقطت الوعود الأميركية بقرب التوصل لتفاهم الواحد تلو الآخر، بينما أنتج لقاء الرئيس بوتين مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون ما يمنح روسيا صفة الوسيط القادر.
– يشكل الملف الإيراني العقدة الأهم، خصوصاً بعدما سقطت النظرية الأميركية بالقدرة على الحصول على تطمينات التفاهم النووي وحرمان إيران من مكتسباته، فالردّ الإيراني عملياً يقول إن إيران حصلت من التفاهم على سقوط لا رجعة فيه لعقوبات أممية، ولم تعد بحاجة للتفاهم وهي تستطيع تحميل أميركا وأوروبا مسؤولية إفشاله، وقادرة على التعايش مع عقوباتهم وقد فعلت من قبل لسنوات ما قبل العام 2015 موّلت خلالها اقتصادها وقوى المقاومة ومستلزمات صمود سورية بوجه الحرب الأميركية، وجاءت الحشود العسكرية الأميركية تحرشاً بديلاً بإيران يعترف ضمناً بفشل العقوبات في جلبها للتفاوض، وتشكل إشارات ترامب لتمايزه عن مستشاره للأمن القومي جون بولتون وإعلان رغبته بحوار مباشر بلا شروط مع إيران، كما الدعوات الأوروبية لتفاوض مباشر أميركي إيراني، مقدّمات لا يمكن لغير روسيا تحويلها إلى مناسبة لتفاوض تقبل به إيران من موقع يحفظ صورتها ومصالحها، وترامب أكثر مَن يدرك أن حديثه عن صفقة القرن حول القضية الفلسطينية بلا أفق، وأنه يفيد في ابتزاز أموال الخليج، لكنه لا ينفع في زرع الخوف في إيران وقوى المقاومة.
– ترامب المهتم بالتمهيد لترشحه لولاية ثانية من موقع النجاح، لا يملك ذلك بالتصعيد الذي يذهب إلى المجهول ولا يجلب له إلا صورة المتهوّر العاجز، بينما صورة القوي والقادر على صناعة التفاهمات هي ما يحتاجه في العام الذي يسبق بدء الموسم الانتخابي، ويعنيه كثيراً أن يذهب للانتخابات وهو يقول إنه نجح في التأسيس لمفاوضات جادة حول ملفات كوريا وفنزويلا وأوكرانيا والسلاح النووي وسورية وإيران بمقدار نجاحه في رسم صورة القوة الأميركية، وشرط هذا هو التشارك مع موسكو الذي رفضت واشنطن الإقرار به كحاجة وضرورة لعقود طويلة منذ سقوط جدار برلين، وشكلت الدعوة له أحد عناوين الحملة الانتخابية للرئيس الذي يُقال أنه يفي بوعوده الانتخابية ولو عطلته رياح الداخل الأميركي والرهانات الخاطئة وأوهام القوة إلى حين.